الشعراء السعوديون يتغنون في الوطن منذ تأسيسه

الإثنين ٢٣ سبتمبر ٢٠١٣ الساعة ١١:٥٩ صباحاً
الشعراء السعوديون يتغنون في الوطن منذ تأسيسه

رافق الشعر مراحل تأسيس الوطن منذ الخطوة الأولى لها ، واستمر معها ، مصوراً ومشيداً وموضحاً لثوابته الإسلامية المتينة ، ولأهدافه السامية ، وقد صرخ الشعر مدوياً ومعلناً استبشاره بالوطن ، ثم مفتخراً به وبتوحيده ، وهاتفاً بكل جزء يمثله ملكاً وشعباً وتاريخاً وأرضاً ، وهذا هو الوطن في مجموعه ، لا يمكن فصل ركن منه عن الآخر، وقد كان الشعر قبل التوحيد وبعده تسيطر عليه نغمة حماسية مجلجلة ، وعواطف مشتعلة ولغة فخمة راقية ، تعكس عظمة المرحلة وجلال الموقف .

التغني بالوطن :
أما التغني بعشق الوطن ومناجاته في الشعر السعودي فغرض شائع وواسع ، وتبلور بشكل لافت بعد التوحيد ، ونستطيع أن نقول: إنه المرحلة الثالثة لشعر الوطن، فلا يكاد يخلو ديوان من أمثال هذا الشعر الغنائي ، الذي يحوي مشاعر ملتهبة بالعواطف المتوقدة والمتأججة بحب الوطن ، ونقصد بهذه الجزئية أن يبوح الشاعر بمشاعره بصورة ذاتية، بمعنى أن يتغنى بمشاعره الوطنية ، في شكل مناجاة ، أو مخاطبة ذاتية حميمة للوطن، يدل على هذا قول فؤاد شاكر في (مجد الوطن):
مجـــــــــدي لمجدك ينتـــــــــمي وطني فديتــــــك بالــــــدمِ
وطـــــــــني وذكرك سائـــــغ كالشهــــــد ينضــح في فمي
وطني وقــــــــــــدرك شامخ كالشمــــــــس فوق الأنجم
أنت العرين لكل ليــــــــــث من العريــــــــــــــن وضيغم
سعـــــــدت بعهد مشــــــرق ومحــــــت دياجـــــــر مظلم
هــــــذا هو البيــــــت الحرام وتلــــــك دار الأرقـــــــــــم
هــــــــــــــــــذي معالمنـــــــــــا هي للمفاخـــــــــر تنتـــــمي
شرفـــــــــــت بديــــــن محمد وزهــــــت بقدر المســــــلم
وطني فديتـــــــــك بالــــــدم
ويقول محمد إبراهيم جدع (1330هـ – 1398هـ) في ( نشيد البلاد ) :
يا بلادي أنت في دنيا حياتي كل آمالي وأقصى أمنيــــــــاتي
فيك أحيا وأناجي مكرماتي وعلى أرضك أقضي واجباتي
أنفق العمر لأحيا في بلادي موضع العز ومهــــد المكرمات
وطاهر زمخشري (1332هـ – 1407هـ) ذلك الشاعر الرومانسي، يهتف بالوطن ويتغنى بحبه بنغمة هادئة وألفاظ هامسة ، قائلاً في قصيدة (بلادي) :
بلادي فداؤك روحي وعيـــني لنور يشـــــــــع من المسجـــــدين
بلادي بلادي بلاد الهـــــــــدي تجاوزت بالمجد أقصــــــــى المدى
فكنت نشيــــداً طروب الصدى وما زال يهتف في الخافقين بلادي
والشاعر محروم أو الأمير عبدالله الفيصل (ولد عام 1341هـ) يشدو بالوطن نشيداً طروباً ، ويبوح له بهواه ، مركزاً على الأماكن المقدسة التي نعمت بالعناية والرعاية ، يقول في (نشيد الفداء):
أفديك يا وطني إذا عـــــزّ الفدا بأعز ما جادت به نعمُ الحياهُ
كل الوجود وما احتواه إلى الفنا إلا هواك يظل مرفوعــاً لواهْ
يا مهــــــــــــد أجــــــــــــــــــدادي يا كنـــــــــــــــز أحفــــــــــــادي
يا ظــــــــــــلّ أمجــــــــــــادي
منك الشجاعة والكـــــــــــــــرم فيــــــــــــــك المروءةُ والشَّممْ
تعلو بعاليك الهمــــــــــــــــــــــم لتظل مرفــــــــــــــــــوع العلم
أهوى ثراك الطاهـــــــــــر الغالي أهوى سماك ومجدك العــالي
يا فجر أحـــــــــــــــــلامي وآمالي تحيا وتحلو في مغانيــك الحياةْ
أهوى الذي يهـــــــواك يا وطني وأصدُّ من عــــاداك يا سكني
يا مهد إسلامي ، يا وحي إلهامي ، يا عزّي النّامي
يا موطن الفضل النّــــــــــــــــدي يا أصــــــــــــــــل كل السؤدد
ما بين أمسك .. والغـــــــــــــــــد وضح الهـــدى بمحــــــــــــمد
صلى عليه الله وهّابُ الحياهُ
يا من إذا صلى امرؤٌ أو سلمــــا كنت الحمى المأمون يا نعم الحمى
وإذا امرؤ للحـــج جــــــاء محرما كانت رعايتك الحفيـــــة بلسما
عش موطناً للمجد يرعاك الإله
لقد امتزج في هذا النص عظمة الوطن وشموخه ورهافة المشاعر ورقتها ، فقد اختزل الشاعر بعبارات مكثفة سمات الوطن السعودي على اختلافها ، من خلال حسٍّ وطني مرهف ، وساعد الشاعر على ذلك التوزيع الموسيقي الجديد ، الذي منح الشاعر حرية ، وانطلاقة في البوح .
