عبدالعزيز قاسم: صعقت مما قرأته في أزقة القطيف

الإثنين ١٧ مارس ٢٠١٤ الساعة ١١:٠٦ صباحاً
عبدالعزيز قاسم: صعقت مما قرأته في أزقة القطيف

أكد الإعلامي والكاتب في صحيفة “الوطن” عبدالعزيز قاسم أنه صُعِق مما رآه من كتابات سياسية على جدران منازل بلدة القطيف وأسوار مدارسها أثناء زيارته لها قبل ثلاثة أشهر.

وقال “قاسم” عبر مقالة اليوم في صحيفة “الوطن” إن البيان الذي أصدره عشرة من علماء الشيعة في القطيف والأحساء؛ موفقٌ وجاء في توقيته المناسب. وسواء أَهتبلَ موقّعو البيان فرصة هدوء الأجواء بين المملكة وإيران، فصدروا ببيانهم الذي تأخر في نظركم، أم كانت خطوة وطنية صحيحة، وقد أدركوا فداحة الخطأ من سكوتهم.

واعتبر أن “البيان وضع النقاط على الحروف، وينبغي أن نقدر خطوتهم كمجتمع ووطن ومسؤولين، ونطلب منهم إكمال مشوارهم، بترجمته واقعياً، فالبيان وحده لا يكفي”.

وبيّن قاسم أن تلك كانت إجابته في مجلس كريم طرح فيه موضوع البيان الشيعي الأخير، وكالعادة في هاته المجالس التي تزخر ببعض طلبة العلم المتوجسين أبداً من طائفة الشيعة ونواياهم، كانت الأغلبية تنظر بتشكك حيال ذلك البيان.

واستدرك: “بيد أنني ـ وأنا الملمّ ببعض تفاصيل الحراك الشيعي ـ جزمت لهم، أن تلك الخطوة كانت وطنية بامتياز، أيا كانت الأسباب والدوافع من ورائها، وأن العلماء الذين وقعوا على تلك الكتابة الصريحة والإدانة الواضحة، والتجريم لحمل السلاح واستخدام العنف؛ كانوا على قدر من المسؤولية؛ لأن التبعات على توقيع ذلك البيان كبيرة عليهم من قِبل بعض أبناء طائفتهم، وسيسعى الغلاة الصفويون في الداخل والخارج إلى التأليب عليهم، واعتبارهم علماء سلطان وطالبي جاه ومناصب”.

وأوضح الكاتب أنه قبل ثلاثة أشهر فقط، كان يجوب شوارع القطيف مع صديق عزيز من أبناء المدينة، حيث أدخله الحارات الشعبية هناك، وما زالت الأعلام السوداء ولافتات احتفالية الطائفة بيوم عاشوراء تتدلى من أسطح البيوت، وهاله ما رأى من كتابات سياسية على جدران المنازل وأسوار المدارس، وصُعِق من العبارات والجمل المكتوبة هناك.

وأضاف أنه قال لصديقه: “أيعقل أننا في مدينة سعودية، أين عقلاؤكم كي يمحو هذه الجمل الصادمة، وأنا أعرف أن من كتبها مراهقون تدفعهم فئة متطرفة قليلة، لا تمثل أكثريتكم؟”. بالطبع من سيقوم بذلك، في تلك الأزقة الشعبية، سيتعرض له أصحاب الفكر المتطرف الذين لا يقلون أبداً عن متطرفي القاعدة، فضلاً عن تصنيفهم اجتماعياً.

وأضاف قاسم: “لنضع النقاط على الحروف هنا، ونكن صرحاء لوطن هو في الصميم من قلوبنا، فما قرأته في أزقة القطيف أذهلني جداً، ولم أتصور أن يصل الحال بأن يتمكن دعاة التطرف والولاءات الخارجية أن يتجاسروا هكذا، ويلوثوا عقول شباب الشيعة بتلك المنطقة العزيزة علينا. هل ما حصل هناك ويحصل هو بسبب تقاعس العلماء والدعاة والمثقفين والوجهاء الاجتماعيين الشيعة عن أداء واجبهم الوطني؟”

وتساءل: “هل هذا التزايد وعلو أصوات فئة المواجهة من قبل بعض ملتاثي فكر التطرف الشيعي هو بسبب خلو ساحة أبناء الوطن هؤلاء من الإصلاح والمصلحين من لدن أحبتنا الآنفين؟، وهل كان هذا البيان استدراكاً منهم بالخطر المحيق، وشعورهم بأن فكر التطرف آخذ في الاتساع، وساحب منهم البساط، بما حصل في جهة السنة، واستقرأ هؤلاء المشهد بالغد؛ أنهم إن صمتوا اليوم فستكون الخسائر كارثية عليهم، وتنعكس سلباً على الوطن والطائفة؟!”

