أُشفقُ على (المواطن)

الأربعاء ٣ أبريل ٢٠١٣ الساعة ٥:١٢ صباحاً
أُشفقُ على (المواطن)

عندما أبلغني الأستاذ محمد بن حسن الشهري رئيس التحرير عزمه إصدار صحيفة إلكترونية جديدة أشفقتُ عليه و على طاقمها من غمار صحافةٍ أضحى غُبارها أكثر من فَيْئِها و علا ضجيجُها تَعقُّلَها، إنْ بقيَ له أثر.
و ما انْ أفصح بإسمها (المواطن) حتى زدتُ إشفاقاً . مسؤوليةٌ، و همٌّ، و تَخذيلٌ، و تضييعٌ، و ضياعٌ. كلُّها و غيرها جوانبُ يُعايشُها سعوديُّ محسودٌ على كنوزِ أرضه و شمسِ سمائه، و ما ذاقَ عُسيْلةَ ما حسدوه عليه.
فلما حدد سياستَها، أنها نقلُ كلِ هموم المواطن بأمانةٍ و إحترافٍ إلى المسؤولين . لم أَعد مشفقاً عليه، فسيجد سيلاً لا ينضبُ و بحراً لا ساحل له من القضايا و الشؤون لو أصدر له صحيفةً كل ساعةٍ، لا كلَ يومٍ، لَما وَسِعتْ جوانبه.
إنتقلتْ شفقتي منه إلى آخرين.
نعم..إنتقلتْ إلى أولئك المسؤولين الذين، طال الزمانُ أو قصر، سيلْقوْن رباً حسيباً رقيباً عدلاً حكَماً مُحصياً فإذا حقوقٌ أكثر من الذّرِ و أماناتٌ أعظم من الجبال و مُطالباتٌ يَجهلون أصحابها. فيأمر الباري أن يوفوا اصحاب الحقوق ما ضيعوه في دنياهم. و مِنْ أين الوفاءُ وقتها إلّا أخذاً من حسناتهم أو تحميلاً لهم سيئاتِ مُطالبيهِم.
أُشفق على أولئك المسؤولين، و ما أكثرهم، لأن صحيفةَ (المواطن) إنما تزيد في “إقامةِ الحُجّةِ عليهم” أمام الله ثم الناس.
أما تَكييفُ ذلك فواضحٌ بَيّنٌ.
نعم..سعِدتْ هذه الحقبةُ بفتحِ أبوابِ حريةِ الكتابةِ و التناولِ بلا قيود . لكنها في المقابل أوصدتْ الآذانَ و أَعشَتْ الأعيُن عن التجاوب السريعِ الفعالِ الصادقِ مع الطروحات الإعلامية السديدة.
إتّخذَتْ حريةَ الكلمة (هدفاً) لا (وسيلةً) . و تلك خطورةٌ توشك أن تقلب السحر على الساحر.
أيامَ (القيود الصحفية) كان نشر خبر تقصيرٍ كفيلاً بزَلْزلةِ الوزارة المعنية لتصحيحه . و اليومَ بنَعيمِ (الحرية) تزخر الصحف، ورقيةً و إلكترونيةً، بفضائح و مآسٍ و فسادٍ و كوارث، فلا تحرك رِمشاً و لا تُسبِلُ جَفْناً لمديرِ فرعٍ و لا مديرِ علاقاتِ الوزراة . لأنهم متفاهمون أن ربَّ البيتِ أو ربَّ الوزارةِ (لا يقرأ)..و إنْ قرأ (لا يستوعب) لضخامة مسؤولياته و تشعبِها..و إنْ إستوعبَ كلّفَ أحد (بطانته) الأوفياء بالتصرف..و هذا الوفيُّ، لرئيسه لا لوطنه أو أمانته، تَهديهِ حكمتُه أن يَقْصُر تصرفه على الرد على الصحيفة دون معالجة القضية جذرياً.
هذه هي الحقيقة مهما أخفاها (المساعدون) عن (أصحاب القرار) . لم يعد وزنٌ لما يُكتبُ صحفياً لدى أجهزة الدولة . تَراختْ..هَوَتْ..ثم نامتْ عن التجاوبِ الأمينِ السريعِ مع تناولاتِها . عكس حالنا أيامَ (القيود الصحفية) . لذا خشيتُ إنقلاب السحر على الساحر.
ميزةُ حقبةِ (القيود) أن محتوى الصحافة كان “مُطمئناً” للشعب، مزعجاً للحكومة عند نشر أي قصور . و فداحةُ حقبةِ (التحرُّر) أن محتوى الصحافة أصبح “مُحرضاً” للشعب بكثرةِ مآسي التقصير و وضوحِ عدمِ تجاوبِ الأجهزةِ لإصلاحها.
فأيَّ الخيْريْن أو الشريْن نختار.؟.قيوداً إعلاميةً مع سرعةِ إصلاحٍ.؟.أم حريةً إعلاميةً مع تجاهلِ محتواها.؟.
تُرى أَأُشفقُ بعد هذا على (المواطن) الصحيفة.؟.أم (المواطن) السعودي.؟.أم (المواطن) المسؤول الذي تتحمل ذِمّتُه كلَّ ذلك و أكثر.؟.

 محمد معروف الشيباني

  Twitter:@mmshibani

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني