أريد أن أفهم

الأحد ٢٦ يناير ٢٠١٤ الساعة ٢:٠٢ صباحاً
أريد أن أفهم

بعث الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم في حين كان الناس في ضلال مبين ، فأخرجهم به من الظلمات إلى النور ، فأبصروا بعد العمى ، وأفاقوا بعد الغفلة ، وسادوا بعد الذلة ، وأظهرت تلك الآيات التي تلاها على مسامعهم أقواما شدهوا أبصار العالم بأخلاقهم وعدلهم ورقيهم في المعاملات وفي العبادات ، بألسنة عفيفة ، وقلوب صافية ، وأمانة وصدق .

ثم لا ندري ما أصاب الأمة منذ عتيق التاريخ ، فقد أثخنتها الجراح ، وضربت عليها الذلة والمسكنة ، فقدمت في قصعة تتسابق الأمم لتأخذ منها لقمة تتقوى بها ، وتفرقت أحزابا وشيعا ، وصارت أشد الأمم تخلفا ، وضياعا للأخلاق ، فقد عم الظلم وانتشر الفساد أخلاقيا وإداريا ، وتهاون الأتباع بكل محرم ، رشوة وخيانة وأكلا للمال بالباطل وغشا وخديعة وغيبة ونميمة وحدث ولا حرج .

وللمرء أن يتساءل ، أليس القرآن هو نفسه ذلك الكتاب الذي سمعه عمر فتغير ، وسعد فآمن ، وأبو بكر فكان أسيفا ، أليس هو نفس القرآن الذي شق طريق الهداية للمشركين ، وجمع كلمة الأوس والخزرج ، ورص صف الأمة حتى غدت كالبنيان المرصوص ، وكالجسد الواحد ؟ فأين الخلل ، إذا كانت الآيات نفس الآيات ، والسنة هي السنة ؟

إن المتأمل في حال الأمة وما تملكه من عناصر للرقي والسيادة ، وما تعيشه واقعا من التخلف والذلة يحير ذوي العقول . وربما كان هذا الواقع أحد أهم أسباب انتشار الإلحاد في هذا الزمان ، إنه نوع هروب من واقع يقلق العقل المنصف ، وهو يرى الكافرين ينعمون بالعدل والحرية والوحدة والقوة والرقي والحضارة .

ثم يصدمه واقع المسلمين القابع في ذيل الأمم ، وهم ينسبون كل ذلك إلى أن الدنيا للكافرين بينما الآخرة أعدت للمتقين ، فيريد أن يقتنع لكنه يصدم أيضا بأنهم يزعمون أن الدين جاء لعمارة الدنيا أيضا ، فما بال المسلمين في آخر صفوف الأمم ، وما بال بلادهم أشد البلاد فقرا وأكثرها ظلما ، وأشدها عداوة فيما بينها ، وما بال الدكتاتوريات لا تنبت إلا في أرضها ، ولا ينتشر القتال إلا بين أتباعها .

إن من السهل جدا أن ننسب كل ذلك إلى المؤامرات والحروب التي يشنها الأعداء على الأمة ، لكن السؤال أيضا يرن في أذن المتأمل : فهل خلا زمان من مؤامرات على الأمة ؟ أليست الدعوة في مهدها قد واجهت أعاصير من مؤامرات وحروب مع قلة وذلة ، فما بالها انتصرت ، ولماذا استطاعت أن تعلو فوق كل الأمم ، في بداياتها ؟

إن من الواضح جدا أن هناك عوامل كثيرة ساهمت في تغييب الأمة عن الواقع ، وبالتالي مرضها المزمن وموتها السريري .

ومن أهم تلك الأسباب وأبينها ضعف العالِم ، واستبداد الحاكم ، وجهل العامة ، ولعلها أضلاع مثلث لا يقوم أحدها إلا بالآخر ، فتضافرت جميعا لتسقط الأمة في مكان سحيق من واقع مرير .

