خطيب الحرم: يجب معرفة وسائل الأعداء المتربصين بديننا وأوطاننا

الجمعة ١٥ مايو ٢٠١٥ الساعة ٧:٥١ مساءً
خطيب الحرم: يجب معرفة وسائل الأعداء المتربصين بديننا وأوطاننا

قال إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم: إن الهيمنة لنزعة الشهوة والأثرة وحب الدنيا وكراهية الموت وَلَّدت في كوامن كثير من المجتمعات المسلمة قسطًا وافرًا من القنوط واليأس وذوبان الأمل والشعور المستحكم بأن سيادتها في الأرض ورياديتها فيهما نوع استحالة، تجعل القناعة بمثل ذلكم لونًا من ألوان الرضا بالواقع والاستسلام للمستجدات والمدلهمات أي كان نوعها، حتى لو كان فيها ظلم الإنسان وقهره وإهدار كرامته ومحو هويته، مع أن حقيقة الإسلام وواقعه يؤكدان أن لا انفصال بين العمل للدنيا والعمل للآخرة، وأن ليس ثم تغليب للجسد على حساب الروح ولا للروح على حساب الجسد، إنما هناك تنظيم دقيق يجعل همة الإنسان المسلم والمجتمع المؤمن في أن يتولى القيادة ويمسك بالزمام، فلا رهبانية تقتل نداء الفطرة والجبلة ولا مادية جوفاء وأفئدة هواء تتجاهل سناء الروح وتطلعاتها إلى الرفعة والتمكين.
وأوضح الشيخ الشريم- في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام- أن هذا الحق هو ما يجب أن يعرفه عامة المجتمعات المسلمة بجلاء، وأن تُبَحّ له حناجر الباحثين عن الصالح العام لأمتهم ومجتمعاتهم، فإن الله- جل شأنه- سخر آفاق السماء وفجاج الأرض وجعلها في خدمة الإنسان ليعمر أرضه، ويخلف فيها بالإصلاح والعبودية له وحده، وليكون عزيزًا مطاعًا لا ذليلًا مهانًا، وليكون متبوعًا من قبل أمم الأرض لا تابعًا.
وأكد أن هذا التسخير الإلهي لم يكن عبثًا بلا حكمة ولا نعمة لا تقتضي شكرًا يشاهد على أرض الواقع من خلال إقامة شرع الله في أرضه وإعلاء كلمته لتكون هي العليا على هذه البسيطة.
وبيّن الشيخ “الشريم” أنه كان لزامًا على أمة الإسلام أن تدرك أمرين جد عظيمين تحمل عليهما الضرورة تارة ويهدي إليهما الدين تارات أخرى، بل كل منها يستلزم الآخر ويستصحبه استصحابًا حثيثًا، والأمران هما الائتلاف والتآخي بلا تفرق واختلاف وعلو الهمة لبلوغ الأرب في الرفعة والريادة دون استكانة أو خنوع لغير الله- سبحانه وتعالى- بهذين الأمرين تنمو الأمم فتعظم فتسود ما شاء الله أن يحيا فيها هذان الأمران، وأنه متى رُئي من أمة الإسلام ميل صادق إلى الوحدة والتمكين فإن العاقبة لها، ما من ذلك بد فتلك هي السنة الكونية والدينية.
وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أنه من تصفح تاريخ الأمم والشعوب وتأمل واقعها من خلال كتاب الله وسنة رسوله ومصادر التاريخ المسطرة وجد أن حظ الأمم والشعوب من الوجود على مقدار حظها من الوحدة ووجد مبلغها من العلو والهيمنة على قدر تطلعها إلى التمكين في الأرض لإثبات وجودها، كما وجد أيضًا أنه من حرف قومًا عن بلوغ ما ذكر، وألهاهم بما بين أيديهم وأوقفهم على أبواب ديارهم ينتظرون طارقهم بالسوء إلا بعد ما رزئوا بالاختلاف والافتراق ودنوا الهمة والحطة والشقاق والرضا بالحياة الدنيا من الآخرة، وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل.
وأكد أن الاتحاد والاتفاق والائتلاف تقارب يحدثه شعور كل فرد من أفراد أمة الإسلام بما ينفعها وما يضرها، شعور يبعث كل واحد منا على التفكر في أحوال أمته، ويجعل لهذا التفكر جزءًا من زمنه وهمه، وأن لا يكون هذا التفكر أقل من همه لمعاشه ورزقه، فضلًا عن أن يكون مجرد تفكر لا يجاوز جدران مخيلة المرء نفسه، بل تفكر يتبعه عمل وعزيمة يخلفها إصرار، ولهذا جاء حث النبي- صلى الله عليه وسلم- على التمسك والتآخي بين المؤمنين جليًّا بقوله: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا”، ثم شبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم.
