من المؤسس إلى #سلمان_الحزم .. #السعودية لا تراهن على الثوابت و أمن المنطقة  

الخميس ٣ سبتمبر ٢٠١٥ الساعة ٣:٥٠ صباحاً

 

دأَب المهتمون بتناول الشأن السعودي- الأمريكي، عند عقد كل لقاء من لقاءات القمة “السعودية- الأمريكية”، على استحضار أجواء أول قمة في تاريخ نشأة العلاقات السعودية الأمريكية بين “المؤسس” الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت قبل سبعين عاماً على ظهر المدمرة الأمريكية “كوينسي” في 14 فبراير عام 1945م في منطقة البحيرات المرة بقناة السويس في مصر؛ وذلك لتبرير -إن لم يكن تمرير- رؤى ووجهات نظر خاصة حول دواعي وبرنامج عمل كل قمة خلال فترة التحضيرات التي تسبق انعقاد القمة وفي أثنائها.سلمان الحزم

 

المنحى السيئ

وبرغم الأهمية الرمزية القصوى التي يكتسبها اجتماع الزعيميْن الكبيريْن بالنسبة لتدشين العلاقات السعودية الأمريكية؛ فإن المنحى السيئ من قِبَل الكثير من المهتمين بالشأن السعودي الأمريكي، يتجلى في تناول هذه القمة التاريخية بعيداً عما تَضَمّنته وثائقها من مناقشات وموضوعات، والأكثر سوءاً من ذلك هو إقحام اتفاقات تأسيسية على نتائجها، واختزال هذه الاتفاقات في ثنائية النفط الآمن؛ برغم أن مناقشات الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت اقتصرت في حينها على موضوعين رئيسيْن هما: وضعية فلسطين بعد إنهاء الاحتلال البريطاني لها، ومستقبل المملكة وحاجتها إلى التحديث في كل المجالات والدور الذي يمكن أن تضطلع به الولايات المتحدة في هذا الإطار.

 

نموذج التفاوض

ولا شك أن “اجتماع كوينسي” يمثل أهمية كبيرة بالنسبة لكل الملوك الذين تعاقبوا على حكم المملكة؛ وذلك لأنهم اتخذوا من أسلوب النقاش الذي اتبعه والدهم الملك عبدالعزيز في الحوار مع الرئيس روزفلت، نموذجاً للتفاوض مع قادة الولايات المتحدة، ويتأسس هذا النموذج على: عدم المراهنة بالثوابت القومية والدينية، والعمل على تعظيم مكاسب المملكة في مجالات تحديث بنيتها العسكرية والاقتصادية والعمرانية، والتفاوض من موقع ندية الشراكة؛ فالولايات المتحدة إن كانت تملك القوة والتكنولوجيا؛ فالمملكة تملك النفط محرك الاقتصاد العالمي، وتتمتع بريادتها الروحية لأكثر من مليار مسلم عبر العالم.

 

صلابة المؤسس

أمام صلابة الملك عبدالعزيز آل سعود، في عدم تقديم أي تنازلات تنال من الواقع القومي والسكاني لفلسطين، حتى في الحدود الدنيا بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين كما طالب الرئيس روزفلت؛ اضطر الأخير إلى التعهد للملك عبدالعزيز بعد اتخاذ أي قرارات أو مواقف تمسّ مصير فلسطين؛ إلا بعد التشاور مع المملكة وبقية الدول العربية المؤثرة.

