حضور “المخطوطات المهاجرة” ينتقد حسرة المتحدثين على تهجير التراث العربي

الأحد ١٤ أغسطس ٢٠١٦ الساعة ١١:١٥ مساءً
حضور “المخطوطات المهاجرة” ينتقد حسرة المتحدثين على تهجير التراث العربي

المواطن – مكة المكرمة

مباركي: 3 ملايين مخطوطة هُجرت
العمران: التهجير نوعان: تغييبية وتبعيضية
شمس الحق: 150 ألف مخطوط في الهند
البقاعي: المخطوطات ممكن أن تُهجَر في مكانها

شهدت ندوة “المخطوطات المهاجرة”، ضمن فعاليات الدورة العاشرة لسوق عكاظ، مساء أمس (السبت)، تباينًا في الآراء بين المتحدثين والحضور، ففيما عبّر المشاركون عن أسى وحسرة على تهجير التراث العربي في مختلف الفنون والتصنيفات؛ عارض ذلك بعض الحضور الذين قالوا: إن التهجير حفظ التراث العربي وحماه من الاندثار، وتمنّوا أن يكون جُلّ التراث العربي محفوظًا لدى الغرب.
وختم الدكتور محمد البقاعي، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، الحديث عن الموضوع في الندوة، والذي كان يحاول أن يتماسك، لكي لا تُذرف دموعه، بقوله: كيف لأب أن يرضى أن يأخذ الغرب ابنه ليتربى عندهم، وسط تصفيق الحضور لذلك التوصيف، حيث كانت الندوة من أكثر الندوات تفاعلًا في الدورة الثقافية الحالية لسوق عكاظ، وقد تجاوزت الوقت المخصص لها بأكثر من نصف ساعة.
واتفق المشاركون في ندوة المخطوطات المهاجرة، أن مسمى “المخطوطات المُهجرة” أفضل من مصطلح المهاجرة، فهناك من يقوم بهذا العمل وليست المخطوطات ذاتها، وأكدوا على فقد الكثير من تراثنا، بسبب اختفاء عدد كبير من المخطوطات العربية التي وصلت في بعض الإحصائيات إلى ثلاثة ملايين مخطوطة، ولم يقتنعوا بأن هجرتها كانت سببًا في حفظها بحكم حالة الجهل التي مرّت بالمنطقة في فترة من الفترات، وكانت ستضيع حتى لو بقيت هنا.
وأكد الدكتور محمد مباركي، في ورقته: وقفات مع رحلة المخطوط بأن التراث العربي المخطوط أنفس تراث على مستوى العالم، وهو جزء من الذاكرة العربية، موضحًا أن أنظار الغرب بدأت تتجه إلى كنوز المشرق وتراثه في أعقاب الحروب الصليبية، ولذلك خططوا لدراسة تلك البلاد، وكل ما يتعلق بها، وقد اتجه الغربيون عامة، والفرنسيون خاصةً إلى جمع عدد من المخطوطات، وأضاف أن المتأمل في رحلة المخطوط العربي يلحظ أن هنالك عوامل كانت  وراء رحلته خارج وطنه.
وقال مباركي: “وجد من المستشرقين مَن عرفوا قيمة هذه المخطوطات، فنقلوا الآلاف منها إلى مكتباتهم، وكان ذلك عن طريق التجار والرحالة والمستشرقين”.
واستطرد في ذكر بعض المواقف عن فقد بعض المخطوطات العربية، وأرجع مباركي إهمال بعض المشرفين على بعض الكتب إلى فقدان الكثير منها، وتسريب جزء منها خارج الوطن العربي، وأضاف أن المخطوطات العربية المهجرة تُقدّر بنحو بثلاثة ملايين مخطوط. وأضاف أنه من الصعوبة متابعة كل المخطوطات التي هاجرت أو هُجِّرت  والحيز الذي تشغله في مكتبات العالم، وتحدّث عن المخطوطات العربية الموجودة في تركيا، وقال إن مدينة اسطنبول وحدها يوجد بها أكثر من 70 مكتبة، تحفل بالمخطوطات العربية، بالإضافة إلى مدن أخرى؛ منها أنقرة.
وقال إنه بالرغم من الإحصاءات عن المخطوطات التي هاجرت إلى تركيا، إلا أنه يصعب حصرها لعدم وجود فهارس، وأضاف إنها تنوعت هجرة المخطوطات إلى داخلية ومخطوطات خارجية، وتنوعت بين مختلف الفنون وفي سائر العلوم النظرية والتطبيقية، وفي تعليق له على مداخلة د. علي الرباعي: عن كون التهجير كان انتقائيًا أم بشكل عام، أكد أن التهجير كان بشكل عام، ولم يكن انتقائيًا بدليل أنهم أخذوا مكتبات بكاملها.
