مهندسات القط العسيري يقضين ٧ ساعات لتجهيز جدارية الأمم المتحدة

الجمعة ٢٣ أكتوبر ٢٠١٥ الساعة ٣:٠٩ مساءً
مهندسات القط العسيري يقضين ٧ ساعات لتجهيز جدارية الأمم المتحدة

يقضي “مهندسات القط العسيري” ما يزيد عن ٧ ساعات يوميًّا وهن ينقشن بأيديهن وينمقن التفاصيل الدقيقة لتقديم جدارية لمبنى الأمم المتحدة بمدينة نيويورك الأمريكية، تحت عنوان “بيوت أمهاتنا”، وبطول ١٨ مترًا.

ويبلغ عدد “مهندسات القط العسيري” نحو ١٣ فنانة مختصة بكل معاني وموروثات هذا الفن، حملت كل منهن فرشاتها وجاءت لتخط بيدها فقرة في هذه اللوحة التي ضمت مكونات هذا النقش من الختمة والبترة والحظية والبلسنة والعُمري والسكروني وأرياش وبنات، فكل لون من هذه الألوان يضم خاصية لونية وشكلية معينة، ولكل شكل دلالة بيئية أو شعورية.

ويَعتبر الفنانات الجدارية بالحلم والفرصة الجوهرية لإعادة فنهم الذي يعود إلى مئات السنين إلى الأذهان، ولوصوله للعالمية والحفاظ عليه من الاندثار.

ولن تقتصر مهمة الفنانات على الجدارية، بل سيقدم معرض فني بهدف إيضاح دور المرأة في تكوين وأرشفة التاريخ المحلي من منطقة عسير.

* قصة ضاربة في التاريخ:

يقول المشرف على المشروع المهتم بالتراث والأديب والمهتم بهذا الفن علي مغاوي: “قصة القط قديمة وضاربة في التاريخ، ويُعتبر مشروع (بيوت أمهاتنا) بمثابة الدفع باتجاه إعادة هذا الفن إلى الذاكرة”.

وأضاف: “كنت أخطط مع زوجتي الفنانة فاطمة الألمعي لإقامة جمعية لحفظ التراث وتأصيله، لولا وجود بعض العقبات، ولكني لم أتوقف عن حب هذا الفن أو الترويج له، ولذلك وافقت على الإشراف على المشروع الذي كان من فكرة الدكتور أحمد ماطر وزوجته الفنانة أروى”.

وأوضح “مغاوي” أنه بمجرد أن تشكلت الفكرة وبرزت إلى حيز الوجود تم تشكيل فريق العمل المكون من 13 فنانة، إضافة إلى لوحة أخرى تقوم أسرة الفنان الدكتور أحمد ماطر ووالدته وأخواته وغيرهن من الفنانات بتنفيذها.

وبيّن “مغاوي” أنه اعتمد في تنفيذ العمل على خطته البحثية التي عمل خلالها لتنفيذ كتاب مصور عن القط، وشملت كافة محافظات منطقة عسير من شمالها وجنوبها وشرقها وغربها، اطلع خلالها على أشكال القط القديمة التي تعود إلى أكثر من 200 عام، ووضع خطة عمل لشمول اللوحة القديم والجديد في هذا الفن، بما يعبّر عن ذائقة الإنسان العسيري في المنطقة، مبينًا أنه أطلع فريق العمل على النقوش، واستعان بعدد من الفنانين، منهم: إبراهيم فايع، وأحمد نيازي “صاحب أكبر مكتبة من الصور الفوتوغرافية”.

وتابع: “يتم متابعة العمل وتوثيقه مع الفنانات بشكل يومي؛ لإنجاز هذا العمل بنهاية أكتوبر الجاري”.

وعن دور الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، قال: “الهيئة أكدت على دعمها للمشروع من خلال برنامج الحرف الوطنية (بارع) بقيادة المشرف على البرنامج الدكتور جاسر الحربش ومدير عام الهيئة بمنطقة عسير المهندس محمد العمرة”.

وتطرق “مغاوي” إلى تعرض القط إلى جريمتين، أولهما أن المعروض منه خلال السنوات الماضية كان يتم بأيدي من العمالة الوافدة التي أفقدت هذا الفن روحه؛ لجهلها بمفرداته وتاريخه، ولتعاملها المسيء لهذا الفن، والأخرى ناتجة عن هروب الناس من القديم وبحثهم عن الجديد، حتى اقتصر الإقبال على هذا الفن على الوفود الأجنبية التي تقتني من المتاحف بعضًا من القطع الفنية ويقدرونها، معتبرًا أن تلك الجريمتين عطلت تطوير هذا الفن.

* النساء أشهرن الفن المتفرد:

تشير مدربة النقش فاطمة الألمعي إلى أن منطقة عسير اشتهرت ببيوتها التراثية الجميلة وطرق تجميل المعمار الخارجي والداخلي وغرفها الملونة جدرانها وأركانها بأيدي نساء المنطقة؛ ما جذب اهتمام الزوار والسائح.

وشددت على أن قرية ألمع انفردت بكثير من الجمال الطبيعي والطراز المعماري والنقوش العسيرية، مبينة أن الفنانات يقمن بالاتفاق على خطة العمل لرسم خطوط ونقوش وتشكيلات جمالية.

