هيئة كبار العلماء بالسعودية.. توازن معرفي واعتدال ديني في زمن الفتنة (الحلقة الأولى)

الإثنين ٢٣ نوفمبر ٢٠١٥ الساعة ١:٢٨ صباحاً
هيئة كبار العلماء بالسعودية.. توازن معرفي واعتدال ديني في زمن الفتنة (الحلقة الأولى)

تقع على كاهل هيئة كبار العلماء في السعودية، في مرحلة الفتن الراهنة بين المذاهب الإسلامية، أصعب المهام لقيادة زمام مرحلة إبداء الاعتدال الديني من خلال التوازن المعرفي لتناول القيم الثمينة لرسالة الدين الإسلامي الوسطية المعتدلة؛ من أجل كسب جولة مهمة، من أمام صائدي افتعال الإشكاليات على الصعيد الدولي أو الإقليمي.
لهذا تقرأ “المواطن” في فكر أعضاء هيئة كبار العلماء الـ19؛ من أجل أن يعيد القراء الارتباط بشخصيات هذه النخبة العلمية، والاقتراب منهم أكثر وأكثر…
أول هؤلاء العلماء في الحلقة الأولى، هو رئيس هيئتهم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، مفتي عام المملكة، وهو من مواليد الرياض بتاريخ 30 نوفمبر 1943 (3 ذي الحجة 1362هـ).
ينتمي إلى أسرة آل الشيخ المعروفة، وهم من آل مشرف عشيرة من المعاضيد من فخذ آل زاخر، الذين هم بطن من الوهبة من بني حنظلة من قبيلة بني تميم.
تُوفي والده وهو صغير لم يتجاوز الثامنة من عمره في عام 1370هـ، وحفظ القرآن الكريم صغيرًا عام 1373هـ على يد الشيخ محمد بن سنان.

المسيرة العلمية
قرأ الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ على يد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ “مفتي الديار السعودية” الأسبق، كتاب “التوحيد والأصول الثلاثة والأربعين النووية”، من عام 1374 حتى عام 1380هــ، كما قرأ على يد الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء السابق “الفرائض” عام 1377هـ وعام 1380هـ، وقرأ على الشيخ عبدالعزيز بن صالح المرشد “الفرائض والنحو والتوحيد”، وذلك في عام 1379هـ، وفي عام 1375هـ و1376هـ، قرأ على الشيخ عبدالعزيز الشثري “عمدة الأحكام” و”زاد المستقنع”. وفي عام 1374هـ، التحق بمعهد إمام الدعوة العلمي بالرياض، ثم تخرج منه والتحق بكلية الشريعة بالرياض عام 1380هـ، وحصل على شهادة الليسانس في العلوم الشرعية واللغة العربية في العام الجامعي 1383/ 1384هـ.

الدور الوظيفي
بدأ أولًا بالتدريس في معهد إمام الدعوة العلمي في عام 1384هـ، ثم تولى إمامة وخطابة جامع الشيخ محمد بن إبراهيم في دخنة بالرياض، بعد وفاة الشيخ محمد بن إبراهيم عام 1389هـ.
وعيِّن لاحقًا أستاذًا مساعدًا بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود في عام 1399هـ، ثم أستاذًا مشاركًا بنفس الكلية في 1400هـ. وفي عام 1402هـ عيِّن إمامًا وخطيبًا بمسجد نمرة في مشعر عرفة.
في عام 1407هـ، عيِّن عضوًا في هيئة كبار العلماء. وبعد 5 أعوام في عام 1412هـ، انتقل من الجامعة لتعيينه عضوًا متفرغًا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. وفي نفس العام في شهر رمضان، تم تعيينه إمامًا وخطيبًا بجامع الإمام تركي بن عبدالله في الرياض.
وفي عام 1416هـ، صدر الأمر الملكي بتعيينه نائبًا للمفتي العام بمرتبة وزير. وبعد 4 أعوام في عام 1420هـ، صدر الأمر الملكي بتعيينه مفتيًا عامًّا للمملكة ورئيسًا لهيئة كبار العلماء والبحوث العلمية والإفتاء، بعد وفاة الشيخ عبدالعزيز بن باز- رحمه الله.

