في ذكرى رحيل سعود الفيصل.. محطات تاريخية لأمير الدبلوماسية

الثلاثاء ٢٨ يونيو ٢٠١٦ الساعة ١٢:١٢ مساءً
في ذكرى رحيل سعود الفيصل.. محطات تاريخية لأمير الدبلوماسية

في الـ22 من رمضان العام الماضي، غادر عميد الدبلوماسية العالمية الأمير سعود الفيصل، هذه الحياة، بعدما خطّ فيها الكثير من الإنجازات التي لا يختلف عليها اثنان عرفوا فارس السياسة العربية جيدًا، تلك الإنجازات التي لايزال السعوديون يرددونها ويقتدون بها في مختلف المحافل الدولية.

السياسي السعودي المخضرم – رحمه الله – رسم على مدى 40 عامًا قضاها في وزارة الخارجية الخطوط العريضة والمبادئ الراسخة لعمل الدبلوماسية السعودية التي تشهد لها دول العالم قاطبة بالاعتدال والاتزان والمواقف الشجاعة في أصعب الظروف وأحلك الأوقات.

الوطن العربي

وعاش الفيصل، قضايا الشرق الأوسط والعالم العربي بكل تفاصيلها بدءاً من القضية الفلسطينية ثم حربي الخليج الأولى والثانية، والغزو العراقي للكويت والحروب الإسرائيلية, ناهيك عن التدخلات الإيرانية وأطماعها في المنطقة العربية التي كانت دائماً ما تشكّل هاجسًا يؤرق الفيصل، ويستشهد الجميع على مواقفه الحازمة وآرائه الحاسمة بقوله المأثور: “لسنا دعاة حرب ولكن إذا قرعت طبولها فنحن جاهزون لها”.

وبذل الأمير الفيصل جهودًا كبيرة من أجل إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وذلك بالتوصل إلى اتفاق الطائف عام 1989، علمًا أنه تولى حقيبة الخارجية عام 1975 بعد سبعة أشهر من وفاة والده الملك فيصل.

وبالتزامن مع توجهه لإنهاء الحرب اللبنانية، قاد أمير الدبلوماسية السياسة الخارجية للمملكة إبان الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) ومع الغزو العراقي للكويت في 1990 وخلال حرب الخليج التي تبعته (1991) وصولاً إلى تحرير الكويت من قبل تحالف دولي قادته الولايات المتحدة انطلاقاً من المملكة.

وأصيب الفيصل بصدمة كبيرة إثر الاجتياح العراقي للكويت، كانت سببًا في تدهور حالته الصحية لاحقاً بسبب التحركات والضغوط النفسية التي عاشها في تلك الفترة، لاسيما لقيام دولة عربية باحتلال دولة عربية أخرى، وإحداث شرخ في العالم العربي، حيث قال حينها إن “لدى العرب دولة عربية محتلة هي فلسطين، ونطالب العالم بحقنا في وقف الاحتلال في حين أن دولة عربية تحتل دولة أخرى”.

وبدا حزم الفيصل أكثر وضوحًا إبان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث رفضت المملكة السماح للأمريكيين باستخدام أراضيها، ولم يتوانَ أمير الدبلوماسية حينها عن توجيه الانتقادات العلنية لسياسة إدارة الرئيس السابق جورج بوش في المنطقة، خصوصًا مع الاقتتال الطائفي في العراق في أعقاب الاجتياح الأمريكي.

القضية الفلسطينية

ونالت فلسطين، نصيب الأسد من اهتمام الفيصل الذي تعامل معها بشكل مختلف فكانت من أولويات نشاطاته، واعتبر أن هذه القضية تحتاج إلى التحرك بشأنها ليس بالدبلوماسية فقط، وإنما باستخدام الطرق المتاحة كافة التي تمكن من الوصول إلى الهدف، وتوصيل القضية إلى المجتمع الدولي، وفرض العدالة عليه.

وتبنى عميد الدبلوماسيين التوجه إلى الجوانب القانونية، قائلا: “لو أن العرب والمسلمين اجتمعوا كدول والتزموا بالقضية الفلسطينية عمليًا في أدائهم وعملهم ومواجهة إسرائيل بالطرق السلمية، لكسبوها”.

وتطبيقًا لرؤيته في الصراع العربي الإسرائيلي، ساهم الأمير في إعادة إطلاق مبادرة السلام العربية عام 2007 بعد خمسة أعوام على إطلاقها في القمة العربية في بيروت؛ وكان –رحمه الله- يميل إلى سياسة الحذر إزاء إسرائيل فهو يعتبر أن أي علاقة معها يجب أن تكون مرتبطة بحل النزاعات بين الدولة العبرية وبين الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، وذلك على أساس انسحاب كامل من الأراضي من المحتلة.

التدخلات الإيرانية

وجد سعود الفيصل، نفسه في موقع مواجهة محتدمة مع إيران في الوقت الذي كانت فيه تفاوض الولايات المتحدة على ملفها النووي، على حساب توسيع نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وحتى يومنا هذا، لايزال الكثير من الدبلوماسيين والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي يستشهدون بمواقف الأمير الفيصل الحازمة والجريئة التي تدل على قوة المملكة العربية وعدم تهاونها مع التدخلات والأطماع الإيرانية في المنطقة العربية.

وأبرز تلك التصريحات، قول الفيصل: “إذا لم يتم إنهاء الانقلاب الحوثي سلميًّا سنتخذ الإجراءات اللازمة لحماية المنطقة” في إشارة إلى التحالف العربي الذي تقوده المملكة لردع المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وأثمر حتى الآن عن استعادة معظم المناطق اليمنية التي سيطر عليها الانقلاب.

وأضاف الفيصل: “طهران تمارس سياسات عدائية وتتدخل في دول المنطقة وامتلاكها السلاح النووي يهدد أمن المنطقة والعالم”، موضحاً أن من غير الممكن منح إيران صفقات لا تستحقها.

وكثيراً ما انتقد الفيصل سياسة الولايات المتحدة في العراق، وقال أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك أنها: “تُعمّق الانقسامات الطائفية إلى حد أنها تسلم البلاد فعليًا لإيران، إنكم تتحدثون الآن عن السُّنة كما لو كانوا كيانًا منفصلًا عن الشيعة، الإيرانيون يذهبون إلى المناطق التي تؤمّنها القوات الأمريكية (المحتلة) ويسلحون المليشيات التي هناك وهم يحتمون أثناء قيامهم بكل هذا بالقوات البريطانية والأمريكية”.