وأضاف الشيخ “الشريم” يقول: ففي الحديث جعل موضع المسلم بين إخوتهم المؤمنين كالبنيان الذي لا يقوم بعضه إلا على البعض الآخر من خلال تراكم اللبنات وتشابكها، فلله أي تشبيه للأخوة أعظم من هذا التشبيه الذي نطق به من أوتي جوامع الكلم.
وقال “الشريم”: إن هذا الترابط والتآخي والحض عليه من قبل الشارع الحكيم لم يُترك هكذا دون سياج يحاط بتحذير وتخويف، بل أُتبع بالنهي عن ضده وهو الاختلاف والتدابر والخروج من دائرة المؤمنين الجامعة، حيث توعد الله الواقع في ذلكم بقوله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا}، هذا هو موقف الدين الإسلامي من العنصر الأول الذي هو الائتلاف والتآخي الموافقان للهدي السماوي الإلهي.
وتابع فضيلته يقول: فثم عنصر آخر عباد الله وهو عنصر الهمة نحو بلوغ العزة والرفعة والتمكين في الأرض من خلال السعي الصادق لبث دين الإسلام والتمكين له، والإعلاء لكلمة الله في أرضه وعمارتها بالعدل والقسط، وإن آيات القرآن وحديث النبي- صلى الله عليه وسلم- حافلة بذكر ذلكم، داعية إليه جاهرة بالحض عليه حاظرة عليهم أن يستكينوا أو يتخاذلوا أو يتوانوا في المفروض والقيام به.
وأردف يقول: إن كلَّ الرزايا التي تحل بأقطار المسلمين وتضع من أقدارهم ما كان قاذفهم ببلائها وراميهم بسهامها إلا افتراقهم وتدابرهم الذي نهاهم الله عنه ونهاهم عنه رسوله- صلى الله عليه وسلم- ولو أنهم أدوا تلك الحقوق التي تطالبهم بها كلمة الله العليا وتطمئن قلوبهم بذكرها لما كان للغريب مجال لأن يمزق شملهم كل ممزق أو أن يلمع سلاحه عدوانًا وظلمًا في وجوههم بعد أن كانت أقدامهم في صياصيهم وأيديهم على نواصيهم ردحًا من الزمن، هل يود المسلمون أن يعمروا مئات السنين في الضعف، وهم يعلمون أن ازدراء الحياة وزخرفها والزهد فيها هو دليل النفس المؤمنة أيرضى المسلمون وقد كانت كلمتهم هي العليا أن يضرب عليهم الخوف والجوع وأن يقذف في قلوبهم الرعب وتبلغ قلوبهم الحناجر ويظنون الظنونا، وأن يستبد في ديارهم وأموالهم وأرضهم التي استنشقوها من هو أجنبي عنهم دينًا وخلقًا وسياسةً أو من لا يرقب فيهم إلًّا ولا ذمةً؟! بل أكبر همه العبث والتشريد والتفريق والقتل والظلم حتى يخلي منهم أوطانهم التي خُلقوا فيها وربوا على ثراها، ثم يضرب القرعة بين المقتسمين أرضهم وأموالهم.
وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أن علينا جميعًا أن ندرك حجم عداوة من لا يحبنا ولا يهمه أمرنا، كما أن علينا أن ندرك السبل والوسائل التي يتربص بها عدونا، وأن نذكي محلها الوسائل الإيجابية مع الرجوع إلى الله والألفة والعزيمة والتغلب على الهوى والرغبة الشخصية، وتقديم مصلحة الإسلام والمسلمين على كل مصلحة دونها.
وقال: إن إدراك حجم الوسائل التي يحاربنا بها أعداء بلداننا أو ديننا أو ثقافتنا لهو من الضرورة بمكان، وإلا يضيق فهمنا وإدراكنا على تفسير قوتهم وغلبتهم بوسيلة الحرب فحسب، كلا فتلك نظرة ضيقة وفهم قاصر لهذا الواقع المؤلم، بل لقد تعدى مدى الوسائل حتى شمل آفاقًا متعددة نراها في الثقافة والمشاعر والإعلام والفكر، بل لقد أصبحت الكلمة والصورة والخبر والصحيفة والبث الفضائي أدق الوسائل إلى غاياتهم المرسومة؛ إذ تفتك بالأمة فتك السهام بلا قوس ولا وتر؛ فتطعن بغير سكين وتقتل بغير سلاح وتأسر بلا حرب وتحكم بلا مبدأ.
