الزنيدي يطالب بمشروع للخطاب الدعوي السعودي

الثلاثاء ٣٠ أبريل ٢٠١٣ الساعة ١٢:٥٧ مساءً
الزنيدي يطالب بمشروع للخطاب الدعوي السعودي

طالب الدكتور عبدالرحمن بن زيد الزنيدي أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بالرياض، بمشروع للخطاب الدعوي في المجتمع السعودي، يحدد فيه أهدافه، ومسالكه العلمية، وآليات العمل وكيفية الإسهام فيه من قبل كل قادر على هذا الإسهام، مؤكداً أن من أهم ما ينبغي أن يتجه إليه بالبحث، والدراسة، والاجتهاد، والفقه الجمعي، تحرير المفاهيم الكبرى التي ما زال اضطراب الناس فيها وفيهم كثير من الدعاة قائماً، وتجديد الثقافة الشرعية في مواقفها من المشكلات، والمعطيات المعاصرة، وصياغة منهجية للعمل الفكري الإسلامي، فضلاً عن تطوير دروس المساجد، والمؤسسات الدعوية، ومتابعة المنتج الإعلامي رصداً، ونقداً، وصياغة رؤى منطلقة من الشريعة
لإصلاح الأوضاع الاجتماعية، ومعالجة ظواهرها القائمة، فضلاً عن العمل الدعوي الخارجي.

وأوضح أن وراثة العلماء الشرعيين للأنبياء تُحمِّلهم مسؤولية الريادة الثقافية والحضارية للأمة، حيث يرسمون بعلمهم لها مسالك النهوض, ومنطلقات التنمية, وحلول المشكلات، وتتكثف هذه المسؤولية في لحظات التحول المجتمعي, أي في حالات إعادة البناء لأن المجتمعات المستقرة ـ فضلا عن المضطربة ـ تحتاج في كل ما لا يزيد على نصف قرن إلى حالة تجديد يتطلب مراجعات وتقويمات واستشرافات مستقبلية, مشيراً إلى أن المجتمع السعودي مقبل على حراك اجتماعي لا ريب فيه يشعر به الناس ويترقبونه ويتوقعونه, وأن كثيراً من العلماء الشرعيين والدعاة المهمومين بدينهم وأمتهم ومجتمعهم يشعرون بأن المطلوب منهم تجاه الواقع مواقف ومبادرات, كما أن
بعض العلماء والدعاة يخشون فتنة الناس بآراء وإن كانت حقة، ويتهيبون سطوة أصحاب الرؤى السائدة.

جاء ذلك في محاضرة ألقاها د. عبدالرحمن الزنيدي  بعنوان : (الشرعيون والتغيرات المجتمعية) في مقر (منتدى العُمري الثقافي) بحي الفلاح  بالرياض، وأدار الأمسية راعي المنتدى الدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم العُمري.

وأبان أن المجتمع السعودي في ظل راهننا الزمني بتحولاته العولمية العالمية، وفيضانه المعرفي، والإعلامي، وتفجراته المدوية في عالمنا العربي، فضلا عن تطوراته الداخلية: الكثافة التخرجية من الجامعات،  عودات المبتعثين بأعدادهم الغفيرة، التفاعل الحيوي مع الإعلام والاتصال… إلخ، مقبل على حراك اجتماعي لا ريب فيه يشعر به الناس، ويترقبونه، ويتوقعونه؛ وإن كانوا لا يدركون كنهه، أو مفاصله، أو مستقره، وفي مثل هذه الحال تتوزع الناسَ حالاتُ تساؤل وتطلع عن طبيعة هذا الحراك، وعن الفرص التي سيتيحها لكل فئة، والتحديات التي سيفرضها.