فهل من سبيل إلى إصلاح ما فسد ، وبناء ما انهدم ، أم أننا سنظل نفغر أفواهنا عند رؤيتنا للغرب والشرق يرفلان في الحضارة والتقدم ، ونظل نشيد بنظامهم وديمقراطيتهم وعدلهم ، ثم نعود إلى واقعنا لنمارس نفس أفعالنا المتخلفة حتى في نظرنا ؟

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • اباعزيز محمد الدوسري

    أحسن الله اليك ياشيخ. لقد أصبت بمثلثك ولكن كيف السبيل لتقويم أضلاعه في الوقت الذي الكل فيه غير قادر على الاصلاح. ياخوفي أن يأتي الاصلاح من خارج محيطنا!!!

  • على ربها توكلت

    هذه مؤمارات غربيه ايرانيه تريد اﻻيقاع باﻷسلام الصحيح اللسني .. وانتقام من اﻻتحاد السوفيتي لما فعلته امريكا بها ..وذلك عن طريق السيطره على دول كانت امريكا تطمع بها فلم تستطيع الحصول عليها .. بأختصار هصا بلأ من الله لمن لم يشكرو الله ع اللنعم ولم يطبقو الشريعه كما فاللقران واللسنه السمحه والدين االوسط . فحسبي الله على ايران واعوانها ..

  • ام يوسف

    اصبحت كبدالحقيقة

  • تركي نجر

    ارى ان تسمي هذا المقال
    الغمة وانحدار الأمة

  • متابع

    رااائع بارك الله فيك..

  • أبو محمد

    أما توصيف حالة الأمة فهو كما قلت ياشيخ ! ولا جديد ، وهو – كما يقولون – جلد للذات ! نمارس هذه الحالة بيننا وبين ذواتنا كلما تناوشت الأمة الخطوب ! فالأمة – ياشيخ – تعرف داءها ، وعندها الدواء ! ولكنها غربت بعيدا عن الدواء مضمون النتيجة، ومدت يدها إلى أناس مرضى تبحث عن دواء ناجع لعلتها فزادت علتها تفاقما وإن تعجب فاعجب من مريض يذهب إلى مريض مثله ليعالجه!؟
    إن الأمة لما حادت عن شرع ربها ضعفت وأصبحت غثاء كغثاء السيل فتسلط الأعداء عليها حتى من أجبن الخلق اليهود والرافضة ولا علاج للأمة من سقوطها المريع وتخلفها بين الأمم إلا بعودتها إلى ماكان فيه عزها وصدارتها وقوتها وهو تطبيق شرع الله بإخلاص العبودية لله والمتابعة لرسوله والحمدلله فإن القواعد الأساس لهذا الدين معروفة ومحفوظة (القرآن والسنة) فإنه بقدر أخذالأمة بهذين المصدرين بقدر ما يرتفع شأنها ويعلو قدرها وتعود لقيادة البشرية مرة أخرى ليعم الكون عدل الإسلام ونوره وهذا آت إن شاء الله تعالى نقوله تحقيقا لا تأليا
    ويجب على كل مسلم ألا ييأس من الحالة فإن هما وأسفا يقودان إلى إحجام وتقوقع ليسا محمودين وكان الأحق أن واقعا محزنا يحفز ويدفع لبذل أقصى جهد وأبلغه فأما الثمرة فقد تدركها أو لا تدركها لكن كن على ثقة بالله أن ما تقوم به سيثير يوما ما قال صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية)
    ولعل حالة الأمة اليوم إرهاصة وبداية لسلوك الصراط المستقيم الموصل إلى الله وسيبرز من خلال ذلك القائد والعالم يكونان معا فيفتح الله على يديهما لهذه الأمة الوحدة والخير والعزة والنصر وماذلك على بعزيز وقد قال تعالى:( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)
    أسأل الله لنا جميعا الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد
    ملحوظة: لماذا قلت يحير ذوي العقول…

  • ابن ورثان

    سلمت أناملك و نفع الله بعلمك الأمة

  • عمر

    بارك الله فيك

  • ابوالجوري

    هؤلاء ترفعوا فارتفعو
    وهؤلاء تدنأوا فتدنو