السريحي: العالم يتفق على محاربة #الإرهاب ويختلف حول تعريفه

الأربعاء ٢٦ أغسطس ٢٠١٥ الساعة ١:٥٥ صباحاً
السريحي: العالم يتفق على محاربة #الإرهاب ويختلف حول تعريفه

أثار وصف الدكتور سعيد السريحي للخوارج بأنهم أنقى من “داعش” وغيره من الجماعات الإرهابية الحالية في محاضرته المعنونة بتفكيك خطاب الإرهاب، والتي أقيمت بالنادي الأدبي الثقافي بالطائف، جدلًا وخلافًا كبيرًا من قبل المداخلين والمعلقين على المحاضرة التي أدارها الدكتور عائض الثبيتي ليلة الاثنين.
وكانت المحاضرة قد شهدت حضورًا كثيفًا من قِبَل مثقفي ومثقفات الطائف ومن خارجها، حيث بدأ الدكتور عائض الثبيتي أمسيته بكلمة ضافية تحدث فيها عن الدكتور “السريحي” وعن تقديره لأدبي الطائف وما يقوم به من دور تنويري وثقافي.
ثم بدأ الدكتور سعيد السريحي محاضرته بالحديث عن اتفاق الشعوب والدول على الخطر الذي باتت تشكله الجماعات الإرهابية على حياتها وممتلكاتها، وأن الدول وإن اختلفت سياساتها تتفق على ضرورة مكافحة الإرهاب، غير أن هذا الاتفاق لم يحل دون الاختلاف حول تعريف الإرهاب، واستشهد على ذلك بعدة تعريفات لعدة دول وعدة لجان قانونية دولية، والتي في مجملها لا تسلم من غموض لا يتحقق معه مفهوم الحد في المنطق من حيث الوضوح الذي يجعله موضع اتفاق ينبني على كونه جامعًا مانعًا كما ينبغي في الحد أن يكون.
وأضاف أن هذا الغموض قاد إلى اختلاف سياسات الدول تجاه هذه الجماعات الإرهابية، غير أن ما يجمع بين هذه التعريفات على تباين تفاصيلها يتمثل فيما تستهدفه الجماعات الإرهابية من وراء عملياتها من إثارة الرعب والخوف والفزع في المجتمع، وهو الأمر الذي لا يحتاج تعريفًا كي يتم الوقوف عليه؛ فاستبطان الدلالة اللغوية لمصطلح (الإرهاب) من شأنه أن يحيل على الأثر الذي يتركه في المجتمع والمتمثل في حالة الفزع والخوف؛ ما يقتضي أن يكون تعريف الإرهاب منطلقًا من أثره في المجتمع، وبذلك يصبح الحدث في العمل الإرهابي فعلًا رمزيًّا يستمد خطورته ومقدرته على التأثير من كون الضحية أو الضحايا الذين يتعرضون له ليسوا مقصودين في حد ذاتهم، وكان من الممكن أن يكون غيرهم في مكانهم، ودائمًا ما يكون الضحايا ممثلين للمجتمع المستهدف؛ أي أنهم ضحايا رمزيون؛ ما يعني أن كل فرد من أفراد المجتمع عبارة عن ضحية محتملة أو ضحية مؤجلة.
وإذا ما كان الحدث الإرهابي حدثًا رمزيًّا أو عنفًا رمزيًّا فإنه يحتاج إلى وسائط يمكن لها أن تعلن عنه من ناحية وتوسع دائرة تأثيره من ناحية أخرى؛ بحيث لا ينتهي الإرهاب بوقوع الحدث وإنما يبدأ منه، وبذلك تصبح الوسائط المختلفة من لغة وصورة ثابتة ومتحركة وأخبار وبيانات لغة وآليات لتحقيق هذا الإرهاب وأهدافه؛ حيث تؤكد قوتها وتبرير أعمالها في الوقت الذي تحرص فيه الدول المتضررة على استثمار تلك الأحداث من أجل تجريم الجماعات الإرهابية وتأكيد خطرها وخطر الانتماء إليها والتستر عليها.