وعادت بالذاكرة إلى الوراء، قائلة: “الألمعيات لم يتعلمن هذا الفن في مدارس فنية أو معاهد متخصصة، ولكنه وحي للواقع، فكل لون كان يمثل إحساسًا معينًا، وكل شكل كان يرمز إلى شيء حل بالنفس واستقر في الأعماق، وأنا تعلمت هذا الفن من الفنانة بالفطرة فاطمة أبو قحاص، وما شاهدت من نقش: شريفة بنت أحمد، وفاطمة أمزهرية ومنشغلة الراقدي- رحمهن الله جميعًا- وكان لهذا دور كبير في تخليد هذا الفن، والذي يسمى بالنقش “.

* فن يعلِّم الصبر:

أوضحت الفنانة زهرة فايع الألمعي أن النقش الألمعي يستمد خاماته من الطبيعة، ويستخدم في تزيين المنازل والجدران والأدوات المنزلية، وقالت: “إنها أخذت تشكل هذه النقوش على الأواني المنزلية والتحف لتعطيها جمالًا متميزًا “، مؤكدةً أن هذا الفن لا يستخدم الأشكال الواقعية من ذوات الأرواح.

وعن أهم ما يميز النقش الألمعي، أفادت أنه يتميز بالألوان الطبيعية كالأزرق والبرتقالي والأخضر والأبيض والأسود، وكانت المرأة قديمًا تستخرج هذه المواد اللونية من الطبيعة لتزين منزلها؛ مما يؤكد على الحس الفني للمرأة في عسير، وشعورها المرهف، وتحسسها لجماليات الطبيعة، مضيفة: “هذا الفن يعوّد النفس على الصبر وتذوق الجمال؛ حيث أقضي ساعات طويلة في رسم منقوشات القط على الأواني والتحفيات في منزلها، وأنا أشعر بالفخر لتعلمها هذا الفن”.

* لمسات:

أكدت الفنانة فوزية بارزيق أن اجتماعنا وتفانينا في العمل يهدف إلى الحفاظ على هذا الفن من الاندثار يمثل هوية المنطقة، مؤكدةً على أن كل فنانة وضعت في هذه اللوحة لمساتها وإحساسها الخاص بروح وذائقة جماعية

* دلالة حضارة:

شددت الفنانة التشكيلية حليمة عسيري أن هذا الفن يعكس حضارة وتراث منطقة عسير، مشيرة إلى استفادتها منه في أزيائها ولوحاتها التشكيلية، وقالت: “يجب الحفاظ على هذا الفن من خلال تنفيذ دورات تدريبية للفتيات والفنانات؛ لتعلم أسرار هذا الفن الذي يعتمد على الزخرفة بشكل هندسي وبنقوش، امتدادًا للفن الإسلامي، وهو ينتقل بالوراثة، وتجيده معظم النساء، ولا يخلو منه أي بيت عسيري قديم؛ فتجد الجداريات الجميلة المزخرفة بألوان وأشكال تجمع بين البراعة والحس الفني والدقة في تصميمها، وبأدوات كلها من إنتاج البيئة نفسها، وهي تبرز مدى امتلاك المرأة العسيرية للذوق، والحس الفني والهندسي أيضًا”.

* البيئة تعكس:

رأت صالحة الألمعي أن البيئة التي عاشتها المرأة في عسير انعكست لتكون لوحات شعبية رائعة، وقالت: “لقد استخدمت الألمعية في عمل هذه النقوش الألوان التي تستطيع تكوينها خلال العناصر الموجودة في بيئتها”.

* أصغر نقاشة:

بينت نوارة مغاوي (أصغر نقاشة تبلغ من العمر 13 سنة) أنها تعلمت هذا الفن من الأمهات والجدات، وإنها نقلته إلى مدرستها وإلى لوحاتها الفنية، وما تزال تستفيد من الدورات التدريبية التي تقدمها أشهر المبدعات في هذا الفن.

يُذكر أن المشروع جاء بفكرة من الفنان أحمد ماطر والفنانة أروى النعيمي والسيد ستيفن ألكسندر المهتم بالفنون العربية وبتنظيم ودعم من مؤسستي “آرت جميل” و”إيدج أوف آرابيا” وكاثي سيلي من معهد الشرق الأوسط، ويشرف عليه الكاتب والباحث في التراث العسيري الأديب علي مغاوي، بمشاركة الفنانات: شريفة محمد، فوزية محمد، فاطمة فايع، زهرة فايع، جميلة الصغير، صالحة الألمعي، عهود إبراهيم، أروى محمد، حليمة عسيري، صالحة الراقدي، عهود مغاوي، فوزية بارزيق، وأصغر نقاشة نوارة عبدالرحمن مغاوي، إضافة إلى المتحمسات اللاتي يترددن على مكان العمل للتعاون مع فريق العمل.

 

مهندسة5

 

مهندسة2

مهندسة3

مهندسة4

مهندسة1

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
  • غير معروف

    جميل حقيقة، بس نفسي اغمس يدي في حبر واجي احطها ع الجدارية، حتى اترك لي بصمة يمكن تراها هيئة الأمم المتحدة العميا.