موقف ثابت من “الإرهاب الضال”
لدى المفتى ورئيس هيئة كبار العلماء الكثير من المواقف الثابتة الرافضة لإرهاب الفئة الضالة، ولعله كان حاسمًا في خطبة جمعة بجامع الإمام تركي بن عبدالله، في 28 أغسطس الماضي، حينما طالب الجميع بالإبلاغ عن الفئات الضالة، باعتبار أنه واجب على كل مسلم لا يرضى الشر لبلاده. وأوضح أن التعاون مع الجهات الأمنية بهدف الحفاظ على استقرار البلاد، بالكشف عن الإرهابيين، يُعد مطلبًا شرعيًّا.
ولهذا أيضًا وبعد تفجير مسجد قوة الطوارئ في أبها، قال: إنه عمل إجراميّ يدل على انعدام الإيمان لدى منفذيه، وكان واضحًا من خلال استشهاده بالآية الكريمة: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

وهذا فيديو إدانته تفجير مسجد قوة الطوارئ بأبها:

تجريد “داعش” من الدعوة والجهاد
ولدى تناوله شؤون تنظيم “داعش”، في إحدى خطب الجمعة، كانت في أكتوبر الماضي، قال الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ: إن المنتمين لـ”داعش” ليسوا مجاهدين ولا دعاة إسلام، مشيرًا إلى استناد عقيدتهم على الباطل والخذلان. وأوضح أن ممارسات “الدواعش” لا علاقة لها بالإسلام، حين يسفكون الدماء ويدمرون الإسلام وينهبون الأموال.
وفي ارتباط تعليمي بهذا الأمر يقف إلى جانب نهج وزارة التعليم السعوديين وإلى جنب المعلمين والمعلمات؛ فنفى المفتي في سبتمبر الماضي، أن تكون مناهج التعليم والمؤسسات التعليمية مسؤولة عن تغذية الشباب بالأفكار المنحرفة، أو أن لها دورًا في التحاقهم بتنظيم داعش، مبينًا أن هذه الأفكار تلقاها بعض الشباب من تجمُّعاتهم ومحيطهم خارج المدارس، وبعيدًا عن المناهج.

مناصرة المعلمين والمعلمات
ولم يكتفِ “آل الشيخ” بمناصرة المعلمين والمعلمات وجهاز التعليم، كما ورد بشأن تبرئتهم من التحاق بعض الشباب بـ”داعش”، وإنما قدّم خلال الفترة الماضية مقترحًا مميزًا لوزارة التعليم بشأن حركة نقل المعلمين والمعلمات، حين اقترح أن تخصِّص الوزارة وقتًا محددًا لحركة النقل يكون مرضيًا للجميع، بحيث يبقى فيه المعلم لبعض الوقت، ومن ثمَّ يتم نقله تلقائيًّا بعد انتهاء مدته؛ لمواجهة طول سنوات الانتظار ومشقة بعض المعلمين الذين يطول عليهم الانتقال إلى المدن.
وأشار في حديث لقناة “المجد” في هذا الصدد، أن الكل يرغب في المدن، ولو أُجيب لكلٍّ طلبه، ما بقي في القرى والمناطق البعيدة أحد. وقدم مقترحًا آخر بمنح معلمي المدارس البعيدة والمناطق الحدودية، مكافآت تشجيعية.

وهذا فيديو مقترح المفتي لحركة نقل المعلمين:

خوف على المرأة.. والصحة
من باب حرص المفتي ورئيس هيئة كبار العلماء على المرأة، سبق له أن خاطب الجهات العليا، لمعالجة إلزام الفتيات للابتعاث الخارجي، وهو يقصد المعيدات أو المحاضرات الجامعيات. كان بما رمى إليه، يخاف على المرأة من تكبُّد مشاق الغربة، بينما بإمكانها طلب تلك الدرجة العلمية في الجامعات المحلية. وأوضحت وزارة التعليم، بشأن ما طلبه المفتي، أنها لا تفرض الابتعاث إلا في تخصصات معينة، مع اشتراط بقاء محرم مع المبتعثة طول مدة الدراسة في الخارج.
وأيضًا من باب حرصه على الصحة العامة، رد المفتى على وكيل وزارة الصحة للصحة العامة، حينما سأله يستفسر عن الحكم الشرعي حيال استخدام أساليب وإمكانيات متوافرة للوقاية من الإصابة بالعدوى من الأمراض الوبائية (ولعله يقصد حالات كورونا وإنفلونزا الخنازير مثلًا)، وعلى الفور حذّر “آل الشيخ” العاملين في الحقل الصحي من مغبّة التهاون في أعمال التعقيم، وقال بوضوح: “من يفرط في أمور كالتعقيم يُعتبر آثمًا”.