{ العلماء يعتريهم ضعف الإنسان }

السبت ٧ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ٨:٥٣ مساءً
{ العلماء يعتريهم ضعف الإنسان }

العلماء ورثة الأنبياء ، ورثوا منهم العلم والأخلاق ، ومما لا جدال فيه أن العلماء غير معصومين فهم قد يضعفون ، وقد يغفلون ، وقد يحال بينهم وبين الفهم ، أو تغيب عنهم المعلومة ، وقد تنقصهم الخبرة .

وهذا مما قد يلتبس على الذين يأخذون منهم العلم فلا يفرقون بين رأي العلماء وبين الشريعة ؛ لأن العلم الذي ورثوه لا شك قد اختلط بفهمهم ، ورأيهم ، وربما أثر عليه حفظهم وورعهم ، بل مما يؤثر على علم العالم ثقافته واطلاعه ، وجلساؤه .

وشخصية العالم من حيث الحدة واللين وسرعة الغضب أو الحلم . فنشأة العالم لها أثرها في فهمه واختياره ، ولها أثرها في نظرته للنص وفهمه له ، وبالتالي كيف يستنبط الحكم منه .

بل إن الهوى مما قد يؤثر على العالم ، فليس هو بمعصوم من ذلك مهما بلغ علمه ومكانته وقدره . قال شيخ الإسلام رحمه الله : إن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، إلى يوم القيامة ، أهل البيت وغيرهم ، قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونا بالظن ، ونوع من الهوى الخفي ، فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه ، وإن كان من أولياء الله الصاحين . اهـ .

فالعالم سواء كان فقيها أو غير فقيه فهو بشر قد ينزع إلى هواه ، وقد يغلبه هواه ، وحينها قد يعمد إلى أن يلبس فتواه أو موقفه أو رأيه لباس الفقه والعلم ، ربما وهو لا يشعر . وقد يكون على بينة من ذلك .

وقد ذكر الذهبي الإمام المعروف عن أحد القضاة شيئا ثم قال : والله يسامحه المسكين ، وكان محسنا إلي فلعلي حابيته ، رحمه الله . فهذا إقرار من الذهبي بضعف مقاومته للإحسان حتى حاباه فلم يذكر مثالبه .

بل قال ما ينبغي الوقوف عنده كثيرا في ترجمته لهولاكو وقد أثنى عليه أحدهم : وهل يسع مؤرخا في وسط بلد سلطان عادل أو ظالم أو كافر إلا أن يثني عليه ويكذب !

وهذا أيضا مما قد يؤثر على العالم ، وهو خوفه من السلطان ، أو رغبته فيما عنده ، أو مجاملته له ، وقد يخشى العالم المجتمع ، ويخاف من سقوط هيبته أو يسعى لنيل مكانة فيه ، فيؤثر كل ذلك على قوله واختياره .

وقد يظن أكثر الناس أن الهوى والرغبة لا تكون إلا في التيسير والترخص ، فيظنون أن المتشدد بعُد عن هواه ، أو أغلق باب الرغبات عنده ، وهو ما قد لا يصح ، إذ قد يكون التشديد بابا للعلو ورفعة المنزلة ، كما قد يكون الزهد وسيلة للمراءاة والشهرة !

وقد يظن بعضهم أن عزوف بعض العلماء عن الإعلام والتصدر نابع عن زهد وتقى ، وهذا صحيح لكنه ليس حتما ، بل قد يعزف عن ذلك كله لعدم القدرة ، وقد يكون رغبة في الراحة ، وقد يكون هناك أسبابا أخرى ليس منها الزهد والتقوى .

هذه بعض المؤثرات التي قد تجبر العالم أو الفقيه على رأي أو اختيار ما ، ولو هيئت لنفس ذلك العالم أو الفقيه ظروف أخرى ربما غير رأيه ، وقد يفهم النص بطريقة أخرى .

ولا أخال ما قلت سيصعب فهمه على من تحرر من عقدة التقديس ، ووطن نفسه على التقدير للعالم لا تقديسه ، واحترامه دون الانقياد له بلا ترو ولا عقل وتفكير .

ولو تأمل الناس هذه المؤثرات وغيرها لأسفرت لهم عن أريحية في عذر العالم ، وفي قبول قوله وتفهّم موقفه ، وكذا في العمل به أو لا .

