دعوة للفهم

الأحد ١١ مايو ٢٠١٤ الساعة ٢:٣٠ صباحاً
دعوة للفهم

فكرة تسيطر على عقول الكثيرين ، ويرسخها من لا يريد لهؤلاء الكثيرين أن ينعتقوا من سلطانه ، أو يرسخا غلوا في الدين ، فيظن أكثر الناس أنهم لم يرزقوا عقلا ولا فهما يمكنهم من أن يفقهوا كلام الله عز وجل ، أو كلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم . ويعتقد أنه لا بد له من ترجمان يترجم ذلك له حتى يفقه ويفهم .
قال ابن حزم عن هذا : فأتوا بالتي تملأ الفم . ورد عليهم فقال : أمنعكم الله تعالى العقل الذي تفهمون به عند ما قد ألزمكم فهمه ؟ إذ يقول عز وجل : { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } , وقد سمعتموه يقول { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } وسمعتموه يقول { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } وسمعتموه يقول { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فلولا أن في وسعكم الفهم لأحكام القرآن ما أمركم بتدبره ، ولولا أن في وسعكم الفهم لكلام النبي صلى الله عليه وسلم ما أمره بالبيان عليكم ولا أمركم بطاعته ، هذا إن كنتم تصدقون كلام ربكم .
فليت شعري كيف قصرت عقولكم عن فهم ما افترض الله تعالى عليكم تدبره والأخذ به ؟! واتسعت عقولكم للفهم عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة ! وما أمركم الله تعالى قط بالسماع منهم خاصة دون سائر العلماء ، ولا ضمن لكم ربكم تعالى قط العون على فهم كلامهم ، كما ضمن لكم في فهم كلامه إنه لا يكلفكم إلا وسعكم .
وقد أيقنا أن الله عز وجل لا يأمرنا بشيء إلا وقد سبب لنا طرق الوصول إليه ، وسهلها وبينها ، فقد أيقنا بلا شك عندنا أن وجوه معرفة أحكام الآي والأحاديث التي أمرنا بقبولها بينة لمن طلبها ، إن صدقتم ربكم ، وإن كذبتم كفرتم .
وأما ما لم نؤمر باتباعه من رأي مالك ، وأبي حنيفة ، وقول الشافعي ، فلا سبيل إلى أن نقطع بأن فهمه ممكن لنا . اهـ .
وقد أيد هذا القول بمعنى آخر الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب كما نقل عنه في الدرر السنية قوله : من أعجب العجائب وأكبر الآيات الدالات على قدرة الملك الغلاب : ستة أصول ، بينها الله تعالى بيانا واضحا للعوام ، فوق ما يظنه الظانون ، ثم بعد هذا غلط فيها كثير من أذكياء العالم ، وعقلاء بني آدم ، إلا أقل القليل … إلى أن قال : الأصل السادس :
رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة ، واتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة ، وهي : أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق ، والمجتهد هو : الموصوف بكذا وكذا ، أوصافا لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر ! فإن لم يكن الإنسان كذلك فليعرض عنهما ، فرضا حتما لا شك ولا إشكال فيه . ومن طلب الهدى منهما فهو إما زنديق ، وإما مجنون ؛ لأجل صعوبة فهمهما ! فسبحان الله وبحمده ، كم بين الله سبحانه شرعا وقدرا ، خلقا وأمرا في رد هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى بلغت حد الضروريات العامة { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .
قال أبو عبدالإله : تأمل هذا الكلام من هذين العالمين الجليلين لتدرك أن من أعظم حيل الشيطان اليوم ، ما حال به بين المسلمين وبين كتاب ربهم وسنة نبيهم ، بحجة شرعية ، ورؤية منطقية ، كما زينها لهم ، وما هي إلا من تلبيساته ، وأظنه قد بلغ فيها مبلغا عظيما ، نراه في واقع الأمة مع المصدرين الرئيسين لدينها ودنياها .

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • ابو عساف

    بارك الله فيك ياشيخ … هذا المأمول منك في اعمال العقل

  • سالم

    نعم صحيح 

  • الخالدي

    بوركت وسددت وليت قومي يعلمون

  • خالد سليمان

    صدقت وربي.
    فلو نظرنا الى واقعنا الحالي وكثرة تناحر لبنات الفكر وتضادها
    لادركنا قول ابليس الرجيم لاقعدن لهم صراطك المستقيم.
    رحم االله حالنا ومآلنا وما نحن عليه فوضى عارمة بالفكر والنفس.
    رحم الله بطن من أنجبك وغفر لهم ولنا ولكم ولوالدينا والمسلمين أجمعين