وحسين عرب يردد نغمة الوطن قائلاً:
السعوديــــــــــــــة يا أغلى ديـار أنت للدين والدنيــــــــــا منار
وحّــــــــــــــــــد الله لها أقطارها وسما البيت بها أسمى شعار
مملكة العدل ومعدن الفضل
نهضـــــــة شاملة كاملــــــــــــة تنــــــشر العلم وترعى الأدبا
وقــــــوى رادعــــــــــــــة مانعة تنصر الديـــــن وتحمي العربا
في خدمة الإنسان على مدى الزمان
أما الشاعر أحمد قنديل (1332هـ – 1399هـ)، فيرى أن الإفصاح عن العواطف الوطنية ، والهتاف باسم الوطن غير كافٍ ، بل لا بد من العمل الدؤوب لخدمة الوطن وإعلاء شأنه ، في نص شعري سماه : (بلادي) :
بلادي أين من يصبو إليك عند ذكراك ؟
ومن إن مسك الكرب وناديـــت فلباك ؟
ومن يركض ، أو يحبو إذا ما المجد ناداك ؟
إلى أن يقول :
بلادي في دمي أنت هوى ينساب دفاقا
وفي الأحشاء قد عشت فؤاداً عــــــــــــاش خفاقا
والعواد أيضاً يقول:
وما حبك الأوطان دمعاً تريقه وتشتاق داراً أو جداراً مهدما
ولكنه أن تجهد النفس مساعيا لتلبسها ثوباً من المجد معلمـــا
وفي (بلادي) يقول العواد أيضاً – في هذا المعنى –([65]) :
بلادي ، ومرتع أمنيـــــتي
ومنشا مجدي بـــــــل منيتي
سلام عليك بلاد الحـــــياة
بــلاد الذكاء بـــلاد العرب
بني أمتي ، واصلوا غايـه
إلى الالتقـــــــاء بني أمـــتي
إلى أن يقول :
سلام على العرب الناهضين
أسود الجزيرة أبطالـــــــــــــــها
عظام الخليقة والنبــــــــــــــعة
وإبراهيم الدامغ (ولد عام 1357هـ)يتغنى بالوطن وبمجده وبحبه قائلاً في (بلادي) :
بلادي بلاد العــــلا والكرم ومهد القداسات منذ القدم
رواها انطلاقي عبير الشمم وروَّى ثراها بعـرف الجدود
بلادي سرى حبهــا في دمي ورفَّت أغاريدهـــــا في فمي
ويهتف حسن عبدالله القرشي (ولد عام 1344هـ)بالوطن مركزاً على خصيصته حيث هو مأوى المقدسات الإسلامية ، قائلاً:
موطني يا قداسة الزمن الــــــــها دي ويا نبع فخره وازدهاره
موطني ياصُبابة الوحي في الكون ومجلى العلويِّ مــن تذكـاره
يا رعى الله من خلودك روضــا زاهيا بالهـــــتوق من أطـياره
يفتديك الشباب بالدم مطلولا فلتدم بشفاره
ومحمد هاشم رشيد (ولد عام 1349هـ)يتغنى بالوطن ، ويشدو باسمه قائلاً في (بلادي الحبيبة :
سلاماً .. سلاماً .. منار الكفاح
ومهد البطولات .. منذ القـــدم
على ربواتك .. يزهو الصــباح
وفوق سهولك يسمـــــــو النغم
بــــــــلادي الحبيبة .. يا قبلـــــــــة
لكل البـــــــلاد .. وكل الشعوب
حواليك تهفــــــو .. طيوف المنى
وحول حماك ترف القلــــــــوب
ويبدو أن النغمة المسيطرة على بعضٍ من هذه القصائد التي يتغنى فيها الشعراء بالوطن ، هي نغمة تقترب من الإنشاد الجماعي ، مما يرشح تلك النصوص لأن تكون صالحة للغناء ؛ وذلك لمساعدة هذه النغمة السريعة على سهولة الحفظ والترديد ، ومن ثم بث الحماس .
