واتس آب المدينة الفاضلة!

الثلاثاء ١٤ فبراير ٢٠١٧ الساعة ١١:٥٧ صباحاً
واتس آب المدينة الفاضلة!

منى العتيبي

يقول الفيلسوف برتراند رسل : نحن في الواقع نملك نوعين من الفضيلة يعيشان جنبًا إلى جنب: نوع ننصح به ولا نمارسه وآخر نمارسه ونادرًا ما ننصح به.

في جولة لحالات الأصدقاء ” الواتسيين”  المضافين عندي بخدمة الواتس آب والذين على مقربة مني في الواقع وخلال تعاملهم معي الذي أبان لي بأنهم بعيدون كل البعد عما يدونونه وعما يضعونه من صور لتعبر عنهم وعن نمط أفكارهم وتوجهاتها التربوية.

الأصدقاء في الواتس آب كلهم متدينون، كلهم إنسانيون، كلهم فاضلون، كلهم أصحاب همة وقمة ويؤثرون على أنفسهم ولو بهم خصاصة! بينما يأتي الواقع المفارقة العجيبة فهم أصحاب نزوات وهفوات، غاضبون، ساخطون، مهملون، يتسلقون أحياناً على أكتاف بعضهم بزور وبهتان، وأنانيون ولا يؤثرون على أنفسهم ولو بهم خصاصة هم في الحقيقة ” ناس” على الأرض يعيشون وليس في السماء!

ما يكتبه الأصدقاء في الواتس آب هو ما يتمنون أن يكونوا عليه وربما هو الغطاء الذي يحجبون به ما لا يرغبون في ظهوره أمامهم قبل الآخرين .. حقيقتهم التي يصارعون أنفسهم من أجل تعديلها أو الصورة الذهنية التي أسقطها المجتمع في أذهانهم ليكونوا عليها. والمجتمع هنا هو سلسلة تبدأ من الوالدين والمدرسة حتى الأصدقاء وأطروحاتهم الفكرية كلها التي صنعت لهم بدورها صورة مثالية لا تمثلهم ولكنها أطرتهم وبالتالي أقصتهم عن حقيقتهم التي من الممكن في حال إن لم ترق لهم أن يعالجوها بمنهج المراجعة والتصحيح دون الحاجة إلى إنكارها وإخفائها تحت أغطية جماعية ووهمية.

وفي الحقيقة تذهب بي هذه الحالات لطرح سؤال عن حقيقة مكونات الهوية الذاتية مع الرغبة .. هذه الرغبة بنوعيها الاختياري وغير الاختياري التي تأتي بمعنى أن تكون خارج الإرادة الذاتية واللاوعي يقوم بممارستها نيابة عن صاحبها بتوجيه من الجماعة وما تركه الأثر والإرث الفكري تجاه ذلك.

فالرغبة تعني ما يرغب فيه الإنسان وما يحبه وما يريده، وتأتي كذلك بمعنى الميل الواعي إلى غاية معينة، فهل الأصدقاء عندما يدونون حالاتهم هم ما يرغبون؟ رغم عدم ترجمة واقعهم لرغبة ما يرغبون؟! أو هم هذه الغايات؟!

أرسطو يذهب إلى أن الرغبة وحدها ليست المسؤولة عن ذلك فالمريض لن يستطيع أن يلبس ثوب العافية لمجرد رغبته بذلك، فالرغبة لمجرد ما نأمل أن نكون عليه ليست هي المحرك الوحيد لنكون ما نكون ما لم يكن هناك موقف جاد وفاعل وواقعي، إن الحديث عن الرغبات ليست هي الهوية الذاتية ولا هي أحد مكنوناتها ولا جزءاً من مكوناتها ومضامينها .. الهوية الذاتية نحن المتجردون من كل رغبة تلبسناها عن طريق ثقافة ما .. تربية ما .. جماعة ما .. وموروث استقبلناه ولم نعمل به.

 

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • د منيره العكاس

    فكر راق. ومعنى جميل سطرته ياانيقة الفكر وصاحبه القلم الواقعي تكتشف الناس من مايسطرون او يكتبون لازم وان يظهر ذلك في طيات كلماتهم. انت مثقفة واعيه منى سعيدة بك فأنت من الشابات الفاعلات المتميزات بحب العمل والوطن دمت لمحبيك

  • أ.جوهرة الذبياني

    يعيشون واقع ويأبى ضميرهم هذا الواقع فيدب به نبض خافت يحاول جاهدا اقناعهم بإرتداء الفضيلة فيهربون إلى مواقع التواصل الاجتماعي حيث التخفي عن الواقع…دمتي يارائعة..