وفي ورقة الدكتور علي العمران، والتي تحدثت عن مخطوطات علم من أعلام الأمة، وصاحب تصانيف متنوعة فريدة ونفيسة، وهو ابن قيم الجوزية، استعرض ما تعرّضت له مخطوطاته من التهجير، وخاصةً في أوروبا، موضحًا أن مسألة التهجير ليست تراثية فقط، وإنما تتعلق بالحضارة.
وقدّم بعض الإحصائيات، موضحًا أن هناك 190 مخطوطًا مهجرًا لابن قيم الجوزية في مكتبات العالم، وهناك مخطوطات ليس منها نسخ إلا في تلك المكتبات.
أما أسباب التهجير؛ فهي كثيرة، ولكن يأتي في مقدمتها أن هناك أناسًا يحرصون على جمع هذا التراث، وأبان أن هناك كثيرًا من مخطوطات ابن القيم في الهند.
ووقف عند خارطة الهجرة، وكيف توزّعت كتبه على البلدان، موضحًا أن الكتب المهجرة لابن قيم 30 كتابًا، وعدد النسخ الخطية 190 مخطوطًا في 14 بلدًا على النحو التالي:
خمسة بلدان في آسيا، تسعة بلدان في أوروبا وأمريكا، ثلاثة منها دينها الرسمي الإسلام، وأوضح عدد المخطوطات في بعض البلدان، ومنها: في تركيا 19 مخطوطًا، وفي ألمانيا 13 مخطوطًا، وفي الهند 20 مخطوطًا،  وفي هولندا 10 مخطوطات، وفي إيرلندا 9 مخطوطات، وفي بريطانيا 5 مخطوطات، وفي فرنسا والنمسا مخطوطان.
وأشار إلى أن هناك بلدان فيها نسخ فريدة وهي: أسبانيا والهند وألمانيا، وهناك بلدان فيها نسخ عديدة للكتاب الواحد، وهي: تركيا والهند وألمانيا وأمريكا وهولندا وروسيا وإيران وأفغانستان وبولونيا.
ووقف عمران على أنواع التهجير، والتي قسمها إلى: الهجرة الكاملة أو التغييبية، حيث يضيع الكتاب، فلا نعثر له على أثر ويكون مفقودًا، والهجرة التبعيضية بمعنى، إما أن يكون الكتاب فُقد منه مجلدات، وهذا في كثير من الكتب  أو أن يسقط من الكتاب ملزمتان أو ثلاث.
أما الرمز الثالث في أمسية المخطوطات العالم الهندي محمد شمس الحق، وعنوان ورقته “نوادر المخطوطات العربية في مكتبات الهند”، حيث أكد أنه توجد في الهند مكتبات تحوي نحو 150 ألف مخطوط، وأغلب الفهارس  وضعت بغير اللغة العربية، ولذلك يصعب على الباحثين العرب الاستفادة منها إلا قليلًا، ويمكن تقسيم المخطوطات العربية في الهند إلى: مؤلفات علماء الهند التي ألفوها بالعربية، وهذا لا يعتبر من المهجَّرة، مؤلفات علماء الإسلام خلال 14 قرنًا بسبب الرحلات للبلدان العربية والشراء، ومنها هجرة بعض علماء العرب إلى الهند أو الإهداء، ومنها عن طريق التجار، ولعل الهند تكون ثاني بلد بعد تركيا في حفظ المخطوطات العربية، وعدد هذه المكتبات أكثر من مئة مكتبة، وأورد عددًا من الأمثلة لعدد من المخطوطات الموجودة في الهند.
وكان ختام الأمسية مع الدكتور محمد خير البقاعي، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، وكانت ورقته عن: المخطوطات العربية المهجرة ابن وحشية نموذجًا، صاحب كتاب: شوق المستهام  في حل رموز الأقلام، وقال إن  ابن وحشية ترك لنا عددًا من الكتب التي طافت العالم، واهتم بها العالم، وقال فرق بين أن تهاجر المخطوطة  ونستعيدها، وبيّن أن يتلقفها الذين هجروها ويترجمونها، وتصبح مصدرًا لتطور علم من العلوم، وقال إن في تركيا لوحدها ما يُقدّر بـ500 ألف مخطوط عربي. وقال إن المخطوطات يمكن أن تُهجَّر، وهي في مكانها، مثل مخطوطات فلسطين، ووقف عند بعض كتب ابن وحشية، ووقف عند كتاب السموم والترياق، والذي اهتمت به الجمعية الأمريكية لعلوم العقاقير وترجمته إلى الإنجليزية.