وحين تصبح اللغة أداة من أدوات الإرهاب، سواء كانت ناقلة لأخبار عملياته أو متوعدة بمزيد منها، وسواء كانت تعبر عن حقائق أو تطلق جملة من الشائعات التي ترفع وتيرة الترقب وتسهم في توسيع دائرة الرعب، حين تصبح اللغة كذلك وتلعب هذا الدور، فإن بإمكاننا أن نرى الإرهاب من هذه الزاوية إرهابًا لغويًّا يتمترس خلف إستراتيجيات لغوية، يمتلك خطابًا مستدرجًا حينًا ومهددًا حينًا آخر، وهو في كلتا الحالتين يتكئ على مرجعيات عقدية تتجلى في تبنيه نصوصًا تتوافق مع سياسته وأهدافه، ويصادر غيرها من النصوص التي تتناقض مع تلك السياسات والأهداف، كما يتكئ على مرجعيات تاريخية يهدف من ورائها إلى استخدام الماضي من أجل تقويض الحاضر وبناء مستقبل لا يخرج عن أن يكون استعادة للماضي الذي قامت بإعادة صياغته وتقديمه كنموذج ليحقق من خلاله أهدافه وغاياته، والتي هي في مجملها غايات سياسية مهما تقلبت في المعتقدات والمذاهب، وهذا يمثل الشفرة المشتركة التي تشكل قاسمًا بين الجماعات الإرهابية وبين المجتمع الذي تتخذه تلك الجماعات مجالًا لتنفيذ عملياتها أي قاسمًا مشتركًا بين الجلاد والضحية؛ مما يحقق قدرتها على خلخلة ثقة المجتمع بمرجعياته من ناحية، وضمان استمرار حصوله على الكوادر التي تضمن له الاستمرار وتوفر له البدائل لمن يفقدهم خلال عملياته من ناحية أخرى.
وتابع: الجماعات الإرهابية تسعى إلى أن تقدم استعادة التاريخ عبر البعد الرمزي لمسمياتها وأسمائها باعتباره حلًّا للمأزق التاريخي الذي انتهى العالم العربي لا من حيث إنه مجتمع إسلامي فحسب، بل من حيث إنه مجتمع حمل مسؤولية نشر الإسلام من قبل؛ مما يساهم في الإغراء بالالتحاق بتلك الجماعات، وكذلك ما تشكله شعاراتها من تعزيز لروح القيادة الكامنة فيمن يعتبرون أنفسهم أحفاد الفاتحين والمسؤولين عن استعادة أمجادهم، ومكمن الخطر يتمثل في أن الانتماء لهذه الجماعات يعني في جوهره الانتماء لما تعلنه من شعارات وما يحمله خطابها من مرجعيات؛ مما يجعله انتماءً قادرًا على مزاحمة الانتماء الوطني، بل قادرًا على تهميشه.
وقال “السريحي”: إن الإرهاب الذي نعاني منه اليوم لا يتجاوز أن يكون نتيجة لنصوص دينية متشابهة غفلنا عن تمحيصها وإعادتها إلى سياقتها التاريخية، كما هو نتاج لتغول التاريخ الذي ينقلب على أمة حولته إلى كتاب مقدس ولم تساءل صنّاعه عما فعلوا ولم تغسل عنه ما أراقوه حوله من الدماء، تغول التاريخ الذي انقلب على أمة تعتبره مصدر عزتها دون أن تدرك أن في بعض جوانبه علة موتها كذلك.
وقال في نهاية محاضرته: علينا كي نفهم الإرهاب أولًا، وكي نتصدى له ثانيًا، أن نتفهم المرجعية الدينية والتاريخية التي يستند إليها، وأن نحلل مكونات الخطاب الذي يضمن له الاستمرار، وبدون ذلك فإن كل الجهود لن تتجاوز القضاء على بعض جماعاته وبؤره وخلاياه، فيما يظل يتناسل في الخفاء كتنظيمات وفي العلن كأفكار، وكلما تم القضاء على جماعة منه تولدت جماعات أشد تطرفًا وعنفًا تتخذ ممن تم القضاء عليهم شهداء لها، وتضيف إلى مخططاتها مخططات جديدة لأخذ الثأر لهم وتحقيق ما ماتوا مناضلين من أجله.
ثم فتح باب المداخلات وأسئلة الحضور؛ حيث قام كل من الدكتور عالي القرشي والدكتور عبدالعزيز الطلحي والدكتور خالد الغامدي والأستاذ أحمد البوق والدكتورة حنان عنقاوي والدكتور صالح الثبيتي والأستاذ محمد محسن الغامدي والدكتورة لطيفة البقمي والأستاذ راشد فهد القثامي بالتعليق والتعقيب ومناقشة المحاضر حول طرحه وتناوله للموضوع.

السريحي (2)

unnamed (1)