 

الفهم والتعاون

لقد نشأت العلاقات “السعودية- الأمريكية” في ظل الحاجة إلى تحقيق مطلبين أساسيين هما: الفهم والتعاون، ولقد ظل هذان المبدآن يحكمان تطور العلاقات “السعودية- الأمريكية” طيلة أكثر من سبعين عاماً متصلة؛ فالرئيس روزفلت قدم إلى البحيرات المرة للاجتماع مع ذلك قائد أنشأ دولة مترامية الأطراف، بعد لقائه مع تشرشل وستالين في يالطا؛ ليفهم شخصية ذلك القائد ويؤسس معه تعاوناً استراتيجياً يعود بالنفع على الطرفين، وتجاوب الملك عبدالعزيز مع هذه الرغبة الأمريكية في الحاجة إلى فهم مواقف المملكة، جرى بناء على إدراك تام بأهمية إقامة علاقة استراتيجية مع القوة الصاعدة في العالم؛ في الوقت الذي كانت تغرب فيه الشمس عن الإمبراطورية البريطانية.

 

دعوة الأسبوع الأول

وفي إطار حاجة الإدارة الأمريكية إلى التواصل الدائم مع قادة المملكة وفهم مواقفها، دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، رسمياً لزيارة الولايات المتحدة بعد أسبوع من توليه الحكم، ولقد لبي خادم الحرمين الشريفين الدعوة لتقديره مدى الحاجة الأمريكية إلى التواصل مع الوريث الجديد للعرش السعودي؛ لكنه آثر توفير الأجواء والظروف الملائمة لنجاح هذه القمة، بما يعود بالنفع على المملكة من ناحية إثارة موضوعات وقضايا وحسم مواقف تمس موازين القوى في المنطقة؛ حتى لا تكون القمة مجرد لقاء بروتوكولي بلا أي قيمة سياسية.

 

جدية الرفض

وحرص خادم الحرمين على الانتظار إلى حين الانتهاء من حسم الاتفاق النووي بين إيران ودول “الخمسة زائد واحد”؛ حتى يوضح للولايات المتحدة، من خلال لقاء قمة، مدى الجدية التي تتعامل بها المملكة في رفض امتلاك إيران للسلاح النووي، أو السماح لها ببسط هيمنتها على دول المنطقة عبر إثارة القلاقل فيها من خلال إثارة النعرات المذهبية والطائفية لدى الأقليات الشيعية في هذه الدول كما تمارس في اليمن والعراق والبحرين، كما أن الملك سلمان آثر الانتظار حتى يعطي تحالف “عاصفة الحزم” الوقت الكافي في مسار استعادة الشرعية في اليمن، وبما يثبت قدرة المملكة على التصدي للنفوذ الإيراني وإيقاف تمدداته السرطانية في حصار المملكة وإضعاف عرى الأمن القومي العربي.

 

زعيما التحالف

سيزور خادم الحرمين الشريفين واشنطن اليوم ويلتقي الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض ؛ ولكن في ظل شروط أفضل تصبّ في صالح تحسين الموقف التفاوضي للمملكة؛ فسلمان الحزم الذي استطاع بتر ذراع إيران الممتدة إلى خاصرة المملكة الجنوبية، سيتحاور مع قائد التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش الإرهابي، والمكاسب التي حققها تحالف “عاصفة الحزم” في القضاء على تمدد الحوثيين في جنوب اليمن، وتقليص تواجدهم في محافظات الشمال في اتجاه حسم النزاع لصالح عودة الشرعية اليمنية، ستمنح المملكة طابعاً مختلفاً في شرح مواقفها.

 

الاستمرار والتطور

وسواء انصبّت محادثات الزعيمين على مناقشة تداعيات الاتفاق النووي الإيراني على أمن المملكة والمنطقة، أو محاولة تصحيح مسار الولايات المتحدة في التعامل مع النزاعات الساخنة في سوريا واليمن والعراق وليبيا، بما يعود بإنهاء تسوية هذه النزاعات تجنيباً لتعريض المنطقة لمزيد من التوتر؛ فإن العلاقات “السعودية- الأمريكية” أثبتت قدرتها على الاستمرار والتطور من مجرد شركة نفطية في وقت انعقاد أول قمة “سعودية- أمريكية” قبل سبعين عاماً، إلى تعاون شامل في كل المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والعلمية، خلال أحدث قمة بينهما.