وأضاف يقول: إذا كانت هذه هي وسائلهم السلبية فأين نحن من الوسائل الإيجابية؟! وإذا كانت هذه هي هممهم الدؤوبة فلماذا هممنا خواء وغاياتنا هواء وعزائمنا غثاء؟! لماذا تمس أصابعهم الأشياء فتنجح وتمسها أصابعنا فتضطرب؟! إن مستقبل المسلمين ينبغي أن يزرع في بلادهم وعلى أرضهم بأخلاقهم وفكرهم وقوتهم، وأن يكفوا عن صفات التسول بكل صنوفه في طاقاتهم وإعلامهم وثقافتهم، وإلا يضيعوا في تيه العقل الذي يشحذ ولا يؤسس فينحى حينئذ عن القيادة والريادة قسرًا ولات ساعة حيلة.
وفي المدينة المنورة تحدث إمام خطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ عبدالباري الثبيتي عن وجوب نصرة المسلم لأخيه المسلم، وما جاء في حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. فَقَال َرَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: تَحْجِزُهُ عَنِ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِك َنَصْرُهُ”.
وقال فضيلته: إن النصرة علامة الإيمان فإذا نصرت الأمة المظلوم وأخذت على يد الظالم ومنعته من الظلم نجت من عقاب الله، مستشهدًا فضيلته بقول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، ومن نصر المظلوم نصره الله سبحانه وتعالى، وسخر له من ينصره في الدنيا والآخرة.
وأضاف إمام وخطيب المسجد النبوي: أن النصرة تحالف إسلامي وتعاضد إيماني، وفيها قوة للمسلمين وعزة للمؤمنين فهي توقظ الهمم بالثبات، وتجمع المؤمنين في صف واحد، وعلى قضية واحدة، وهم واحد مع الكرامة والتضحية، مستشهدًا فضيلته بقول الله تعالى: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.
وبيّن فضيلته أن النصرة فريضة شرعية وضرورة دنيوية، فقد غدى العدوان على الإسلام والكيد له سمة العصر في صور متعددة ومظاهر متنوعة، قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: “يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيكُمْ الأمم كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَة ُإِلَى قَصْعَتِهَا”. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: “بَلْ أَنتُمْ يَومَئِذ ٍكَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ المَهَابَةَ مِنكُمْ، وَلَيَقذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ”، فقال قائل: يا رسول الله وما الوَهَن؟ قال: “حُبُّ الدُّنيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوتِ”.
وأشار فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي إلى أن ضعف النصرة بين المسلمين يؤدي إلى تسلط عدوهم وزيادة بطشه بالتنكيل بالآمنين وإذلال الموحدين وسلب الأرض وانتهاك العرض، مبينًا فضيلته أن الفساد الكبير والفتنة المشتعلة في أراضي المسلمين أساسها التفريط في مبدأ النصرة، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء ُبَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}.
وأكد إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبد الباري الثبيتي أن من تقاعس عن مد يد النصرة لمظلوم ذل في دنياه وخسر في أخراه؛ فقد جاء النهي عن خذلان المسلم والتنصل عن نصرته، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ”.
وتحدث فضيلته عما يحدث في بعض بلاد الأمة الإسلامية من ابتلاء، مبينًا أن الأمة ابتليت بمن يتحالف مع عدو أمته ويشهر سيف الغدر علي بني جلدته ويزرع الفتنة، ويمكِّن للانقلاب والفوضى طمعًا في منصب رئاسي، يعلق أوسمة الخزي والعار ولو على جماجم الأبرياء وأشلاء الأطفال، وكيف يؤمِّن الناس من خدع شعبه وخان وطنه وأستنصر أولياء الباطل على قومه وجيرانه، وآخر يقتل شعبه بالقنابل الحارقة والبراميل المتفجرة والغازات السامة، في سورية الصبر والإباء، مشيرًا إلى أن هذه الأحداث تأتي امتحانًا للنفوس وتمحيصًا للصفوف ليعلم الله من ينصر المظلوم ومن يردع الظالم ومن يتمسك بالحق في وجه الباطل، قال الله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ}.
وخلص إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ عبدالباري الثبيتي- في نهاية خطبته- إلى أن الولاية مع المستضعفين قائمة والنصرة لهم واجبة، والمسلمون في كل بقاع الأرض هم جزء من جسد الأمة الكبيرة بحكم أخوة الإسلام؛ فلهم حق المعاونة والمعاضدة ودعمهم بعناصر القوة لتقوية الضعيف وحفظ الدين والنفس والعرض.

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
  • فهد محمد قاسم محمد الحذيفي

    الله يجزاك بالخير ويسعدك ربي في الدنيا والاخرة