ويفتخر أحمد سالم باعطب (ولد عام 1355هـ) بوطنه السعودي وبمجده وحاضره وماضيه ، معتمداً على اللمحة الخاطفة لملامح الوطن ، قائلا :
قف على منـبر الفخــار ونــــادِ أنت للخير منبــــــــــع يا بــلادي
عبق المجد في ربوعك يســــري عمَّ خُضْرَ الربى وحـــمر الوهاد
والبطولات في سمائك نشوى أثلجتها ضـــراوة الآســـــــــــــــاد
فتية تعشق السموَّ وتنـــــــــــأى عن مهاوي الضــــلال والإفساد
عانقوا شمسك المضــيئة عزمـًا حملوا مشعــــل الهدى والرشاد
إيه يا موطن القداســات تيهــي وانثري النــــور دافقاً للعبـــــــــاد
فعلى أرضك النبواتُ سـارت مشرقات سخية الإمــــــــــــــــداد
أنت مثوى السلام والحـب في الأرض ومأوى القساور الأمجاد
وللشـــــاعر إبراهيم العواجي (ولد عام 1358هـ)، غنائية هامسة عذبة للوطن، يبوح فيها برومانسية مرهفة بمشاعره الصاخبة للوطن، أسماها (موطني):
منذ الطفولـــــــة شعَّ في نفــــــــسي ضياك
وألفــــــت أن أبقى سعيداً في ربــــــــــــاك
ونعمت من خيرات جودك ، من عطاك
وشعاع شمسك حين ترسله ســـــماك
بالرحمة الكبرى العميقــة .. من رؤاك
ومنافــــــع شتى يجـــــــــود بها ثــــــراك
سأذيب نفسي كي أشيد من عــــــلاك
حتى أرى التاريخ يقبس من سنــــــاك
والبواردي عاشق الأرض الذي خصص ديواناً لهذا الوطن، تغنى بهذا الوجد والحب الجارف لموطن المقدسات الإسلامية قائلاً :
موطن الوحي على واديك طافت أمنيــــــــاتي
فيك .. في سهلك بل في صخرك لملمت شتاتي
ورفعت الرأس حراً .. هاتفاً .. من كل ذاتي :
عشت حراً وعزيزاً .. عشت موفور الحيــــــــاة ..
عبر صحرائك .. عبر الشمس . والريح العنيدة
عبر أنفــــــــــــاس الخزامي .. وسواقيك البعيدة
عبر هاتيك البــــــــــوادي والنخيلات المديـــــدة
عبرها أبصــــــــرت نفسي أبصر الشعب وجوده
ألف ميل .. ألف ميــــــل ظلـــــل الأمن سماها
غنائية عذبة تنضح بدلالة الجزيرة العربية وملامحها، وتشكل لهذا الشعر هوية خاصة ومميزة ، ترشحه لأن يكون شعراً متميزاً ، ودالاً على هذا الوطن الشامخ الذي ظلل الأمن سماءه .
ويمتزج الوطن بالروح والجسد ، بالأهل والولد ، بالماضي والمستقبل ، إنه عالم الشاعر بأكمله ، تتجلى هذه المعاني عند د. غازي القصيبي (ولد عام 1359هـ) ([77]) الذي يتوحّد مع موطنه ويراه في كل ما هو جميل ونفيس ، ويهمس له بمشاعره الضاجة بالوله والهيام ، قائلاً([78]) :
أحبك حتى التوحد .. يا وطني
مولــــــــــــــــــــدي فيــــــــــــك عرسي
وموتــــــــــــــــــــــــي عرســـــــــــــــــــي ..
ودمعي إذا ما رأيتك عرســـــــــــــــــي
وأنـــــــــــت رجائي .. ويأســــــــــــــــي
وبـــــــــــــــــــــدري .. أنت .. وشمسي
نخيلــــــــك يغســـــــــــل بالطلِّ رأسي
ورملــــــــــــــــــــــــك نُقلى .. وكأسي
فدعني أحبك من كل أوجاع روجي
وغصة قلبي .. وحرقــــــــــــــــة نفسي ..
وكُن حين أفزع حضني وأمــــــــــــني
كأنــــــــك أنت .. كــــــــــــــــــــــــأني!
كأني إذا ما ضممتك .. أهصر يومي وأمسي
كـــــــأني إذا مــــــــــــــــا لثمتــــــــــــك
ألثم راحة أمي .. وجبهة ابـــــــــــــــني
وأحضـــــــــــــن جيلاً يجيء إذا غبتُ ..
يطـــــــــــــــرب حين يردد جــــــــرسي
فدعني أحبــــــــــــك من كل حــــزني
ودعني .. دعــــني .. دعــــني .. دعني
والقصيبي له عدد من القصائد التي تتميز بحسٍّ وطني ظاهر ، فالوطن هاجسه الذي يتغنى به . وقد لجأ في بعض قصائده إلى الرمز للوطن ، من هذه النصوص التي غلفت بحس رمزي شفيف ، حوارية حميمة ، شخص فيها الوطن بصورة أم رؤوم يحاورها وتحاوره ، ويلقي بنفسه فوق رمالها الدافئة ، ويغسل في صحرائها عناءه من تعب الحياة وطوال الرحلة ، وذلك في قصيدة (يا صحراء):
وطفت الكــــــــون لم أعثر
على أظهـــــــــــر من حبــــــــك
أو أعنف من بغضــــــــــــــــــــك
وعدت إليك .. ألقيت بمرساتي
على الرمــــــــــــــــــــــــــــــــــــل
غسلــــــــــت الوجه بالطّــــــــل
كأنــــــــك عندمــــــــا ناديتـــني
وهمســــــــــــــــت في أذنــــي :
“رجعـــــــت إلي يا طفــــــــلي ؟”
أجل .. أماهُ .. عدت إليــــــــك
طفـــــــــــــــــــــــــــلاً دائم الحزن
تغــــــرَّب في بــــــــــــــــــــلاد الله
لم يعثر على وكــــــــــــــــــــــــره
وعاد اليوم يبحث فيك عن عمره
وعدت إليــــــــــــــك يا صحراء ..
ألقي جعبــــة التســــــــــــــــــــيار
أغــــــــازل ليلك المنســــــــــــوج
من أســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرار
وأنشــــــــــــــــق في صــــــــبا نجدٍ
طيــــــــــــــــــــــــوب عـــــــــــــرار
وأحيا فيك للأشعار ، والأقمار
إن الصحـــــراء بقسوتها ووحشتها تشكل لوحة ملونة لأبنائها تزخر بالجمال والبهاء ، ورأينا كيف أجاد الشاعر في تعبيره عن ارتوائه من صحراء وطنه السعودي ، معتمداً على الرمز الشفيف الظاهر المكشوف ، مثل الصحراء السافرة المشرقة ، التي هي سمة الوطن السعودي ومعلم بارز من معالم هويته .