ويظهر هذا جليا إذا تأملت قول الخليفة المنصور لمالك الإمام وهو يدعوه ليؤلف موطأه ، كما ذكرها ابن خلدون في تاريخه ، والقاضي عياض في مداركه ، وشاهدها أنه قال له : يا أبا عبدالله ، ضمّ هذا العلم ، ودوّن كتبا ، وجنّب فيها شدائد ابن عمر ، ورخص ابن عباس ، وشواذ ابن مسعود . اهـ .

وهذا شيء أقره عليه العلماء ، مع أنه كان أحد العلماء ، بل لقد قال لمالك : إنه لم يبق على وجه الأرض أعلم مني ومنك .

ولكي ندرك هذا القول ونعرف أسراره فإنه لا بد من التعرف على شخصية كل منهم ، رضي الله عنهم ، وما هي المؤثرات التي جعلت كل واحد منهم يجنح إلى ما جنح إليه ، مع صحبتهم وفضلهم وعلو كعبهم .

ومما لا شك فيه أن اختيارات كل منهم وآراءه وفتاواه قد أثر فيها شيء من المؤثرات التي ذكرنا ، أو غيرها ، وأهم ذلك شخصية كل واحد منهم وطبيعته .

والممخضة من ذلك كله أن نفرق بين النص وفهمه ، وبين النص وفقهه ، وبين النص كوحي وبين شرحه كاجتهاد . وأن العلماء وإن ورث كل عالم شيئا من علم النبوة ، قل أو كثر ، فإنه لم يرث العصمة ، فعليه نرجع إلى قول مالك رحمه الله تعالى : كل يؤخذ من قوله ويرد عليه ، إلا صاحب القبر . يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وفي ظني لو فهمنا هذه المسألة حق الفهم لزال كثير مما علق في الأنفس على العالم أو أتباعه . ولتلمسنا لهم العذر في بعض مواقفهم ، والله ولي التوفيق .

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • ابودنينة

    يعني الزبدة من كلامك يا شيخ عادل
    اعبد ربك وصل واستغفر ( وعش في الدنيا بحلوها ومرها ) وخير الخطائون التوابون
    الخلاصة
    كلنا نقول ونعمل ونخفي ما في قلوبنا
    وفي النهاية ( الدين المعاملة )
    الدين سهل وبسيط
    شهادة ان لا اله الا الله وان محمدآ رسول الله
    اقامة الصلاة
    ايتاء الزكاة
    صوم رمضان
    حج البيت لمن استطاع الية سبيلى
    هذهي اساسيات
    ينتج من فعلها بأخلاص
    قاعدة للحياة الدنيا طمعآ في الاخرة بعد رحمة الله سبحانة وتعالى
    ( الدين المعاملة ) ( حب لأخيك ما تحب لنفسك )

  • محمد

    تصحيح ( الدين النصيحه وليس معامله ) جزاك الله خير

  • naser

    العلماء هم علماء الكيمياء والفيزياء والذرة والنانو والفضاء من المسلمين والمسلمات الذين ينفعون امتهم ويرتقون بها بين الامم في وقت هي احوج ماتكون اليهم
    الاخرون لهم كل التقدير والحب لكنهم شرعيون رائعون يؤخذ منهم ويرد وديننا ولله الحمد ليس به كهنوتية او تمجيد لمخلوق

  • مبارك الدوسري

    جزاك الله خير…

  • طاير

    انقل معلومتك من غير ايذاء الناس وابتكر اسلوبك
    فلست عمر لتخرج على كل من اردة بالدره

  • سالم

    شكرا لك من أعماق قلبي شيخنا الفاضل أبا عبدالإله

  • غير معروف

    للله يوفقك يا شيخنا الحقيقه انا من التابعين لك

  • ابو راكان

    كلام في متتهى الاهمية وهذا مايفسر اختلاف العلماء حول القضايا السياسية خاصة.والتي تمس المجتمع كذلك.لان لكل عالم محفزات ومهددات حول هذا الموضوع.ونادرا جدا مانجد في هذا العصر العالم الرباني الذي لايختلف عليه اثنان.بارك الله فيك شبخنا الفاضل