من حكايات العالم الثالث… حكاية!

الإثنين ١٦ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ٩:٢٨ صباحاً
من حكايات العالم الثالث… حكاية!

قال لأبيه: هيا بنا يا أبي إلى هناك، حيث يزور المسؤول جمعية خيرية من جمعيات مدينتهم، وهناك كانت الحكاية التي بدأت بجمع التبرعات (للجمعية) وكان كل واحد منهم يتبرع بالمبلغ الذي يقدر عليه، وهناك أيضاً كان الموقف الذي بلّله وجفّفه وهو يفتش في كل جيوب أبيه الخاوية إلا من (20) ريالاً، وقتها فرح جداً ووقف شامخاً يرقب ما يجري، ليأتي المسؤول الضخم ويقدم 20 مليوناً من حسابه الخاص منه للجمعية، بينما هو لم يستطع؛ لأن والده لا يريد أن يتبرع لولا إصراره الذي حرضه على اختطاف الـ (20) ريالاً من جيبه ليغادر أبيه تجاه الجمع وقبل السلام قال لهم هذه (العشرون ريالاً) هي تبرّع من أبي فلان بن فلان لجمعيتكم الموقّرة، فأخذوها من يده بحبّ وقبّلوه، ليعود وفي ذهنه بعض أسئلة في مقدمتها الـ(20) ريالاً التي دفعها للجمعية وهو في أمسّ الحاجة لها، والسؤال الثاني ثراء غيره الذين يتساوون معه في الصفات والأسماء والهوية الوطنية، ولا فرق بينه وبينهم سوى مكانتهم ومسؤوليتهم، بينما (هم) (أغنياء) وهو (الفقير)، وكيف حصلوا هم على تلك الأموال؟! هو سؤال آخر لحكايته الكبيرة الصغيرة هو وأبيه وأمه وأخيه الذين يستدينون قبل منتصف الشهر بشهر ويحلمون بقطعة خبز جافة، والمثير أيضاً هو أنه يرى غيره يتبرع بملايين الريالات ويغادر وكأنّ شيئاً لم يكن، بينما هو يبكي حزناً على نفسه و”عشرينته” التي ذهبت من يده الفارغة لغيره، وحاجته لها أكبر وأعظم من قيمتها، لكنه فرح واطمئن حين سمع “وما عند الله خير وأبقى”، وبالرغم من ذلك بقي الطفل في حالة ذهول أفقدته حواسه وبراءته!!!

القضية هنا عادية جداً وخاصة في عالمنا الثالث المنصوب وفاعله المرفوع ومفعوله المغلوب على أمره بالفتحة الظاهرة على آخره -هذا إن ظهرت- وإلا كان الغياب قدرها الذي يشبه الفقر في بلد الثراء والكسر في عالم الغلاء والجبر في امتحان الهجاء والصمت والصبر على مطر الشتاء والسكوت في حضور الخوف والغباء في لقاء البغاء في كل أنحاء عالمنا الثالث الكبير!!

هذا العالم الغريب وحكاياته الصفراء وحقائقه الغبراء وكل ما فيه باب وقوس وحذاء، هذا يأخذ من هذا والآخر يموت قبل الموت بكثير لنعود للتبرع السخي من الطفل المعدم وهديته للقيم، فيا له من طفل جميل ضيّع “عشرينته” وبكى على فراقها وما أظنها (ذهبت) ليحمل فوق ظهره آية لتعب الناس الذين بات يمضي بهم التعب تجاه الأسى ويكتبهم أشقياء للأبد، ويصر على إدراجهم في قوائم مزدحمة بالأسماء، تلك القوائم التي ضلت الطريق وغرقت قبل أن تصل لوجهتها!! والناس ينتظرون أملاً يخلصهم من واقعهم المرّ، ويتمنون أن يمنحهم الحظ فرصة أجمل وهي قضيتهم التي بدأت في حكاية وانتهت في حياة النفوس الغارقة في الأنانية التي أخلصت جداً لذاتها وغيبت الحقيقة؛ لتقدم للآخر المعلومة الكاذبة في قولها عن أنّ الجميع بخير، وأن الكل يسبّح بحمد الله ليل نهار ويشكر الله كثيراً، ومن ثم كل القائمين على أموره التي تسير إلى…….. ! !!!

(الخاتـــــــــمة)…. لم يكذب الشاعر العظيم أمل دنقل حين قال:

لا تحلموا بعالم سعيد إن مات يوم قيصر فسوف يأتي قيصر جديد… رحم الله أمل دنقل… وهي خاتمتي ودمتم.

تويتر

@ibrahim_naseeb

[email protected]

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • محمد مظفر

    قصة جميلة مؤثرة واعجبتني هذه الجملة بالذات
    القضية هنا عادية جداً وخاصة في عالمنا الثالث المنصوب وفاعله المرفوع ومفعوله المغلوب على أمره بالفتحة الظاهرة على اخره ان ظهرت اصﻻ

  • سعد العمري

    يبدو أخي الكاتب أنه دب اليأس الى نفسك، حيث عهدتك تنتقد بشكل مباشر لم يكن ينقصة الا الأسماء الصريحة لإولئك الأشخاص المعنيين بموضوع المقال، ويبدو أن ذلك الأسلوب لم يجدي نفعا، فكأني بك في هذه المقالة تتبع أسلوب الرمزية في الأدب الذي عادة يُلجأ اليه في حالة العجز عن الإفصاح عن مكنون النفس لأسباب قد تختلف حسب الزمان والمكان. وأنا هنا لا أنتقد الأسلوب بقدر ما أنتقد الوضع الذي أجبرك الى اللجوء اليه، ولكن دعنا نحن أبناء العالم الثالث نتمسك بأمل من حاصر منزله الجليد من كل مكان، فلا بديل له سوى الإنتظار والأمل في قدوم الربيع(وأعني هنا الربيع بمعناه الحقيقي) الذي يعيد اليه الحياة التي طالما حلم بها…!!!
    تحياتي