ومن هذا المنطلق فقد تعددت أساليب التعبير أو البوح بعشق الوطن تبعاً لتطور الشعر السعودي ، فقد أفاد الشعراء من التقنيات الشعرية المعاصرة ، ووظفوها داخل قصائدهم الشعرية ، فالشاعر د. إبراهيم العواجي له (نفحات وطنية قلما تجدها في شعرنا المعاصر . ويكاد يكون شاعرنا منفرداً بين أقرانه ، ووصفائه من الشعراء السعوديين بخاصة ، والعرب بعامة . وتتجلى هذه النفحات في كل لون من ألوان شعره حتى الغزل ) .
ومن هذه القصائد التي يمتزج فيها الوطن بالحبيبة قصيدة (لا تطفىء النار) : التي كتبها عام 1408هـ ، منها :
لا شيء يطفىء وهج الوجد فاتقدي يا نار سمرٍ وزيدي جذوتي لهبـا
وأشعلي حمم الأشواق في كبـــــدي فإنني عاشــــــــق يستهلم الوصبا
أرى الحياة بدون الحـــــــــــــب باردةً صقيعها يقتل الإحساس والطربا
ثم يدخل الشاعر في جوهر النص ليكشف عن هوية المحبوبة :
فللحب نداء العقل مهزلــــــــــــــــــة وللـــــــتراب مذاق المركم عذبــــــــا
أحتار أيهما حبي وملهمـــــــــــــــتي وأصل وجدي ومن كانت هي السببا
ذاتُ العيون التي أسكنتهــــــا بدمي وفي قصيدي وفي قلبي وما وجبا ؟
أم أنها الأرض أعطتــــــــني هويتها فصرتُ معشوقها والأصل والنسبا
لا فرق عندي فالأشــــــــباه واحدةٌ كلاهما السرُّ ما غابـــــــا ولا اغتربا
هما البراءات في شعري وفي سفري وما بلغت ولم أبلــــــــــغ بها الأربا
والوطن شكّل هاجسا ملحاً لدى العواجي في عدد من قصائده ، فتخللها حسٌّ وطني ، يختلج في ثناياها ، ويرتبط بما يبعث على الفتنة ، ويفجر ينابيع الشعر ، ويؤجج الأشواق ، ففي قصيدته : (مُحاصرٌ سجّانتي مُحاصر) التي كتبها عام 1408هـ ، يؤكد على ارتباط المحبوبة بالوطن والوطن بالمحبوبة في قوله :
عيناك يا أســــيرة
الأســــــــــــــــــــير
حلــــــــــــــــــــــــوةٌ
فسيحـــــــــــــــــــــةٌ
نقيــــــــــــــــــــــــــــةٌ
كتربـــــــــــة الوطنْ
عشقتهــــــــــــــــــــا
حفظتُهــــــــــــــــــــا
شربتُ من ينبوعها
حلاوةَ الإحساس
بالزمـــــــــــــــــــــن
ما أجمل البقـــــاء
في مداهمــــــــــــــا
نجــــــــــــــــــــــلاكِ
والوطــــــــــــــــــن
وكذلك الشاعر أحمد الصالح (ولد عام 1361هـ) يرى أن الحبيبة والتاريخ والوطن كلٌّ لا يُجزأ ” للشعر نكهة الأحباب وللأحباب نكهة الوطن ، والوطن هو القصيدة التي لا تشيــخ ولا تبليهـــا الألسن ولا تملهــا الأسماع … وبين الحبيبة والوطن لا يملك الشاعر إلا أن يلغي الحد الفاصل بينهما … إن هوى الحبيبة بعض هوى الوطن ، إنهما في الشعر لغة واحدة وفي العاطفة والشعور وحب الحياة حبيبان لا يفترقان مسكنهما قلب الشاعر يخفقان مع نبضاته ويستكنان في دمه وعقله ، يظهر هذا في كثير من قصائده ، التي منها قصيدة : (وطن) ، التي مزج فيها عشق المحبوبة بعشق الوطن ، واستعمل أسلوب الإيهام في قوله :
أنت في الأعمــــــــاق إيمـ ـان وكل الغيـــــدُ رفضُ
أنت لي شمس وظـــــل أنـــــــــت لي بحر وأرضُ
لغة تزهـــــــــــــــر في الحـ ـرف وفي الأجساد نبضُ
ديمة تمطر حبــــــــــــــــاً فإذا الإلهام فيـــــــــــضُ
وطن يمتد عشقــــــــــاً حبه في القلــــــب محضُ
أنت لي فيــه الخزامى وهو ما شــــــــاب غضُ
أنت واحات وبيــــــدٌ في انثيال الشوق ومضُ
طقســـك الفاتن شعرٌ سحرك الظــــالم بعضُ
بين عينيــــــــك وقلبي وطنٌ تقــــــــــواه فرضُ
لقد اختلطت ملامح المحبوبة بقسمات الوطن وتضاريسه ، وامتزجا معاً في صورة ورؤية واحدة ، لا يمكن تجزئتها ، فالمحبوبة تتحد مع الوطن ، بل هي الوطن بكل ملامحه الصحراوية الفاتنة ، فهي الديمة التي تمطر فتحيي الأرض العطشى ، وهي الخزامى برائحته العطرة ، وهي الصحراء بقسوتها ، وفيء واحاتها ، إن العاطفة الوطنية لا يمكن فصمها عن العواطف الأخرى التي تموج بها نفس الإنسان ، أو عزلها في مكان خاص ، بل إن الوطن هو أساس تلك العواطف ؛ سداها ولحمتها .
خصائص شعر التغني بالوطن :
لقد تميز شعر الوطن في مرحلته الثالثة – أي بعد التوحيد ، والاستقرار – بنهوض الذاتية جلية في القصائد الوطنية ، فقد برزت المشاعر الملتهبة والعواطف القوية ؛ التي تجلّت في التغني بالوطن وحضارته الحديثة بفخر واعتزاز ، أما الشعر الذي رافق التأسيس وأشاد بالتوحيد فهو يركز تركيزاً كبيراً على إيجابيات العهد السعودي ، وما صنعه في الوطن من إخصاب واخضرار وأمن وأخوة وتآلف ، وقبل كل ذلك الأساس الإسلامي المتين . كل ذلك من خلال عواطف صادقة ضاجة بعشق الوطن والهيام به ، ولغة حماسية مجلجلة ، فلم يترك الشعراء في تلك المدة مناسبة وطنية دون أن يصدحوا بها مستبشرين هاتفين .
كما برز في هذه المرحلة – الثالثة – ترديد الشعراء لمصطلح (وطني) و (بلادي) بغزارة ، وكأنهم يتلذذون به بعد أن كان قليل الاستعمال في حقبة ما قبل التوحيد : فقد ترددت مسميات أخرى مرادفة – سبقت الإشارة إليها – مثل الأوطان ، بلاد العرب ، جزيرة العرب ، نجد والحجاز … مع التسليم بوعي شعرائنا الرواد في تلك المدة بمعنى (الوطن) وفكرته ، ولكن لكل مرحلة تاريخية سماتها الخاصة حتى في المصطلحات والألفاظ .
وقـــد تفاوتت أشكال التعبير عن العواطف الذاتية ، وتباين الشعراء في نوعية تغنيهم بعشق الوطــــن ، فبعضهم اعتمد على كشف عواطفه والإفضاء بها بشكل مباشر ، وبأسلوب حماسي قوي ، وآخرون باحوا بعواطفهم الوطنية بغنائية ذاتية وبحميمية شفافة وبلغة هامسة ، ومنهم من اتكأ على مناجاة الوطن ، وهنالك من لجأ إلى أسلوب الإيماء والرمز للوطن ، وذلك بالاعتماد على خصيصة الوطن السعودي . وبعض من الشعراء مزج الوطن بالتاريخ والحبيبة والمستقبل ، فالوطن لا ينفصل عن ذات الشاعر وذات الآخر الذي يتعلق به الشاعر ، وكتب عدد من الشعراء قصائد وطنية على هذا النمط الجديد .
الحنين إلى الوطن :
وأشد ما تتوقد العواطف الوطنية وتفور عند فراق الوطن ، ففي الغربة يحنُ الشاعر إلى وطنه ، مهما كانت الغربة تزخر بالإبهار ، والشعر العربي المهجري شاهد على ذلك ، فقد أبدع المهجريون في تصوير غربتهم وحنينهم إلى أوطانهم ، وهو نتاج غزير يفيض عذوبة وصدقاً .
والغربة مهما حوت من جمال وحضارة براقة فإنها لن تغني الأديب أو الإنسان بشكل عام ، ويظل الوطن هو الصدر الحاني الذي يغمر أبناءه بالحنان والحب .
وغرض الحنين إلى الوطن ظهر في الشعر السعودي بشكل بارز بعد الاستقرار والتوحيد ، وبعد أن زاد الاتصال بالعالم الخارجي ، على شكل بعثات دراسية ورحلات وغيرها ، والسبب في ذلك أنه قبل استقرار الوطن كانت الغربة محصورة داخل الوطن نفسه من مكان لآخر ، وهذا قد لا يسمى غربةً بمعناها الواسع .
وقصائد الحنين إلى الوطن تشغل حيزاً ليس بالقليل من الشعر السعودي ، وتختلف مضامينها من شاعر إلى آخر ، بحسب توجه كل شاعر ومنهجه ، وإن كانت تنطلق من مبدأ واحد هو تأصل عاطفة حب الوطن لدى الشعراء السعوديين .
وللشاعر عبدالكريم الجهيمان (ولد عام 1333هـ) ، نص شعري ينضج بالتشاؤم والشكوى من الحياة والناس ، وزاد تشاؤمه وقلقه حدة غربته عن وطنه ، يقول في وصف حاله في الغربة ، محاوراً الوطن في قصيدته (أنَّة غريب) ، التي تعكس انكسار الذات ، وهزيمتها ، أمام جبروت أصدقاء المصلحة وطغيانهم ، والغربة عن الوطن :
ذاب من فرط شوقـــــه وجداني وأتاني من الـــــــــــهوى ما براني
وتذكرت – في البعــاد – بلادي وتذكرت – في النوى – إخواني
وتصورت بلـــدتي وضحاهــــــا وهواها وطيب تلك المغــــــــــاني
وتجولت بالخيــــــــــــــــــال مليـــاً في رباها بمدمـــــــع هتـــــــــــــــــان
إن مرآى القيصوم والشيح والحوذ ان أشهى من زخرفـــــــات المباني
يا بلادي إليك أشــــــــكو رفاقي يا بــــلادي إليــــــك أشكو زماني
يا بلادي سئمت من كـــل شيء غير ذكراك إنهــــا في لســـــــــــاني
ففؤادي إليك يخفق شوقـــــــــــاً وعيــــوني إلى ربــــــــــــــاك روانِ
فاسلمي وانهضي وعيشي بعـز في مغاني العـــــلا ونعم المغـــــاني
ويزداد لهيب الشوق للوطن اشتعالاً ، عندما يُمنى الغريب عن وطنه بالبؤس والشقاء ، وفي ذلك يقول محمد حسن فقي – ( ولد عام 1331هـ ) -عام 1364هـ في نص شعري سماه (الحنين إلى الوطن) :
واهاً من الدهر ومن تعســـــــه فقد سقاني المر من كأســــــــه
يا دهر إني خائــــف من غدي مخافة المفجوع في أمســـــــــــــه
فلا تزدني شقوة بالنــــــــــــوى عن موطني الغالي وفردوسه
وكم غريب ود لو أنـــــــــــــــه كالسهم ما أرســل عن قوسه
عانى من الغربة ما بعضـــــــــه يُشوق الحي إلى رمســـــــــــــه
لا أهله يلقى ، ولا صحبـــــه ولا مكاناً كـــــــان من غرسه
ولا شعــوراً كان براً بــــــــــــــه ولا حناناً عاش في قدســـــه
يا دهــــــــــر إن المرء من أرضه جزء فما يُعذل في هجســــه
وفي ختام النص يناجي وطنه قائلاً :
يا موطن الشعر وأحلامــــــــه ويا نجيَّ القلــــــب في همسه
إذا نزحنا عنك من سلــــــــوة فلا وقانا الضر من مســــــــه
فيا رعاك الله من موطـــــــــن ترابه يبريء من لمســــــــــــــه
قمة التصوير الشعري المرهف لحال الغريب النائي عن وطنه ، ومع ما تموج به الأبيات من حسٍّ تشاؤمي صارخ لنفسية الشاعر ، فإن هذا التشاؤم يعكس حدة التوتر والقلق الذي سيطر على الشاعر ، وزاده ثوراناً بعده عن موطنه ، والأبيات تضم ألفاظاً عذبة رقيقة ، زادها همساً تلك القافية الخافتة التي تصور أنيناً متوجعاً ، لا بكاءً زاعقاً .
وفي الحنين إلى الوطن في الغربة يقول أحمد قنديل (1329هـ – 1399هـ) في قصيدته (حنين :
أرقت وكم في الليل مثلي وهاجني إليـــــــــك هوى تحيا به روح شاعر
بلادي بلادي لا عدمتــــــك موطناً حبيباً إلى قلبي ، ونفسي وخاطري
ذكرتك والذكرى حياة لرامــــــــــق غريب شجي القلـــــــب بالليل ثائر
ذكرتك في مصر العظيمــــــة بالذي به مصر قد فاقـــت جميع الحواضر
إليك بلادي فكرة وعقيـــــــــــــــدة سمت بها فوق الطــلاب مشاعري
إلى مكة في قدسهـــــــــــــا وجلالها وعزتهـــــــــا الكبرى على كل كابر
إلى طيبـــــة في عزهـــــــا وعلوهــــا وخضراتها الخضراء مجلــى النواظر
وطاهر زمخشري تبعده الآلام الجسمية قسراً عن وطنه السعودي فيقول([93]) :
في دمي ثــــــــــــــــورة الحنين لهيباً ليس يطفيه من عيــــــــــوني نمير
وبنفــــــــــسي لوافحٌ من جـــــوى الشجو على خافقي لظاهـا يثور
كلما ناح طائر فــــــــــــــــوق أيكٍ كان لي من نُواحــــــــــــــه تذكيرُ
فترامــــــــــــــــت خوافقي أغنياتٍ من فؤاد برجعــــــــــــــــها مخمورُ
لحمى البيــــــــــــــــــــت عن أكرم وادٍ غير ذي الزرع وهو روض نضير
للقداسات في ذرى مهبــــــــــــــــــــــط الفرقان للخير وهــــو فيض وفيرُ
وفي قصيدة أخرى تنضح بالشوق العارم والحنين القوي للوطن ، يقول في (موطني) :
موطني لا تزال تلهم قيثــــــــــــاري ، فينساب بالفؤاد نشيدا
يتهادى به الحنين فيجري باستيـــاقي على المآقي عقــــــــــودا
والقداسات في مرابعك البيــــــــــــض حسان بها أهيم عميدا
إن نأت بي عنها مراجل آلامي ، فما زلت في رباهــــــا قعيدا
والنوى عارم يدغدغ إحساسي ، ويذكي بين الضلوع وقودا
وفي جمال الغربة – أحيانا – وأضوائها البراقة ورباها الخضر ، يظل الشاعر وغيره متعطشاً إلى نسيم الوطن وإلى ظله الوارف ، يجسد تلك الرؤية محمد علي مغري (ولد عام 1322هـ) ([95]) في قصيدته (إشراق) قائلاً :
يا بلادي هاهنــــــا الدنيا فنون من فتون
كل شيء تبصر العين عظيم في العيــون
هاهنا علم ومــــــــال وعقول وصناعة
وفنون ونظام وجمال وبراعـــــــــــــــة
هاهنا تسعى الفتنة مثلما يسـعى الزمن
كلما تبصره العين من الحســن حســن
غير أني يا بلادي لك أهوى لك قلــبي
كل حين أنت في ذكراي نار مثـل حبي
فلتجدي يابلادي لتنـــالي المجد رفـــــدا
ولينل شعبـــــك أمجاداً وآمـــالاً وسعدا
خصائص شعر الحنين للوطن السعودي في الغربة :
لعل المتمعن في نصوص الحنين إلى الوطن لدى الشعراء السعوديين يجد ملحوظة تستحق التوقف عندها وهي خلو هذا الشعر من التحسر على حالة الوطن ، بل على العكس من ذلك يزداد الفخر بالوطن لدى الشعراء السعوديين في الغربة عندما يوازنون بينه وبين ما يرونه في غيره .
