الهواتف الذكية أخفت جملة “سعودي مافي صبر”.. لكن ماذا وراءها؟!

الجمعة ١٧ مايو ٢٠١٣ الساعة ٣:١٦ مساءً
الهواتف الذكية أخفت جملة “سعودي مافي صبر”.. لكن ماذا وراءها؟!

قبل سنوات قليلة لو سألت أي وافد يعرف المجتمع السعودي جيداً عن أبرز ملاحظة سلبية على سلوكيات المواطنين، لأجابك دون تردد: “سعودي مافي صبر”.

وقد يكون محقاً في ذلك، فنحن مجتمع لا يتحلى بالصبر، رغم أننا نتمتع بفسحة واسعة من “الفراغ” يفترض ألّا تحملنا على العجلة!

لكن العجلة قد لا يكون مصدرها ذاتياً ناشئاً عن قلق أو اضطراب، إنما تكون استجابة لمؤثرات خارجية فرضها إيقاع العصر السريع، وزحام المدن الذي يأكل الوقت بشكل مذهل، يدفع بالبعض للاستعجال وكأنه في سباق مع الزمن ليدرك الوقت قبل فواته.

في الآونة الأخيرة، ومع ثورة تقنيات الاتصال وتحديداً الهواتف الذكية، خفّت وتيرة الاستعجال لدى “السعودي” بشكل لافت رصده بعض الوافدين بشيء من الارتياح، فلم تعد كلمة “بسرعة” دارجة على لسان السعودي كما كانت من قبل.

حكمت يوسف، مدير مطعم يحمل الجنسية التركية، وهو مقيم في الرياض منذ ما يقارب عشرين عاماً، يؤكد أنه لاحظ في الفترة الأخيرة هدوءاً غريباً يغلف سلوك الزبون السعودي، يعزوه من وجهة نظره إلى أن الزبون صار منهمكاً في تقليب هاتفه الجوال، ولم يعد يزعج المطعم – على حد وصفه – بالإلحاح والسؤال عن “الطلب” وترديد كلمة “بسرعة” التي كانت تستفز عمال المطعم.

وتابع يوسف: صار الزبون يسجل طلبه ثم يجلس باسترخاء على الطاولة أو في سيارته، ولا يرفع رأسه وعينيه عن شاشة هاتفه حتى ننادي عليه أو نسلمه طلبه.

وتداخل في حوار “المواطن” مع يوسف زبون باكستاني يعمل مقاولاً، وصادق على كلام يوسف وزاد بتعليق طريف قائلاً: (الله أنعم على السعوديين بكل شيء إلا الصبر، لكن يبدو أن الأمر في طريقه للتغير لتكون كلمة “سرعة سرعة” شيئاً من الماضي).

من الجانب الآخر، أكد فهد المطرف وهو شاب سعودي يدرس في الجامعة، أن الهواتف الذكية قضت تماماً على ضجر الانتظار، وقال: في السابق كان الانتظار مزعجاً لي إلى درجة أنني أحاول الهروب من قلقه باستعجال إنجاز الأمر الذي أنا بصدده، سواء كنت في طابور، أو كنت أنتظر طلباً من مطعم، أو حتى الوقوف عند الإشارة الذي كان مملاً، أما اليوم فوقت الانتظار فرصة لمتابعة ما يستجد عبر جوالي، وتصفح حسابي على تويتر، أو الرد على “مسجات” الأصدقاء في واتس أب وغيره.

وأيد زياد اللهيبي – صديق فهد – كلام صديقه، وأضاف: صرت أتمنى أن وقت الإشارة أكثر، خاصة إذا كنت أنا من يقود السيارة ووصلني برودكاست، أو تعليق على تغريدة لي في تويتر.

قد يكون غياب التعجل هو حسنة الهواتف الذكية الوحيدة، التي صارت شغل الناس الشاغل في كل زمان ومكان، لكنها في المقابل جرّت وراءها سيلاً من المساوئ التي تهدد الترابط الاجتماعي، وتضيّع الكثير من الوقت. حيث أظهرت دراسة أجريت أخيراً في جامعة الملك سعود، أن 21% من المستطلعة آراؤهم يقضون أكثر من 6 ساعات يومياً في استخدام الهاتف الذكي، بينما 27% يقضون من 4 إلى 6 ساعات، و32% يقضون من ساعتين إلى 4 ساعات، و21% يقضون أقل من ساعتين يوميا في استخدام الهاتف الذكي.

وأقرّ 44% من المشاركين في الدراسة وأغلبهم من الذكور، بأنهم تعرضوا لمشاكل أسريّة بسبب الهواتف الذكية واستخداماتها، بينما توصّلت الدراسة إلى أن 49% تجاهلوا أحياناً واجباتهم تجاه الأسرة بسبب انشغالهم باستخدام هذه الهواتف.

وفي بريطانيا كشفت دراسة عن إصابة 66% من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي برهاب الـ “نوموفوبيا”، وهو الخوف من فقدان الهاتف المحمول أو الابتعاد عنه لأكثر من يوم واحد، ويصيب هذا الرهاب مدمني استخدام شبكات التواصل الاجتماعي الذين لا يتحملون انقطاع اتصالهم بشبكة الإنترنت.

 وبينت الدراسة أن نسبة الإصابة بالخوف الشديد من فقدان الهواتف المحمولة تزداد بين صفوف الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً. وأجرت شركة “سيكيور إينفوي” المتخصصة في إيجاد حلول لأمان الهواتف المحمولة الاستطلاع، الذي أفصح فيه 40% من المستطلعة آراؤهم عن امتلاكهم هاتفين جوالين، لتفادي هذه المشكلة.

وفي فرنسا أجرت شركة “مينجل” استطلاعاً شمل 1500 مستخدم، أقر فيه 22% بأنه من المستحيل أن يمضوا أكثر من يوم واحد بدون هواتفهم المحمولة. ووصلت هذه النسبة إلى 35% بين صفوف الشباب الذين راوحت أعمارهم بين 15 و19 عاماً، وقال 29% من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع إنهم يستطيعون التخلي عن هواتفهم المحمولة لأكثر من 24 ساعة “ولكن بصعوبة”.