التحريض … والعقوبة

الأربعاء ٢٩ يناير ٢٠١٤ الساعة ٢:٣٤ صباحاً
التحريض … والعقوبة

بسم الله. تناولت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ( التويتر والفيس بوك), أشكالاً وأمثلة لتحريض قام بها البعض, وقد اختلفت هذه الأمثلة للتحريض, فكان منها التحريض على القتل, وكان منها التحريض على العنف …الخ, وكأني بسائل هنا يسأل فيقول: حدثتنا عن وجود التحريض ولكن ما المراد بالتحريض؟ الجواب: المقصود بالتحريض هو: الحث على الشئ, وقد يكون الحث على أمر محمود كما ورد في الآية الكريمة:{ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال}, كما قد يكون الحث على أمر مذموم كما ورد في نظام مكافحة الرشوة حيث جاء ما نصه:(يعتبر شريكاً في الجريمة كل من اتفق أو حرض أو ساعد على ارتكابها), وحديثنا هنا عن الحث على أمر مذموم, لأنه هو المعاقب عليه شرعا وقانونا, وقد شاهدنا في الآونة الأخيرة تجاوزا من البعض في تحريض المسلم على قتل أخيه المسلم, وفي تحريض المسلم على الاعتداء على أخيه المسلم, وهذا بلا شك مؤشر خطير يوحي بانهيار المجتمع الإسلامي, ولإدراك هذا الخطر وصل الأمر بفقهاء المالكية إلى القول بأن من يحرِّض شخصاً على قتل المسلم معصوم الدم والمال وكان حاضراً وقت القتل أن حكمه القتل قصاصاً, سواء استخدم المحرِّض أسلوب الإجبار أم لا, واتفقت بعض القوانين مع رؤية الفقه المالكي في وجوب قتل المحرض على القتل دون اشتراط لحضور المحرِّض, وعلى هذا فإن القضاء لا يبالغ في عقوبة المحرِّض حين يحكم عليه بالقتل تعزيراً حين تكون الأدلة والقرائن ثابتة, ويكون في قتله سلامة وطهارة للمجتمع من رجسه.
وأما من يحرض على ما دون القتل كالعنف والإيذاء, فإن الفقه والنظام السعودي يشتركان في اعتبار المحرِّض شريكاً في الجريمة, ويكون حينها معرَّضاً للعقوبة القضائية, وقاعدة المنظم السعودي في هذا هي: أن المحرِّض يعاقب بنفس عقوبة مرتكب الجريمة المحرَّض عليها ومثال ذلك: ما جاء في المادة التاسعة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية ونصها:(يعاقب كل من حرض غيره, أو ساعده, أو اتفق معه على ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام, إذا وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض, أو المساعدة, أو الاتفاق, بما لا يتجاوز الحد الأعلى للعقوبة المقررة لها, ويعاقب بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى للعقوبة المقررة لها إذا لم تقع الجريمة الأصلية.), وتصنف هذه العقوبة في الفقه الإسلامي في باب التعزيرات.
ولو فرضنا أن الجريمة التي حث عليها المحرِّض لم تقع, فهل يعاقب أيضاً؟
الجواب: أن القانون يعاقب على التحريض ولو اقتصر نشاط الفاعل على الشروع فقط, بل ويعاقب على التحريض حتى ولو لم ترتكب أي جريمة نتيجة التحريض, ودليل ذلك ما ذكرته المادة التاسعة السابقة, فالمبدأ الذي يأخذ به النظام السعودي هو عقوبة المحرِّض مطلقاً سواءً أكان تحريضه بالقتل أم بما دونه, وسواءً وقعت الجريمة أم لم تقع, وهذا مما يندرج في باب التعزيرات في الفقه الإسلامي.
أختم حديثي بالقول: بأنه يجب تطهير مجتمعاتنا من الفكر الدموي الدخيل الذي يحرض على القتل والاعتداء تجاه أخواننا المسلمين معصومي الدم والمال, ولنعلم أن المستفيد من انتشار القتل والاعتداء بيننا هم الأعداء فاحذروهم.
وصلوا على النبي المختار

————————–

المستشار القانوني والقاضي بوزارة العدل سابقاً
[email protected]