ويمكن القول إن ثوران العواطف الوطنية على أشدها ، وبروزها بشكل ملتهب يكون في وقت اليقظة والنهضة ، وفي الغربة والبعد عن الوطن ، أو عند الأزمات والحروب ، أو الاعتداء على الوطن ، وفي هذه الحالات يفرز الشعراء شعراً قوياً صادقاً مؤثراً ، وذلك لارتباط الوطن بعز الإنسان وحميته وكرامته . وشعر الوطن السعودي في مراحله كافة ؛ لم يخبُ ، ولم يضعف أو يصب بالركود أو الخمول ، بل بدأ متوهجاً قوياً منذ اللبنــة الأولى التي انطلق منها تأسيس الوطن ، وسيبقى – بإذن الله – على تألقه ؛ لأنه لم ينبع ولم ينشأ من رغبات شخصية أو أرضية ضعيفة ، بل ارتكز على الشريعة الإسلامية الغراء لا انفصام بينه وبين ما تأمر به ؛ وتلك مقومات الوطن .
وقد سيطر على شعر الحنين للوطن في الشعر السعودي نغمة حزن باكية ، ورومانسية مكتئبة ، تعكس بكل وضوح ارتباط الشاعر السعودي بوطنه ، الذي يمده بالراحة النفسية والسخاء العاطفي .
ملامح شعر الوطن السعودي وسماته :
إن من يستقرىء النصوص الشعرية الوطنية التي كتبها الشعراء السعوديون ، سيجد كماً شعرياً غزيراً غزيراً ، منذ أن بدأت مراحل تأسيس الدولة ، أما قبل ذلك فقد اختفى – أو كاد – الشعر الوطني من الجزيرة العربية ، وكان بعضهم يتغنى بمكانه الذي يقيم فيه فقط دون انتماء أوسع ، ففي الحجاز مثلاً يتغنى شعرؤاه بالأماكن المقدسة ، وفي نجد يصفونها ويتحدثون عن بعض أماكنها … – مع التسليم بقلة هذا الشعر – فقد خبت العاطفة الوطنية الشاملة ؛ لانطفاء الدافع الذي يشعلها ، فالتشتت والتفرق والانقسام في الجزيرة العربية جعل الشعراء لا يجدون الحافز المثير للتعبير عن الوطن والشدو به ، فاقتصروا على بيئاتهم الخاصة فقط ، حتى ذكرهم لهذه البيئات كان قليلاً ، يفتقد الشعور القوي بالانتماء .
وقد برز شعر الوطن السعودي أثناء تأسيس الدولة ومنذ أول بذرة لها ، بدأ متوهجاً قوياً شارحاً الأسس التي قامت عليها الدولة السعودية ، ومجسداً البون الشاسع بين حالـــــة الجزيرة العربية وما كانت فيه من خوف وفرقة وما صارت إليه من أخوة وأمن ، ثم أشاد الشعر بالتوحيد ، وهذا الحدث الجلل تغنى به الشعراء بنشوة الظافر وبهجة المسلم الذي يرى الإسلام قد عاد قوياً في الوطن الذي انبثق منه نور الإسلام . والشعر الوطني السعودي لم ينته عند التوحيد ، بل استمر على عنفوانه مشيداً بالنهضة ومتغنياً شعراؤه بالوطن بعد أن طاول السحاب عزة ، وشموخاً ، وجاوز هامة المجد رفعة .
وقــــد تميز شعر الوطن السعودي بملامح وقسمات جعلت له شخصية مميزة وخاصة ، ومن أبرز السمات الظاهرة لهذا الإبداع في الشعر السعودي بروز الهوية السعودية في هذا الشعر ، فأغلـــب الشعر الوطني العربي ربما يفتقد هذه الخصوصية ، مما يجعل المتلقي يميز شعر الوطن السعودي عن غــيره ، مثل ترديد مفردات الصحــراء وما يتصل بها من شيح وعرار وقيصوم ونخيل ، ولأماكن جغرافية ترددت في الشعر العربي القديم ، ولا عجب في ذلك فالجزيرة العربية هي منبع الشعر وموطن فحول الشعراء العرب منذ أساطين المعلقات ، ومما زاد من بروز الهوية أو من أهم معالم الوطن التي برزت في هذا الشـــعر أو كانت سمته التي تفـــرد بها ، هي : الهوية الإسلامية ، فلا يكاد يخلو نص من ذكر للأماكن المقدسة والتغني بها ، والتركيز على إبرازها ؛ لأنها من خصائص هذا الوطن السعودي ، وهذا ما أسبغ على هذا الشعر روحانية شفافة ، وأبعده عن القومية المرفوضة .
أيضاً من أجلِّ ميزات هذا الشعر هو اختفاء العصبية والدعوة إلى الإقليمية التي ذمَّها الإسلام ، وتركيز الشعراء على وحدة المسلمين ، والتغني بوحدة الوطن ، الذي يعني الأخوة والتآلف الذي دعا إليه الإسلام .
ومما يتصل بهذه الناحية هو اختفاء الأحزاب والتكتلات في هذا الشعر في أي شكل من الأشكال سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم عقدية ، مما يدل دلالة قاطعة على وحدة الوطن ، ووحدة التوجهات والأهداف ، والتحام الشعب مع الحكم ، هذا الحكم الذي يقف على ثوابت العقيدة الصافية التي كانت الأساس المتين للدولة السعودية منذ بذرتها الأولى متمثلة في الدولة السعودية الأولى ، ويجسد ذلك قول ابن خميس في (النشيد الوطني) مشيداً بالوطن وبأبنائه وحُكمه :
قد هدانا مُنزلُ القرآن حكمهْ ودعانا – مذ دعانا – خير أمةْ
وحبانا صفوة الأكوان رحمهْ في ظلال الشرع والبيت المشيد
ومن هذا المنطلق فالالتزام الإسلامي ظاهر لدى الشعراء ، برز في سلامة أفكارهم من الانحرافات العقدية والفكرية ، مما يدل على صفاء عقيدتهم من الشوائب ؛ فلا مذاهب دينية ولا أحزاب سياسية تتخبط في دياجي الفرقة ، وتضيع في بحار المصلحة .
كما اختفت المعاني والألفاظ التي توصل الوطن إلى مرتبة التقديس ، أو تجاوز الحد والتطرف في التعبير العاطفي المرفوض ، كما يبدو من قول شوقي في وطنه :
ولو أني دُعيت لكنت ديــــــني عليه أقابل الحتم المجابــــــــــا
أدير إليك قبل البيـــــت وجهي إذا فُهمت الشهادة والمتابــــا
والشاعر السعودي عبدالوهاب آشي (1323هـ – 1405هـ) يقول في التحية الوطنية :
ياموطني حييــــــــــت مــــــــن وطن تحييك الدهـــــــــــــور
فلأنــــــــــــــــــــــت بعد الله لي أسمى المقاصــــــد والأمور
إن صفاء العقيدة هو الكفيل بحماية الأمة وفكرها من الزلل ومن تسرب الأفكار الهدامة .
كما أكثر الشعراء من التغني بالأمجاد الإسلامية التي كانت الجزيرة العربية مسرحاً لها ، وبرز هذا الملمح أو كان في أوج عنفوانه في الحقبة التي رافقت التوحيد وما وليها مباشرة ، ودائماً يكون الفخر بالتاريخ وذكر المناقب والبطولات في وقت النهضات التي ترافق يقظة الأمة ؛ لذا كان أغلب الشعر الذي أشاد بالتاريخ ؛ رافق التوحيد وزامنه ، وهذه نتيجة بدهية ، ومن هنا فإن أغزر الشعر الذي ركز على التآلف وجسد العواطف الصارخة التي تحكي بلسان الأمة كان من الرعيل الأول أو جيل الروّاد ، وهذا محصلة طبعية لاستبشارهم بوطن ناهض ؛ فقد عانوا قبله من القلاقل والنزاعات مما يدل ويثبت أيضاً أن الشعور بالانتماء للوطن لا ينمو ولا يتعمق إلا في ظل استقرار سياسي أولاً ، وهو الأرضية الثابتة للبناء الإيجابي ، يشهد على ذلك غزارة شعر الوطن بأشكاله وصورة كافة بعد تأسيس الوطن السعودي بعد أن كان شاحباً ضعيفاً ، لدى شعراء الجزيرة العربية ، فمن يتصفح دواوين الشعراء السعوديين سيجد أن الشعراء قد أفسحوا للوطن مساحات عريضة في شعرهم .
أيضاً بدا واضحــــاً ميل بعض الشــعراء إلى التعبير الرومانسي عن ولعهم بالوطن – وبخاصة شعر الحنين في الغربة – عن طريق محاورة الوطن وبث الأشواق والهموم والمعاناة الذاتية ، مجسدين منه صدراً حانياً يتلقى شكواهم ، ويغمرهم بالحب والحنان ، وهذه النوعية من البث العاطفي فرضتها الظروف الكئيبة المعاصرة والمحيط بالإنسان العربي والمسلم ، مما حدا بهؤلاء الشعراء إلى استنطاق هذا الوطن الذي كان شاهداً على أمة سادت العالم وتزعمت البشرية ، ولعل هذا من أبرز المسببات التي جعلت الشعراء يفرون من الحاضر إلى التاريخ ، ويربطون الماضي بالحاضر ويستبشرون ببلادهم السعودية التي رمزت إلى الوحدة الإسلامية ، وكانت نموذجاً مشرقاً للدولة الإسلامية بكل ملامحها ومقوماتها .
وقـــد تنوعت الآليات والأدوات الفنية التي سخرها الشعراء ليفرغوا فيها أفكارهم ، وترددت بين الغنائية والموضوعية ، فبعضهم اتكأ على البوح أو الغناء المباشر بأحاسيسه وعواطفه ، وآخرون اعتمدوا على عنصر الدراما والحركة والحوار ، والرمز ، لكشف عواطفهم وأفكارهم .
وقد عكس شعر الوطن السعودي ملامح الوطن وتوجهاته وقيمه ، وكان لساناً ناطقاً لمشاعر الأمة ، ومؤكداً التحام الوطن السعودي بأركانه كافة.