بين العَرَض والمَرَض

الأحد ١٦ فبراير ٢٠١٤ الساعة ١٢:١٤ صباحاً
بين العَرَض والمَرَض

تضيع الأوقات في المجالس والمنتديات في الحديث عن هموم المجتمع والأمة والاقتصاد والجهاد والسياسة والفِرق والمذاهب ، وأشياء شتى ، يُجمع المتحدثون خلالها أن هناك مشكلة ما ، لكنهم في الغالب يعجزون عن تحديد هذه المشكلة ، ما هي ؟ ولو ركزوا حديثهم في البحث عن المشكلة ومعرفة كنهها لقلص الوقت المهدر في الحديث إلى أقل من نصفه ، أو ثلثه !

وكثيرا ما تناقش أعراض المشكلة لا المشكلة نفسها ، وهو ما يعني أننا ننظر إلى أعراض المرض ، كارتفاع الحرارة ، والمغص ، أو ضيق التنفس ، ونحاول بالتالي أن نبحث عن علاج لهذا العرض ، وننسى أن نبحث عن المرض الذي سبب هذه الأعراض .

ويبدو لي أن مشكلة الأمة الأصلية أنها لا تدري ما هي مشكلتها ! هي تشعر بأعراض مرضية خطيرة أحيانا ، فتتلقف الدواء من هنا ومن هناك ، لكنه دواء لأعراض المرض ، لا للمرض نفسه .

من أعراض مرض الأمة هذه الذلة التي ضُربت عليها ، حتى باتت تعطي الجزية عن يد وهي صاغرة ! وباتت أمة الكفر فيها تتحكم ، وتقودها وتستولي على مقدراتها وخيراتها ، بل وتصوغ في أحيان كثيرة ، بل غالبة قراراتها وتوجه مسارها .

فما هو هذا المرض الذي أدى إلى ذلة الأمة وصغارها ؟

ومن أعراض مرض الأمة تفرقها وتشتتها ، وتنازعها واقتتال أبنائها ، وشدة بأسهم فيما بينهم ، وتخاذلهم مع أعدائهم ، فما هو المرض الذي ظهرت أعراضه في جسد الأمة فأمات أعصابه حتى يعد يشعر بألم العضو الآخر ، بل يسعى بقوة للنيل منه وقطعه إن استطاع ، لا يتوانى أن يكسره ، أو يجرحه ، ولا يشعر به إذا أصيب ، وربما فرح بمصابه وشمت به !

جسد الأمة اليوم لا يتداعى بحمى ولا بسهر إذا اشتكى منه عضو ، ولا يتعاطف معه ! فهو جسد فاقد الإحساس ، يقتطع في كل عقد تقريبا منه جزء ، ربما بكى على خسرانه لكنه ما يلبث أن يعود إلى لهوه ولعبه ، كأن لم يؤذ ، ولم يصب .

فهل هذا هو المرض ، أو عرض من أعراض المرض ؟

إن كل ما نتحدث فيه من مشكلات الأمة ، ومصائبها على مستوى الأفراد والمجتمعات ليست هي المرض ،بل هي أعراض للمرض ، أو آثار له ، أما مرض الأمة الأساس الذي أدى إلى كل مال ترون وما تسمعون فهو مرض القلوب ، القلوب التي لم تعالج بأكسير الكتاب والسنة ، فاستشرى فيها الحسد والحقد والغفلة والرياء والسمعة ، وحب الشهوات ، وبدأت تظهر أعراض أشد خطورة ، وهي الإلحاد وإنكار السنة ، والتشكيك في المسلمات .

كل الأدوية التي يتناولها المسلمون اليوم مجرد مسكنات لأعراض المرض ، وليست علاجا له ، فأنت ترى جمعا للعلوم وللمعارف تنافس الناس فيها ، فمستقل ومستكثر ، لكنهم عن قلوبهم ساهون ، وعما أصابها غافلون . إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ، ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم .

نظفنا الجسد وتجملنا في الظاهر ، وانطوت القلوب على ردم من الموبقات والمهلكات ، لن يزول ما بنا حتى نطهر هذه القلوب من أدرانها ، ونعالجها من أمراضها ! شفاء أمراض الأمة في كتاب عزيز ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد . قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء .  والله المستعان .

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • ابوفيصل

    بارك الله فيك ابا عبدالإله لقد أسمعت لوناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي
    الغفله بارك الله فيك المرض الذي أصيبت الامه به فانتكست المفاهيم عند البشر.

  • هاجر الغامدي

    حين ابتعدنا عن الدين والمنهج القويم باتباع الكتاب والسنة ظللنا وتلقفتنا المصائب شفانا الله من كل مافيه داء