مُحاكمةُ (الجنادرية)

الأحد ٢١ أبريل ٢٠١٣ الساعة ١٠:٣٩ صباحاً
مُحاكمةُ (الجنادرية)
بعد أن وضعت (الجنادرية) أوزارها فلا شك أن ذويها و محبيها و ناقديها يُقيّمونها بمعايير المكاسب و الخسائر و ما صاحبها من مخاضٍ و بياناتٍ و تأويلات تَحفزُنا أن نتساءل : (مَن الكاسب) و (مَن الخاسر).؟.و (ماذا كسب) و (ماذا خسر).؟.و (ما الثمن) الذي دفعه (الكاسب) ليكسب ، أو خسره (الخاسر).؟.
أسئلةٌ بأهمية الوطن لفعاليةٍ بحجم الوطن . فلْنرصد هنا بعضَ، لا كلَّ، ذلك إسترشاداً لمستقبلها و إستشرافاً لنجاحاتٍ يتوخّاها الجميع :
مكاسب :
———-
      ١ – تظل فكرة المهرجان وطنيةً رياديةً، للتراث و الأدبِ و الأصالةِ و تجذيرِ الإنتماء . و هي مجموعة رسائل سامية، لا أرى فعاليةً أخرى خَدمَتْها مجتمعةً كما (الجنادرية) .
      ٢ – تتفرع من ذلك فعالياتٌ حدثيّةٌ فرعيةٌ موفقةٌ تُفيد ثقافةً و حواراً .
      ٣ – يعمّق الإصرار على إنتظامها كل عام مفهومَ الحرصِ على الأصالة و ربط الجيل الجديد بتراث آبائه و إنتمائه . و هو دور إثْرائيٌ جوهري لا جدال أنه في سلّمِ أولويات أصحاب القرار .
خسائر:
———
      ١ – شُوِّه مهرجانُ الأعوام الأخيرة بدخائل غيرِ مبرمجةٍ أوْحتْ كما لو أن يداً خفيّةً تحرص على تشويهه و القائمينَ عليه في وجدانِ الأغلبية الساحقة من المواطنين ، فَتتصادم سنوياً مع قناعاتهم .
      ٢ – و لو إستشهدنا بآخر واقعةٍ في ركن دولة الإمارات لَأيْقَنّا كيف لحادثةٍ عابرةٍ أن تتحول إلى (رصاصةٍ طائشة) أحالتْ الفرح إلى حزن، و الإنتماء إلى تخوين، و المصداقية إلى تجريم. فمن طبائع الأمور أن الناس يستهويها (الغث) أكثر من النافع ، و تُطربُها الفضائح أكثر من النصائح . لذا طغى فَوَرانُ (الطيش) على عشرات الفعاليات النافعة الثريّة .
      ٣ – كان تَعاطي (إعلام) المهرجان مرتبكاً متناقضاً ، مع أن هذا النوع من المواجهة تكرر الأعوامَ الماضية و لم يعد جديداً ، فكان ينبغي (الإستعداد) لمواجهته سلفاً .
لقد رسَّخ التعاطي الإعلامي الصادرِ عن المهرجان ما يسعى ناقدوه لترسيخه و هو أن هناك (صَوْلاتٍ)، حتى لا أقول (عداوةً)، بين المهرجان و (إنكارِ المنكر) ليس فقط مع المحتسبين بل حتى مع (القوةِ الناعمةِ) لهيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر . فحتى هذه ، في عرفهم لم تَزْدرِد – أي تَستطع إبتلاع – المنكرِ الذي حصل .
      ٤ – إستُخدمت تبريراتٌ ساذجةٌ تُجرِّمُ و لا تُبرِّئ . فالنّفيُ الرسمي الأوَّليُّ لعِلم منظمي المهرجان بوجود المطربة الإماراتية و إقتحامِها البرنامج جعلنا بين خياريْن أحلاهما مُرٌّ . فتَصديقه يعني التشكيكَ في جدارةِ كيانٍ عسكريٍ لا يُقبلُ منه خطأٌ يتسلل منه أي متسلل . و تكذيبُه يجلبُ التكذيب .
ثم تلاه المتحدث الرسمي ببيانٍ كان في غِنى عنه لأنه لم يَحظَ برضى مُحبّيهِ أو ناقِديه .
