ظل الوطن حين يشتد القيظ

الأحد ٢٢ سبتمبر ٢٠١٣ الساعة ٧:٠٣ مساءً
ظل الوطن حين يشتد القيظ

لا أنسى أبداً ابتسامة وكيل المدرسة حينما عرفته بنفسي وأفدته بأني أرغب في نقل ابنيَّ من مدرستهما السابقة بالمدينة التي وفدنا منها إلى مدرستهم في هذه المدينة، وإلحاقهما بصفوف زملائهما بالصف الثالث الابتدائي والخامس الابتدائي, تابع ابتسامته قائلاً: طبعاً سألحق ابنك الوليد بالصف الثالث “ج”، بادلته ابتسامته وسألته أنا متأكد أنك فعلت ذلك لأنه المعلم الأفضل؟ انقشعت الابتسامة من وجهي حينما ضحك وقال لا بل لأن معلم الصف الثالث “ج” يحمل لقب العائلة “عريشي” ومن نفس عائلتكم ومنطقتكم بجازان، فسألته مرة أخرى هل هذا المعلم هو الأفضل؟, لم أكمل سؤالي حتى قاطعني، بالتأكيد إنه سيكون الأفضل لابنك لأنه سيعامله معاملة خاصة بما أنكم من عائلة ومنطقة واحدة. لم أحب أن أناقشه كثيراً لسبب واحد وهو أني بالكاد وجدت مدرسة تقبلهما وذلك لاكتفاء المدارس التي سبق أن بحثت فيها عن قبول. بعد نهاية اليوم الأول سألتهما عن انطباعهما عن المدرسة الجديدة وهل تعرفتما على المعلمين وزملائكما؟, بادرني المهند بسرد تفاصيل اليوم الأول الذي بدأ بسؤال وجهه له معلمه حينما علم بأنه طالب جديد من خارج المنطقة “من أي مدينة انتقلت إلينا؟”، وحينما أخبره أنه أتى من مدينة أخرى إلى هذه المدينة أفاده بأنه يجب عليه ألا يقلق فمعلمو هذه المدينة أفضل من معلمي المدينة التي وفد منها وأكثر طيبة مع تلاميذهم, كررت السؤال على “المهند” أكثر من مرة هل أنت متأكد أن المعلم سألك هذا السؤال، وقال لك هذا الكلام؟ وكانت إجابته في كل مرة بالتأكيد. اختلطت علي حينها مشاعر الغضب والحزن وفقدت الانتباه فيما تبقى من سرد “المهند”، مضى يتكلم وأنا أتأمل مؤسسات تربوية لم تعِ إلى الآن البعد الإنساني والوطني في تصرفاتها الصغيرة وأسئلتها اللا مسؤولة, كيف لوطنية أن نزرعها بقلوب أطفال يؤكدون لهم أن معلمي أهل هذه المنطقة أفضل من تلك المنطقة التي قدموا منها، وكيف لوطنية نزرعها بقلوب أطفالنا ونحن نلحقهم بالفصول طبقاً لاسم العائلة التي يحملها معلموها ونردد على مسامعهم بأنه طالما المعلم من نفس عائلتهم فإنهم سيحظون بقدر غفير من الرعاية والاهتمام, كيف لوطنية نزرعها بقلوب أبنائنا ونحن نملك مؤسسات تربوية تمارس العنصرية بجهل وبعلم وتزرعها في أرواحهم عمداً ودون قصد حتى نصبح جيلاً غير واعٍ لأهمية وحدتنا ونذهب نصنف أنفسنا وفقاً لمذاهبنا ومناطقنا وقبائلنا وعائلاتنا وباديتنا وحاضرتنا وألوان بشرتنا ونتجزأ حتى نصبح أشياء صغيرة ليس بوسعها أن تزرع شجرة باسقة نستظل بها حين يشتد قيظ المحن.

همسة أخيرة: من أكثر الأشياء التي تحزنني أن أجد من يخلط بين النقد والوطنية ويخلط بين المطالبة بحقوقه وحبه وولائه إلى الوطن.

[email protected]

@fahadaraeshi

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • هاشم بن محمد الحبشي

    ماشاالله لا حول ولا قوة الا بالله …كتابه واعية لقلم واعي من شخص متألق بارك الله فيك و بك

  • ابو لانا...

    ماشاءالله تبارك الرحمن… مقال في الصميم…
    الله يصلح حالنا..