محللون: معارضة أمريكا لاستخدام الكيماوي سببها “مصالحها الاستراتيجية”

الخميس ٢٩ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ١١:٣٨ صباحاً
محللون: معارضة أمريكا لاستخدام الكيماوي سببها “مصالحها الاستراتيجية”

نشرت “CNN” تقريراً عن الأسباب التي دفعت أمريكا لقيادة حملة تتطالب بمعاقبة نظام الأسد لاستخدامه الكيماوي -والذي تعتبره خطاً أحمر- في غوطة دمشق، وطرحت سؤالاً عن السبب الذي دفع أمريكا والدول الغربية الانتظار حتى هذا الوقت دون أن تحرك ساكناً جراء الحرب الدائرة في سوريا.

وقال أستاذ العلوم السياسية في معهد سوارثمور، دومينيك تييرني: “تقطيع أشلاء شعبك بمتفجرات عالية يمكن السماح به، تماماً مثل إطلاق الرصاص عليهم أو تعذيبهم، لكن الويل والثبور للنظام السوري إذا فكر مجرد التفكير في استخدام أسلحة كيماوية”.

وفي مقال لصحيفة “أتلانتك” أوضح تييرني -مؤلف كتاب طريقة الأمريكيين في الحرب- أنَّ “سيدة وابنها في حلب يمكنهما النجاة من الهجوم الكيماوي، وليس من البديهي أن المتفجرات القوية أقل شراً من الأسلحة الكيماوية”.

ومن جهته، قال الكاتب بول والدمان: “إن قتل المرء بغاز الخردل أمر مخيف، ولكنه الأمر نفسه عندما يقتل في انفجار قنبلة. ويتم اعتبارك مجرمَ حرب في هجوم وأنك لست كذلك في هجوم آخر”.

كما أوضح الكاتب في لوس أنجلوس تايمز -بول وابتفيلد- أن “القنابل التي تدمّر مباني على رؤوس أبرياء منهم أطفال ونساء هي أمر سيء، ولكنها لا تدفع إلى التحرك. ولكن شن هجوم كيماوي يثيرنا لدرجة شن الحروب”.

وأبرز الأحداث التي تم فيها استخدام أسلحة كيماوية كانت عام 1988 أثناء الحرب العراقية – الإيرانية. واستخدم صدام حسين تلك الأسلحة لقمع الأكراد في مدينة حلبجة وضد القوات الإيرانية. وعام 1992 تم تبني معاهدة حظر استخدام الأسلحة الكيماوية.

ويعتقد عدد من المحللين أنه من المنطقي أن يرد العالم -وعلى رأسه الولايات المتحدة- بكيفية مختلفة كلما تعلق الأمر بهجوم كيماوي، ووفقاً للمسؤول السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية دون بوريلي فإنّ الأسلحة الكيماوية عمياء بكيفية تجعلها تضرب دون تمييز “وعلى الأقل هناك بعض التمييز بالنسبة إلى الأسلحة التقليدية”.

ومن جهته بيَّن المسؤول السابق في البنتاغون مايكل روبن أنَّ “الأسلحة الحديثة أكثر دقة رغم أنّها أشد فتكاً”. غير أن الأسلحة الكيماوية تنتشر على مدى أوسع بما يتيح إصابة أعداد كبيرة وقد تلحق بهم “ضرراً يستمر مدى الحياة” لكنه يعترف أن بعضاً من الأسلحة التقليدية تتميز بنفس الآثار أيضاً.

وهناك سبب آخر يجعل من استخدام الأسلحة الكيماوية مبرراً للردّ العسكري من قِبل المجتمع الدولي -وفق روبن- حيث قال: “نريد وضع نوع من الإطار للحروب، وإذا لم تقم بذلك فإنّ المقاتلين سيستمرون في توسيع المجال ورفض الحدود، وإذا لم يتم التدقيق بشأن هجوم كيماوي فكيف سيكون الأمر عندما يتعلق بهجوم بواسطة فئة ثانية من أسلحة الدمار الشامل مثل الهجمات الجرثومية أو النووية؟”

ومرت بعض الهجمات الكيماوية مرَّ الخفاء، وفي النزاع الحالي يعتقد أنه تم شنّ هجمات كيماوية على مدى ضيق عدة مرات.

وتشير تقارير نشرتها مجلة “فورين بوليسي” إلى أن الولايات المتحدة “ساعدت صدام حسين عام 1988 في استخدام الغازات ضد القوات الإيرانية” غير أن روبن أوضح أنه يشك في ذلك لكنه حرص على القول: “هناك سؤال جوهري: ألا يتعين علينا أن نستفيد من أخطائنا؟ وإذا قمنا بعمل خاطئ في السابق فهل يجبرنا ذلك على أن نستمر في نفس السياسة ونسمح لنفس الخطأ أن يتكرر؟”

وأضاف أن الولايات المتحدة ودولاً أخرى ترغب في أن تعيد الأمور إلى نصابها بشأن التعامل مع استخدام الأسلحة الكيماوية وفقاً لما تقرر بعد الحرب العالمية الأولى وحلبجة.

وقال المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية طوني كوردسمان: إن الصورة التي يحملها الناس عن الهجمات بالأسلحة الكيماوية “عادة ما تكون مبالغاً فيها” حيث إن أضرارها لا تعني بالضرورة أنّها أشدّ وطأة من الآثار التي يخلفها استخدام الأسلحة التقليدية، مؤكداً أنّ “الفتك كان دائماً تقريباً أشدّ على الورق أكثر منه في الواقع”.

وضرب مثلاً على ذلك “حلبجة” حيث إنه حتى الساعة ليس هناك إحصاء دقيق ومستقل بشأن عدد القتلى في ذلك الهجوم.

وبرر ذلك بكون غالبية الناس تبني تقييماتها للهجمات بالأسلحة الكيماوية على أساس ما تحتفظ به الذاكرة الإنسانية من صور الحرب العالمية الأولى.

أما تييرني فيمضي أبعد من ذلك بالقول: إنّ معارضة الولايات المتحدة وبعض الدول الكبرى لاستخدام الأسلحة الكيماوية مرده في الأساس “مصالحها الاستراتيجية الضيقة”.

وأوضح أنّ لدى هذه الدول -وخاصة الولايات المتحدة- تفوقاً في مخزون الأسلحة التقليدية وبالتالي فإنها تحاول الحفاظ عليه بمنع الآخرين من “استخدام الأسلحة الكيماوية حتى لا يحصل نوع من التوازن في أرض المعركة”.

غير أن روبن يرفض ذلك قائلاً: إنّ تفوق الولايات المتحدة يعدّ أيضا أكبر بكثير فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل بما يسقط تماماً نظرية التوازن، وأنه بعد أن فشلت استخدامات الأسلحة الكيماوية على نطاقات ضيقة في حمل العالم على التحرك، يعد الهجوم الأخير المزعوم مثالاً صارخاً لا “يمكن الادعاء أننا لم نره”.