{ اللوح المحفوظ }

الأحد ١٦ مارس ٢٠١٤ الساعة ١٢:٠٣ صباحاً
{ اللوح المحفوظ }

التشكيك في مسلمات ديننا الحنيف نبتة استوت على ساقها في زماننا هذا ، وبدأت أشواكها تشوك قلوب فريق من المسلمين ، نشأت هذه القلوب على إيمان العجائز كما يروج له ، أو على إيمان التقليد ، إنا وجدنا آباءنا على أمة . في ظل طريقة تعليم تلقينية ، تخرج حفظة ، لا مفكرين ، وإن ناقشَت أو ناظَرَت فهي تناظر في زمن مضى ، تعيد شبها قد اندثرت أو أوشكت على الاندثار ، وتعرض عن شبه تسنم قيادة إثارتها فصيح لسان ، أو عليم بفيزياء ، أو مؤرخ وباحث !
ومع كثرة وسائل الإعلام التي يمكن بها الوصول إلى سمع المتلقين وعقولهم ، تيسر لهؤلاء القبول لتحقق وصف الله فيهم { وإن يقولوا تسمع لقولهم } فاستطاعوا أن ينالوا من كثيرين غنيمة ، وأن يصيبوا من كثيرين مقتلا .
وما موجة الإلحاد التي بدأت تعلو في هذا الزمن ، إلا إحدى نتائج ذلك التلقين ، الذي عطل العقول ، ومنع المرء السؤول بحجج واهيات ، لا تقوى على مواجهة رياح الشبه أو مقاومة أمواج الشبهات .
ومن الشبه التي بدأ طنينها في آذان المتلقين شبهة أثارها أحد النصارى العرب يظن أنه وقع بها على ما لم تقع عليه الأوائل في اكتشاف عظيم ، توكأ فيه على كلام لأحد الدعاة المشهورين ، الذي تحدى فيه أن يوجد في كتاب الله خلاف ولو بحرف ، بله كلمة ، أو آية ! وذكر أنك لو جئت بمصحف من أمريكا وآخر من الصين وثالث من أفريقيا فلن تجد فيه أي اختلاف ولو بحرف زائد أو ناقص .
ومن هنا وجد الخبيث مدخلا لشبهته ، فجاء بمصاحف مختلفة في القراءات ، وضم إليها قراءات صوتية ، وذكر مثالا لذلك قوله تعالى في سورة البقرة { ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب } وفي المصحف الذي على رواية قالون { وأوصى } وكذا قوله تعالى { من يرتّد منكم عن دينه } في المائدة والقراءة الأخرى { من يرتدد } .
وقبل الجواب عن هذا أقول إن منشأ الشبهة جهل الداعية بالقراءات ، وقد جلست في زمن مضى مع أحد كبار العلماء في المملكة وكان الحديث عن القراءات ، فكان يظن أن الخلاف ليس إلا في طريقة الأداء ، أو فيما يحتمله الرسم العثماني ، والمصيبة أنه كان يظن أن الرسم العثماني يعني ما كتب في المصحف المطبوع برواية حفص عن عاصم !
والمؤسف أن يكون علم القراءات عند العلماء مما يشوش على الناس ! فيمنعون منه ، ويقللون من شأنه ، ويرون الاشتغال به من تضييع الأوقات ، كما فعلوا مع علم التجويد من قبل ومن بعد .
ولو تعلم الناس القراءات ونشرت بينهم لما استطاع مغرض خبيث أن ينفذ منها إلى عقول شبابنا ويشككهم في كتابهم الذي تكفل الله بحفظه . وقد حصل بتغييب هذا العلم ما كانوا يحذرون من نشره!
إن من أعظم إعجاز هذا الكتاب هذه القراءات المتنوعة ، التي تدل على سعة هذه اللغة ، وعلى تسهيل الله على عباده ، وعلى دقة حفظ هذه الأمة لكتابها ، فقد حفظته رسما ومعنى وروايات ثابتات لا يستطيع أحد أن يلبس بغيرها على الناس ، بل إنهم حفظوا حتى ما شذ من قراءات ، وما لا يصح أن يكون قراءة .
وليس هذا بمخالف لكون القرآن المجيد في لوح محفوظ ، أو في كتاب مكنون ، فإن المسكين ظن أنه لا بد أن يكون القرآن مكتوبا هكذا { ووصى } في اللوح أو { وأوصى } فلما ثبتت الروايتان دل على تناقض القرآن واختلافه في رأيه ! فالمسكين يحسب القرآن مكتوبا كما هو مطبوع أيضا ، وقد ثبت في سنة حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم قوله : كذلك أنزلت . لقراءتين مختلفتين كما في حديث عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم ، رضي الله عنهما ، في قراءتهما لسورة الفرقان ، ثم قال عليه الصلاة والسلام : إنَّ هذا القرآنَ أُنزل على سبعةِ أحرفٍ ، فاقرؤوا ما تيسَّر منه . فهذا نص على أن القراءتين نزلتا من اللوح المحفوظ فهما موجودتان وغيرهما فيه .
وشرح هذا لا يمكن في مقال قصير ولكنه تنبيه لما يشاكله ، وتحذير من التقليل من علم أفنى فيه كثير من أهل العلم حياتهم ، وألفوا فيه المؤلفات ، ونظموا فيه المنظومات ، وتسابقوا لشرحها ، فرحمهم الله وأجزل مثوبتهم ، وعفا الله عن من لم يرفع بذلك رأسا ، وتجاوز عنه ، فالذي ثبت من تعاليم الحياة أن الإنسان عدو ما جهل .

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • منادي

    تنبيه ونصح جميل لمن لايعرف علم القراءات السبع وجمالها عند سماعها من قراء القران ا لكريم ودحض للمشككين في اختلاف آيات الله وقد وعد الله بحفظه . وجزاك الله خير ياشيخ عادل .

  • حسن البهلول العبهلي

    مقال في الصميم !!!