و بين هذا و ذاك كان إختيار عبارة “ان الحرس لن يسمح بالإختلاط غير الشرعي” غير ذي دلالةٍ مُنصفة . و في اللغة مصطلحاتٌ أكثر ملاءمةً للتعبير عن المقصود . فالإختلاط الذي إنتقده الناس لم يكن العرفَ العامَ في الأسوقِ حيث لا رقص و لا غناء . لذا فُسّر بأنه إما غير مطابق للمقصود أو هروبٌ من قائله عن المقصود لِيَقينِه بعدم ملاءمته . و كلاهما مُشكل .
      ٥ – تراوحتْ مواقفُ العلماء بين (مُنكرٍ جاهرٍ) و (صامتٍ) إكتفى بأضعفِ درجاتِ الإيمان في الإنكار، لكنه مُنكر. و لم يتكلم عالمٌ أو طالبُ علمٍ واحد مُنزِّهاً الحدثَ عن الخلل و الخطأ . و في هذا عبرةٌ جوهريةٌ جعلتْ المدافعين بلا غطاءٍ سوى إجتهاداتهم الإعلامية التي تُحسبُ عليهم لا لهم .
حقائق عامة :
————–
      إيجابيات ( الجنادرية) أكثر من الحصر ، و سلبياتُها أقلُّ من الذِكر . و لولا تلك (الرصاصات الطائشةِ) لَما كان أجزلَ منها و لا أوفى عطاءً و ثَراءً .
      لكن في هذا الخِضَمِّ المتلاطِمِ من إجتهاداتِ الفُرقاء يَحسُنُ أن نُذكِّرهم بالحقائق التالية ليَحسبوا حساباتها مستقبلاً :
      ١ – وطنُنا في حقبةٍ تَكالبَ فيها الأعداءُ خارجياً و داخلياً أكثر من أي عهدٍ مضى .. فاحتَرِسوا .
      ٢ – نحن في وقتٍ يستوجب مُهادنةَ الناس و إرضاءهم ، لا مُشاحنتَهُم و إصطدامَهُم ، فلكلِ وقتٍ إستراتيجيتُه . و الحكمةُ هي وضع الشيءِ في موضعِه وقتاً و فِعلاً . و يَحسُنُ في زمانِ ما لا يَحسُنُ في سواه .. فإستَشْعِروا .
      ٣ – في زمنٍ عزَّ فيه الناصحون ، إما لضعفِ بصائرهم أو لطمعِ إنتفاعِهم أو لِهوى مَآربِهم ، لا نتمنى أن يدفع الوطن ضريبةَ ذلك .. فإستَرشِدوا .
      ٤ – تظل للمؤسسة الشرعية العلمية ، سواء بوظائف حكومية أو بدونها ، مصداقيتُها لدى الأغلبية الساحقة . فلا ينبغي التفريط فيها و هي طَوْعكُم اليوم ، لِئلّا تحتاجوها غداً بحالٍ آخر .. فإحتَسِبوا .
      ٥ – بِتَراجُعِ تأثير الصحافة التقليدية تقدم الإعلام الجديد فأصبح صانعاً لكثير من التوجُّهات ، بصوابها و أخطائها .. فتَنبَّهوا .
      ٦ – عمّقتْ واقعةُ هذا العام و ملابساتُها تعلّقَ الأغلبية الساحقة بشعيرةِ الإحتساب و (هيئةِ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر) . و لم أستطع أن أصنّف هذا العنصر في كفّةِ (مكاسبِ) أو (خسائرِ) الجنادرية . فهي الأُولى عند بعضِهم و الثانيةُ عند سواهم .. فَصنِّفوها .
      ٧ – ليت هذا اللون من فعاليات (الجنادرية) ، الذي جلَبَ لها الإنتقاص و التشكيك ، يوكلُ، إنْ كان لا بد منه، إلى جهةٍ غيرِها فتخوضَ فيه كما تشاء ، ليبقى حرسُنا الوطني، في وجداننا، كما أُسِّس شُموخاً و إباءً و كرامةً.
 و الله الموفق و الهادي ،،،
                     محمد معروف الشيباني
                      Twitter:@mmshibani

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • مهندس صالح الشبعان

    أهنئك أستاذ محمد على هذا الطرح الرائع نحن بحاجة لأن نتعلم و نتدرب على التوازن بين طرفي النقيض و كلاهما مذموم حتى و إن كادفعه الحرص و النصيحة
    دمت مبدعا