ونوه د. الزنيدي إلى أن التحول الجاري (الثورات العربية ) وإن كان بحكم حضوره الزمني متضخما في حسِّنا وهمنا، إلا أنه ليس الأول، ولا
الأكثف أثراً في مجال التحولات؛ خاصة التي تتابعت في نهايات القرن الميلادي المنصرم وبدايات هذا القرن؛ كسقوط الشيوعية، وحروب الخليج، والثورة الإيرانية بتطلعاتها القومية، والعولمة بتداعياتها – الديمقراطية – حقوق الإنسان – المد الليبرالي، والانفجار الإعلامي، والاتصالي، المعرفي، والانكشاف من الغير لنا، ومنا  للغير، وموجات الإرهاب، والتطرف.. إلخ، ما جعل الناس يشعرون أنهم بدأوا يعيشون في عالم جديد بُدِّل بعالمهم السابق، وأن المخاطر لم تعد جزئية تأتي متباعدة، وأن الفرص تنفتح بالجملة للعمل الحضاري، والأحداث يأخذ بعضها برقاب بعض وصار الناس في إطار مجتمعهم الذي انهارت الحدود بينه وبين العالم، وتحت لواء الصحوة الذي أعلن لهم روادها أن حل مشكلاتهم، وتحقيق نهوضهم الذي فشلت كل الأيديولوجيات في تحقيق شيء منه، مكفول لهم بالإسلام إذا تحققوا به في
حياتهم الفكرية والعملية، وأنهم بذلك سينالون نهوضهم، ويرضون ربهم، ويتمكنون من أفضل ما في عصرهم في مختلف الجوانب.

وقال: إن كثيراً من العلماء الشرعيين والدعاة المهمومين بدينهم وأمتهم ومجتمعهم يشعرون بأن المطلوب منهم تجاه الواقع مواقف، أو مبادرات ريادية أصبح فرض عين لا يسعهم السكوت عنه، وبدأ بعضهم يتفحص قدراته، أو يتساءل عن موقعه في الحراك الإسلامي القائم، أو ينقد معارفه التي كونها من حيث مدى تأهيلها له للإيجابية في هذا الحراك، أو يسعى لتكوين تصور أكثر تماسكاً وشمولاً عن الواقع بتموجاته، أو يتأمل مشدوهاً لتداول المبادرة بين التيارات، وهو يرى تياراً غير تياره يكثف فعله الفكري في السياق الاجتماعي، ليبدو التيار الإسلامي واقفاً في حالة رد الفعل بكل صور ضعفه.
وأرجع تحَرُّج بعض هؤلاء العلماء والدعاة من إبداء اجتهاداتهم التي يرونها حقاً يدينون لله به، إلى أمور منها خشية فتنة الناس بآراء وإن
كانت حقاً كما يرون، إلا أن مصادمتها لما استمرأه الناس على أنه دين في حياتهم الماضية، قد يحدث بلبلة في نفوسهم, والتهيب من سطوة أصحاب الرؤى السائدة الذين لن يكون موقف – بعضهم على الأقل – موقف نقد، واحتجاج بالدليل، والتعليل، وإنما سيتجاوز إلى الاتهام بإفساد الدين، وتمييع الشريعة، وما هو أشد مما وقع – فعلاً – لبعضهم, وخشية أن يُفهم منه التزلف، خاصة فيما يكون حلاً لبعض المشكلات التي تعاني منها الدولة، أو بعض شرائح المجتمع ذات النفوذ كرجال الأعمال، والإعلام ونحوها, تكتيك التيار الآخر في
انتزاعه زمام المبادرة من التيار الدعوي في بعض القضايا الاجتماعية – قيادة المرأة للسيارة – رياضة المرأة – بيع المرأة في الأسواق الرجالية – السينما – زواجات المرأة – الاختلاط ؛ حيث أوقع هذا التيارُ تيارَ الدعاة، وطلبة العلم الشرعي في إحراجين:

أولاً: إشغالهم عن منطق المبادرة، ومن ثم تحديد الأولويات، وتدرج الإصلاح.

ثانياً: استفزازهم نحو رد فعل مضاد؛ أي أن سنده المضادة بالدرجة الأولى، ثم الاستدلال الشرعي.

ثالثاً: وبما أن موقف المستفِز كلي دون تفصيل؛ ضرورة الاختلاط، ضرورة الرياضة للمرأة – هكذا بإطلاق دون تحديد للحدود المطلوبة من سواها؛ لذا يأتي رد الفعل – تلقائياً – كلياً بالرفض المطلق، وهذا ما يجعل أصحاب تلك القراءة التي تفكك القضايا، وتفرز
عناصرها، ومن ثم تتفاوت الأحكام لديها على هذه العناصر خائفة أن يكون كشفها لما لا يوافق التيار الدعوي الرافض خدمة للتيار المقابل، الذي يدركون من خلال قراءتهم لأجندته التي يعلنها – بعض المنتسبين إليه من متطرفيه – أن أهدافه تتجاوز هذه المطالب العملية الجزئية نحو تحرر من الرؤية الدينية التي تهيمن على الحياة الاجتماعية.

هل تترك الأمور (على إطمام المرحوم) كما يقول المثل الشعبي؛ أي ترك الأمر على ما هو عليه، وإن كان غير مرضٍ، أو يتبعون موجة الرفض، وإن كانت خلاف قناعتهم لمجرد مضادة الآخرين، وحفظاً للأتباع أن يتبددوا، أو يعلنون آراءهم مغالبين التيار المقابل في حشره إياهم في رد الفعل، وتيار الانفعال ضد الفعل برده انطلاقاً من منطق المضادة، ساعين بهذه المغالبة نحو موقع يكونون فيه فاعلين أٌصلاء في الإصلاح الاجتماعي، والثقافي في المجتمع المتحول، وتلقائياً لن تكون الصورة عامة لمنسوبي الدائرة الشرعية بمقتضى السنن التاريخية؛ إذ سيصبح التيار الشرعي جناحين:

– جناح يبقى محافظاً على النسق المعرفي، وما عليه الفتاوى والاجتهادات السابقة، محاولاً تطويع التحولات لتندرج فيه، ومناوئاً الجناح الجديد، متتبعاً مواقفه لمطاردتها عن الساحة أن تُقبل فيها، وسيكون لهذا الجناح أتباع ستحملهم غيرتهم على محاولة إخراج هذا الجناح الجديد من دائرة العلمية الشرعية؛ ومن ثم من دائرة الإسلامية، وقد حدث شيء من هذا في قضية الاختلاط قبل فترة.

– وجناح يقدم آراءً جديدة في القضايا آخذة بمنهجي التحليل، والرجوع إلى المصادر الأصلية بالذات القرآن والسنة وسيرة الصحابة؛ فهي اجتهادات وآراء محكومة بإطار شرعي، لكنها تخرج على النسق الجاري في المجتمع في عوائده المستندة إلى فتاوى شرعية مدعمة لها. منطلق اجتهادات هذا الجناح مقاصد الشريعة، وأحكامها، وتصور الواقع في خلفياته، وتطوراته، وإمكاناته وضروراته، وقد يتعاظم هذا الجناح فيلتف حوله آخرون ويتشكل منه تيار لا يقف عند حدودِ جزئيةٍ، أو اثنتين مما اعتاد الإسلاميون انتظار التيار المقابل قذفهم بها، وإنما يتجاوز نحو نبش كثير من القضايا ونقد الرؤى القائمة فيها، وبناء آراء، ومواقف فيها بحسب ما ينتهي إليه اجتهادهم، وقد يختلفون هم – فيما بينهم – على الرغم من المنزع النقدي الاجتهادي المشترك، وقد يتشيع له أتباع يبادلون أتباع الجناح الأول الاتهامات والسباب، يمكن تسمية هذا الجناح بالنقدي، أو الاجتهادي، في مقابل المحافظ، على أن الوصف هنا للتعريف لا للتقويم.

ورأى أن الجناحين كليهما – على مستوى العلماء،  وطلاب العلم العقلاء – يتفقان على المنهجية من حيث الرجوع إلى المصادر الأصلية؛ الكتاب والسنة، وإلى هدي السلف – الصحابة بالذات – ومن حيث حق العالم الشرعي في الاجتهاد ما دام يملك آلته، ومن حيث إن الواقع لا شرعية له إذا ما خالف شريعة الله، ونحوها من الأسس النظرية المهمة، ولربما أن الجناح الثاني – النقدي – سيسعى شأن كل تيار ينشأ في جو غير موات  إلى شرعنة وجوده عبر إبراز رموزه، واستعادة الصور التاريخية التي تُدعِّم منهجه وتكشف فشل أسلوب الرفض العام ثم الخضوع، ثم القبول، خاصة القريبة منها، كالبرقية – تعليم العلوم الدنيوية – تعليم البنات – الإذاعة .. إلخ، وإبراز الرموز المعاصرين،

والاجتهادات المعاصرة الجارية في سياق اجتهاداتهم، وإبراز تراجعات بعض العلماء عن اجتهادات كانت على النمط المحافظ، والاستباق نحو القضايا المتوقع أن تكون مجال جدل بين التيارات في المجتمع، وسيحاول هذا الجناح تحجيم الجناح المقابل، في المقابل سيشعر الجناح المحافظ بأن هذا سحبٌ للبساط من تحت أقدامه، ولن يسمح بهذا الاختطاف، وسيحافظ على مكاسبه من أن تسلب، وعلى مواقعه أن تحتل، وسيسعى لتحجيم الجناح النقدي.

