الشَريعةٌ بَين الأزمَاتِ . .ومسَايرةِ الأَهواء

الجمعة ١٩ يوليو ٢٠١٣ الساعة ١:٥٥ صباحاً
الشَريعةٌ بَين الأزمَاتِ  . .ومسَايرةِ الأَهواء

وعَدَ الله جلّ شأنه رسوله صلى الله عليه وسلم، بأن يجعل أُمتَه خُلفاء الأرض، وأئمةُ الناس والولاةُ عليهم، وبهم تَصلحُ البلاد ، و تخضعُ لهم العباد، ويُمكّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمناً وحكماً فيهم، ذلك وعد الله، ووعد الله حق ولن يخلف الله وعده، يقول الله تبارك وتعالى:

﴿ وعد اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ منْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ ( النور55).  فالوعد، والاستخلاف، والتمكين، والأمن، هم الأصل في الآية، وعبادة الله وحده لا شريك له ﴿يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ هي الغاية من بعث الرسول، وهو توحيد الله جلّ شأنه، وطاعة الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم، وأن طاعة الرسول لن تكون إلاّ في مظلة الولاية، وهي الاستخلاف والتمكين والأمن، فإن غابت الولاية غاب الاجتماع على الولاية، وغاب الأمن أو ضعف، و بهذا تختل الأحكام الشرعية، ويختلف الناس، ويُظْهِرُ أهلُ الأهواء مذاهبهم، وبدعهم، ونحلهم، ويعتلون المنابر بلا هوادة ولا علم ولا ورع، ويضيع الدليل، ويذهبون بالناس إلى الفرقة، والضياع، والبعد عن المصالح المرجوة في الأمة التي وعدها الله جلّ شأنه بالاستخلاف، والتمكين، والأمن .

    والمتأمل في مستهل الآية ﴿ وعد الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ يلحظُ أنّ وعدَ الله عزَّ وجل اختص بالذين آمنوا بالله وبالرسول وعملوا الصالحات، وهم أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم، والتابعين من بعدهم، وتابعيهم سلف هذه الأمة من أهل السنة و الجماعة ، الذين اقتدوا بهداهم ، وساروا على دربهم ، وعلموا من الشرع ، ومن قواعده ، ومن ضوابطه ما يعصمُ من الخطأ، وما يعصمُ من الانفلات، وكان الرفق والتأنّي والحلم يحوطهم من كل جانب، فكانوا القدوةَ في الدّين ، فطوبى لمن سار خلفهم في سَيره، وطوبى له في هداه.

   وإن كان الإنسان مقوداً بفكرةٍ فاسدةٍ، تلقّاها ممن لا علم شرعي عنده، انحرف والتبس عليه الحق بالباطل، وحُرم العلم النافع، المُتلقَّى من مشكاة النبوة، وأنوار الرسالة، فأصبح مسؤولاً عن تصرفاته التي يتولّى قيادتها فكره وعقيدته الفاسدة، ووقع في ضرب من الضلال، والقول على الله بغير علم، فيَضلُّ ويُضلُّ، قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ (النحل43) ، فالعلماء هم الذين يخلفون الأنبياء في العلم بالدين وأحكامه، وفهم نصوصه، وبيان ما يحتاجه الناس في أمور دينهم ودنياهم، مما تَصلُح به عباداتهم، ومعاملاتهم.

  والواجب على هؤلاء وأتباعهم، ممَّن سلك طريقهم بغير هدى، السعي إلى العلماء الراسخون في العلم، والأخذ برأيهم، لاسيما في الأمور المتعلقة بالمحافظة على الأمّة، ولكي تحافظ على الأمة وترعاها، عليك بالمحافظة على الوطن أولاً، لأنك مخاطَبٌ فيه ( إبدأ بنفسك ثم بمن تعول )، والأمور بمقدماتها )الأهم فالمهم ،( فمن أضاع المحافظة على الوطن، أضاع المحافظة على الأمّة، وشريعتنا السمحاء أمرتنا بأن نكون أهل فَهمٍ ونَظرٍ وإدراكٍ، متوازنين في الأمور كلّها بلا إفراط ولا تفريط، وأن ننهل من علمائنا، ونأخذ بأقوالهم وأفعالهم، ونعمل بها عن قناعة، فحينئذٍ تتحقق المقاصد، وتجتمع الكلمة على الحق، ويتوحد الصف، ويحصل الالتفاف، ونعيش في أمنٍ على أنفسنا ومن نعول، ونسعى في ذلك مؤثرين في الأمّة، صفاً تحت مظلَّة ولاة أمورنا، وراية الولاية والتوحيد مرفوعة بـ” لا إله إلاّ الله محمد رسول الله”، والله الباسط، والقابض، وإليه المصير.