والعصر

الأحد ١٠ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ١٢:١٤ صباحاً
والعصر

 إن كتاب الله تعالى أنزل علينا لنقرأه تدبرا ، ونتأمله تبصرا ، ونسعد به تذكرا ، ونجني ثمار العلوم النافعة من أشجاره ، ورياحين الحكم من بين حدائقه وأزهاره .

إنه كتاب لا تفنى عجائبه ، ولا تنقشع سحائبه ، كلما ازددت فيه تأملا وتفكيرا ، زادك الله فيه هداية وتبصيرا ، وتفجرت ينابيع الحكمة بين عينيك تفجيرا .

وأدلك اليوم على سورة منه ، قصيرة جدا ، قليلة آياتها ، قصيرة كلماتها ، لكنها تحمل معان غزيرة ، غاص في أعماقها علماء ومفسرون ، وأدباء مفكرون ، لكنهم لم يستطيعوا استخراج كنوزها ، ولا عشر كنوزها ، فلا تزال تفيض من جواهرها ودررها لكل من غاص في لجتها ، فهي من جوامع الكلم ، يسهل حفظها ، ويتيسر تردادها ، لكنها تحتاج إلى همم عالية لتقف عند عبرها ، وتستنير بهديها ، وتملأ قلوبها منها برحمة واطمئنان ، وخشوع ورضا وإيمان .

في سورتنا هذه منهج للحياة كامل ، منهج لا نقص فيه ولا اعوجاج ، يتلخص في ثناياها أن الناس قسمان ، لا ثالث لهما ، قسم ناج ، رابح ، وقسم هالك خاسر ، فهي ترسم الطريق المستقيم ، وتترك الباب مفتوحا لسبيل المجرمين ، بإيجاز وإعجاز ، لا يجده الطالب إلا في آيات الكتاب المجيد .

وهي أيضا تحمل الرد على من اشتبهت عليه الحقيقة فتاه في ظلمات الأماني ، فظن أن الخاسرين ، الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، قد يمدون لنا يدا ، وقد يفتحون لنا صدرا ، أو يغضون عنا طرفا ، فينسى ما بدا من البغضاء من أفواههم ، وينسى أن ما تخفي صدورهم أكبر ، فهم لا يرضون عنا ، ولن يرضوا حتى نتبع ملتهم .

وربما عجبت أخي الحبيب فقلت في نفسك لم تقل شيئا ، فقد كان مقالك  قصيرا ، وكلماته قليلة ، ولكني أرى أنه من أطول المقالات  وأسهبها ، لكنه اختصر في الكلمات لتبقى معك في قلبك نورا ونبراسا ، فتأملها ، وتدبرها ، واستمع إليها بقلب شهيد ، واصنع لها بروازا ضعه في قلبك ، وعلقه في روحك ، فوالله لو عملت بها كفتك ، ولو أمضيت عمرك كله لما كان فيه متسعا للكمال منها ، فاستعن بالله ، ولا تعجز ، لكي لا تكون من الخاسرين ، وكن من المفلحين الرابحين الفائزين ، وهم فقط من اختصرت تلك الكلمات صفاتهم اختصارا يطول شرحه ، ولا يسعف الوقت في بيانه ، فبينه لنفسك في كل يوم ، وذكر قلبك بكلماتها بين حين وحين ، وقد  قال الشافعي رحمه الله تعالى : لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم . وفي رواية عنه : لوسعتهم .

وقال غيره : إنها شملت جميع علوم القرآن . وقد صدق الشافعي ، وحسبك به إماما فقيها ، وناصحا أمينا ، وقد اتخذها أصحاب حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم شعارا ، كما روى الطبراني بسنده إلى عبيد الله بن عبدالله بن الحصين الأنصاري – وهو أحد التابعين – قال : كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الأخر سورة العصر ، إلى آخرها ، ثم يسلم أحدهما على الآخر . يعني سلام الفراق ، وهو سنة مثل سلام اللقاء .

فاجعلها زادا لك أسبوعك هذا ، تأملا وتدبرا ، وعملا ، فإنا إلى عمل أحوج منا إلى علم ، فقليل من الناس يعملون بها ، مع أن عامة المسلمين صغارا وكبارا يحفظونها .

وأهد هذه السورة لنفسك ، تقويها على مواجهة الحرب المستعرة في زمننا هذا على القرآن وأهله ، والسنة وحامليها ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه ، فإنها عزاء ووقود وزاد ، سيوصلك بإذن الله إلى الخاتمة التي ينشدها المؤمنون ، ويسعى إليها العاقلون ، فإن الله تعالى بين أنه ما نال أهل الجنة الجنة إلا { بما صبروا } في غير ما آية من كتابه ، فالعق من الصبر ما يكفي لتنشيط خلايا جسمك في الثبات للمواجهة ، وتحمل مشاق السفر إلى الله والدار الآخرة : والعصر ، إن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • ابو راكان

    جزاك الله خيرا

  • Mohammed AlNahdi

    جزاك الله خيراً

  • الهذلي

    كااااااااااااااااااااااتب مبددددددع للغاية وفقك الله