وأضاف يقول: نظراً للتوسع الهائل والمعقد إن في مجال العلم الشرعي في كتبه المطبوعة، واجتهادات المجامع، والمؤسسات الأخرى، أو في الواقع المتسع المتغير المعقد، فإن العالم الشمولي القادر على إجابة أي سؤال، وحل كل المشكلات، والإفتاء في كل النوازل، والمبادرة إلى تقديم البدائل الشرعية في مسارات التنمية لم يعد قائماً، والبديل هو العالم الشرعي المتخصص المستوعب لتخصصه واقعاً وتشريعاً، فإن الرؤى الفردية مهما كان مقام صاحبها في القضايا الكبار عرضة للنقص والخلل، ومن ثم توريط المجتمع في
ما لا تكون عواقبه محمودة ؛ لذا فإن التعويل ينبغي أن يكون على الجماعية التي تتسع وتضيق بحسب مجاله، على مستوى الدولة، أو على مستوى الأمة، كما أن هناك خللاً منهجياً كثيراً ما يحدث الإرباك بسببه، فقد أدى تكريس بعض المقولات الصحيحة في ذاتها الخطيرة في مآلها الذي نحن بصدده مثل (شمولية الإسلام لكل جوانب الحياة) (ضرورة تطبيق الشريعة في كل الشؤون) (مصدرية علماء الشريعة في كل المناحي، وتجاه كل المستجدات) ونحوها, فالمآل المقصود وهو تصور أن كل شؤون الحياة بما فيها الشؤون الاجتماعية توقيفية
كالعبادات، أي لا بد أن يكون مصدرها القرآن والسنة، وهذا ما جعل موقف التجهم، والرفض لمستجدات الشؤون الاجتماعية هو الأصل ما دامت لم تصدر من علماء شرعيين ذوي مواصفات معينة.

ورأى أن التيار المقابل للتيار الدعوي في المجتمع السعودي يمثل إشكالاً، وهمَّاً، ومثيراً للتيار الدعوي، خاصة أن الانفعال بحراكه ينطلق ابتداءً – في الغالب – من الأتباع نحو الرواد، والأتباع غالباً ما ينفعلون، ومن ثم يتخذون مواقف دافعها الغيرة الدينية لا الرؤية الشرعية
المستندة إلى هدي الوحي، والمصلحة المعتبرة، ثم يقاربون روادهم لتأييدهم، واستقطابهم معهم بحيث ينعكس الوضع فيصبح القائد مقوداً، ويحسن بالتيار الدعوي أن يدرك أن أغلبية من يُصَنفَّون – لدينا – ضمن التيار المقابل للتيار الدعوي الذي يوصف بـ (الليبرالي) مسلمون صالحون، لديهم حرارة إيمانية، وأداء للشعائر، ومحاذرة لتجاوز الإسلام، وإن كان في بعض أطروحاتهم عدم اعتبار للأدبيات الشرعية؛ لعدم تخصصهم، أو عدم اهتمامهم، وإن كان في بعضها الآخر مناكفة لبعض القضايا مناوأة لرافعي
شعارها من الإسلاميين، ولكنهم على كل حال قريبون من الحق، متفقون في كثير من القيم الإنسانية التي جاءت بها الشريعة مع التيار الدعوي.
وخلص أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بالرياض إلى القول: هناك عدد محدود من الصور الناشزة الحادة في أساليبها، المنحرفة في فكرها لكنها محدودة – كما قلت – وهم في ذلك التيار كالسفهاء الغلاة المنتسبين للتيار الدعوي ممن ينادي العلماء والدعاة بالبراءة منهم، وبتجريم الحكم على التيار الدعوي من خلال أولئك، وعليه فإن التيار الدعوي بحاجة إلى أن يصوغ في مشروعه المقترح خطة للتعامل الإنساني الهادف مع ذلك التيار عبر عقلائه نحو كلمة سواء بينهما تتحدد بها المنطلقات الجامعة؛ كالكتاب،
والسنة، والمصلحة الوطنية، والمسالك  المشتركة، والفوائد المتبادلة لصالح الدين، والوطن، والتيارين، وأن يستثمر التيار المتاحات المعاصرة في إشادة قيمته العلمية، ودراساته الاجتهادية، ومشروعاته التجديدية؛ مراكز دراسات، ومجامع اجتهادات، ومجلات
وفضائيات، ومؤتمرات، وحلقات نقاش، وورش عمل، ونحوها.

1

1