وتابع: “أسئلة مقلقة، وإجاباتها مفتوحة بقدر صراحتها”.

وأردف الكاتب قائلاً: “مخطئ من يظن أن البيان الأخير الذي أصدرته وزارة الداخلية كان موجهاً فقط لجماعة القاعدة والجهاديين وغلاة السُّنة، بل كانت لجميع الطوائف، فثمة أصوات متطرفة جداً هناك في الضفة الشرقية من بلادنا، وبرأيي أن بيان علماء الشيعة الذي صدر على الرغم من أهميته، لا يكفي أبدا”.

وقال: “أجزم بهذا القول؛ لأن السيرورة التاريخية لهكذا دعوات، تنطلق من تلكم الأزقة الشعبية ـ أسموا شارعاً رئيسياً هناك بالقطيف باسم “الثورة” ـ ستتعاظم إن صمت المجتمع عليها، والحل الأمني ولا شك مهم جداً، فلا تهاون ولا تعاطف ولا سكوت على أي دعوات عنف وحمل السلاح وخلع البيعة، ويجب أن نتكاتف جميعاً ونشير بسبابتنا بكل شجاعة وقوة لأي داعية فتنة أو تحريض؛ لمصلحة الطائفة وأهل المنطقة بالدرجة الأولى، ولصالح هذا الوطن أن يخترقه أصحاب الأجندات الخارجية، ويحدثوا هذه البلبلة التي تبتز بها بعض الدول القريبة والبعيدة”.

لكنه رأى أن “الحل الأمني على أهميته لا يحل المشكلة أبداً، من الضروري تحرك هؤلاء العلماء، وتحويل أحرف بيانهم الوضيئة إلى واقع عملي، يترجمونه في خطبهم وحراكهم الشعبي في الحسينيات، ويتنادون بذلك، وبالتأكيد لهم الحق في مطالباتهم”.

واعتبر أنهم “مسؤولون أمام ضمائرهم وطائفتهم بإيصال مطالبات منطقتهم لولاة الأمر، بما هو معقول ومتساوق مع كل مناطق المملكة”.

ولفت قائلاً: “هناك مثقفو المنطقة والوجهاء الاجتماعيون، عليهم الانخلاع من السلبية التي هم عليها طيلة الفترات الماضية، ولكأن الأمر لا يعنيهم، فأسوأ ما يكون أن تسحب فئة متطرفة قليلة البساط والتأثير من هذه الأكثرية الكريمة، التي تدين بالولاء والحب للوطن ولقادته، ومعروف عبر التأريخ أنه إن وقعت الفتنة ـ لا سمح الله ـ فستبدأ نارها بهم أولاً، ولا بد أن يعوا بأنهم ليسوا في مأمن كما يعتقدون”.

وأضاف أن “الواجب الوطني يدعوهم وغيرهم إلى ارتفاع الأصوات وبذل الجهود ضد التطرف والتحريض بالخروج، ولديهم اليوم فرصة في أن يتترسوا ضد أولئك الملتاثين من أبناء طائفتهم ببيان العلماء الأخير، وبعض المرجعيات الشيعية المعتبرة لدى الطائفة الذين أيدوا البيان”.

وأكد قاسم أنه “من المهم هنا فتح مجال المناصحة لأبناء الشيعة، الذين تأثروا بالدعوات المغرضة، توازياً مع الحل الأمني وحراك العلماء والمثقفين، وزرت في فترات سابقة مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة، واطلعت على جهودهم الفذة وطرائق حوارهم لأولئك الشباب، وأرى أن تستنسخ تلك الآلية الرائعة مع شباب الشيعة، فستجدي كثيراً بإذن الله”.

ورأى “أن الفرصة مواتية اليوم لبلورة ميثاق شرف بين الطائفتين، وأن يقوم مركز الحوار الوطني بدور فاعل وخلاق، ويعيد شيئاً من دوره الهام وبريقه الذي خفت، بجمع ثلة من علماء الطائفتين لبلورة ميثاق شرف بينهم، ومبادئ عامة تكون أساساً لتعايش وطني خلاق”.

وقال: “لعلماء الشيعة في القطيف والأحساء: شكراً على خطوتكم المقدرة، وننتظر الأهم بتحويلها واقعاً في الميدان”.