ضيوف الرحمن.. فرّقتهم الحروب والسياسة ووحدهم #الحج

الأربعاء ٢٣ سبتمبر ٢٠١٥ الساعة ٥:٣١ مساءً
ضيوف الرحمن.. فرّقتهم الحروب والسياسة ووحدهم #الحج

تُشكّل حشود ضيوف الرحمن في صورتهم المهيبة وهم يقضون يوم التروية في مشعر منى، ويتقاطرون مع صبيحة اليوم التاسع من ذي الحجة إلى صعيد عرفات؛ لتختلط فيه مشاعر المسلمين وتتوحد لغاتهم ولهجاتهم ووقفاتهم، وتتضرع الأكف إلى ربها الكريم؛ مبتهلين إليه، خاشعين ذليلين منكسرين يرجون رحمته ويخافون عذابه.

في لحظات تترقرق من أجفانهم الدموع، وتتعامد الدعوات من أفئدتهم إلى السماء بكل ما يخطر في بالهم لقضاء حوائجهم وطلب الغفران والمثوبة من بارئهم، وألسنتهم تلهج بذكر الله وقراءة القرآن، قبل النفور مع مغيب الشمس إلى مزدلفة تزلزل أصوات “لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”، ليبيتوا ليلتهم آمنين مستأمنين؛ فينطلقون صباح أول أيام العيد إلى منى لرمي جمارهم، ثم البيت العتيق.

بياض الوحدة لا تفرّقه الحروب ولا التحزبات
هذه الكتل البشرية التي وحّدتها العقيدة والدين في صورة بياض تتجلى فيه الإنسانية والرهبة والخشوع إلى الخالق، وتتلاصق فيه الأجساد، وتقترب القلوب، وتلتحم المشاعر من كل الأجناس والدرجات والمستويات الثقافية والحضارية؛ لتكشف صلابة هذا الدين ومتانته ورسوخه في توحيد الأمة وتهذيبها وتربيتها بروح الإسلام ونقاء الأخوة الصادقة كالبنيان المرصوص، يتسابق فيه الأصحاء إلى إعانة العاجز، ونقل المريض ونجدة الملهوف وسقيا العطشان وإغاثة المحتاج.

لم تُفَرّقهم حدود الدول ولا تحزبات السياسة ولا ويلات الحروب والدمار التي تأكل الأخضر واليابس في كثير من بلدان المسلمين ولا يخطر ببال أحد أن يميز بين جنسية هذا ودولة ذاك.

هذه الجموع الكبيرة التي أتت من كل أقطار الأرض هويتهم الإسلام، مسلّمين ميممين إلى بيت الله العتيق، لا فرق بين فقير ولاغني فيهم ولا صغير ولا كبير، بالكاد جميعهم يدعو الله بأن يُصلح أحوال المسلمين ويقرّب شملهم وتعلو كلمتهم وتقوى شكوتهم في وجه المِحَن وملمات الدهر؛ انطلاقاً مما يشهده العالم الإسلامي من تفكك وحروب طاحنة يقتل فيها المسلم أخيه المسلم، وتُهدر الدماء، وتُستباح الأعراض في دول كثيرة دون أي أسباب.

دموع المسامحة وتوقف الاتهامات
يقول الحاج أكرم العبيدي من جمهورية العراق، لـ”المواطن“: إنه يشعر بخيبة أمل وانكسار حين قادته الصدفة قبل يومين للقاء أحد أبناء جلدته في الحرم، وهو على خلاف معه في العراق، ويتهم كل منهما الآخر بشنّ حروب على حزب الآخر، ويضيف: “والله تعانقنا في الحرم، وأجهش كل منا بالبكاء، وقبّل أحدنا رأس الآخر يستسمحه ويستبيحه؛ لننصرف إلى أداء نسك الحج”؛ كاشفاً أن “هذا التلاحم الكبير للمسلمين في الحج، ليته يكون حاضراً على أرض الواقع بعد موسم الحج، وتعيش الدول الإسلامية في أمن وأمان وحب واطمئنان”.

ويرى أحمد الحسن من تونس، أن صور حشود الحجيج وهي تتقاطر في مشاهد مهيبة متنقلين من منى إلى عرفات وقد وحّدهم الدين والعقيدة؛ لمَشاهد عظيمة شاهدة على أن ديننا هو الأقوى لتوحيد الصفوف ووأد الحروب.

اليمنيون يدعون الله بتوحد الصف ضد الأعداء
وأكد حجاج يمنيون لـ”المواطن” أن وطنهم اليوم في محنة كبيرة وصراعات سياسية أكلت الأخضر واليابس، ودمرت كل ما هو جميل؛ برغم أن اليمن هي بلد الحضارات الضاربة في جذور التاريخ؛ سائلين المولى أن تتوقف آلة الدمار من الميليشيات، وتُغمد السيوف والبنادق ويتعانق الإخوة اليمنيون مصطفّين خلف قيادتهم الشرعية لبناء وطنهم.

سوريا.. بلد مزّقته الحرب وتوحدوا في الحج
شاكر عبدالله، حاج سوري لم يقُل للصحيفة إلا هذه الدعوة: “اللهم أصلح حال المسلمين، اللهم أصلح شأنهم ووحّد كلمتهم، وألّف بين قلوبهم”.

ويتمنى حجاج كثيرون أن يكون توحدهم في الحج توحداً على طاعة الله سياسياً وثقافياً واقتصادياً في منظومة حياة رغيدة تهنأ بها الشعوب المنهكة وتطمئن بها نفوسهم.

وكان سماحة مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، قد دعا في خطبة عرفه اليوم قادة وزعماء العالم الإسلامي وعموم المسلمين قائلاً: “اتقوا الله في أنفسكم، اتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في شعوبكم، اتقوا الله في بلادكم، اتقوا الله في دينكم، أوصيكم بتقوى الله، واعلموا أن كلاً مسؤول عما ائتمنه الله عليه (كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته)، أعدّوا للسؤال جواباً وللجواب صواباً، اعملوا جميعاً في حماية دينكم وأخلاقكم، دينكم مستهدف، أمنكم مستهدف، عقيدتكم مستهدفة، قوتكم مستهدفة، عقولكم مستهدفة؛ فأعداء الإسلام يعدون ضدكم؛ فاتقوا الله في أنفسكم، وتعاونوا فيما بينكم تعاوناً صادقاً في المحافظة على الأمن والاستقرار، واحذروا أن يكون أي منكم أن متآمراً؛ فأنتم أمة مسلمة، أنتم خير أمة أخرجت للناس، واتقوا الله في أنفسكم، وتعاونوا على الخير والتقوى في سبيل مصالح العامة.
حجاج (4)

حجاج (2)

حجاج (1)

حجاج (3)