{ خنق الشعاع }

السبت ٨ فبراير ٢٠١٤ الساعة ١١:٥١ مساءً
{ خنق الشعاع }

تزداد الهجمة على منابع الخير يوما بعد يوم ، وما يزال الباطل يواصل سعيه الحثيث لإطفاء مشاعل النور في القلوب وفي الحياة . ولما كان الله تعالى قد تكفل بحفظ دينه فإنه حفظ مصادره ، وهيأ طرقا تصفي كدر نهره الجاري إذا ابتعدت مياهه عن منبعها ، وكدرتها الشهوات والشبهات .
ومن أهم شرائع حفظ هذا الدين خطبة الجمعة ، التي كان لها أثرها البين في تذكير المسلمين ، ووعظهم ، وتعليمهم ، ومعالجة مشكلاتهم .
وقد عمل أهل الباطل للتضييق على هذه الشعيرة حتى كبلوها بقوانين ، وحاصروها بتهديد ووعيد ، وتقنين ، بحجج كثيرة ، كعدم تسييسها تارة ، وعدم كفاءة الخطباء تارة أخرى ، وغير ذلك .
وقد أصبحت خطبة الجمعة ثقيلة على الكثيرين بأسباب من أهمها ضعف الخطيب ، وقلة خبرته ، أو علميته ، ومن أهمها جنوح بعض الخطباء إلى الوعظ القصصي ، الذي يعتمد على استجياش العواطف ، وتأجيج المشاعر .
فلا أنفي وجود الخلل في الخطب وفي الخطباء ، فشأن ذلك كأي شأن في حياتنا الدينية والدنيوية ، التي تعاني من نقص كوادر ، وتمويل ، ودراسات وتدريب وما إلى ذلك .
لكني أتعجب من بعض الكتاب ، وبعض من يستتر تحت عباءة الإصلاح والوسطية ، ثم لا يجد حلا لقلة تأثير الخطبة وجنوحها ، وعلاجا لضعف خطيبها إلا أن يجعلها مقولبة معلبة .
فيريد أن يزيدها وهنا على وهن ، ويود لو صارت كنشرة أخبار يأتي المذيع فيقرأها على المستمعين ، ويفصلها على المشاهدين ، ثم ينزل من على منبره ، ويسمي نفسه خطيبا ! وقد جاء المستمع عالما بأن الكلام ليس للخطيب ، وأنه أشبه ما يكون بالطعام البائت ، فيأتي لا ليستفيد ولكن ليؤدي الشعيرة فحسب ، فلا تؤثر في خلقه ولا تزيد في إيمانه .
ولعمر الله إن ذلك لشيء عجاب ، فقد كان المرجو ممن يدرك ضعف الخطبة والخطيب ، أن يسعى في العمل للرقي بهما ، وإعادة تأثير الخطبة في المصلين ، وتدريب الخطيب على الإلقاء والتحضير وعدم اللحن وتنويع المصادر ، وكان من المفترض أن يحث المنتقدون الوزارات المسؤولة عن الخطب والمنابر أن تكثف من جهدها لرفع مستوى الخطيب ، وجعله متفاعلا مع الأحداث والرقي بأسلوبه ، وفقهه ، وتعليمه كيف يدبج الخطبة وكيف يختار الموضوع وكيف يقدم له ويتحدث عنه بإيجاز غير مخل ، وإسهاب غير ممل . لكن الذي حدث أن المتدثر بالإصلاح يريد خنق الفكرة وطمس روح التنافس في الخير والرقي بالمنبر إلى ما يرجى منه .
وقد كنت أحسب أن أثر الخطبة قد تلاشى ، حتى لمست مدى اهتمام القوم بها ، وسعيهم الحثيث للتضييق عليها ، إذ لن يستطيعوا بحال أن يلغوها ، فكان أن ألبسوا دعوتهم ثوب الإصلاح والوسطية ، وأوهموا المستمع إليهم أنهم يريدون إعادة تأثير الخطبة لا التشويش عليه ، وهي عادة من أهل النفاق معلومة لدى كل من قرأ القرآن ونظر في السنة ، فكم يحلفون إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا . وكم يزعمون إنما هم مصلحون . والله يعلم إنهم لكاذبون .
فلو صدقوا في زعمهم حرصهم على تفعيل دور الخطبة والخطيب في المجتمع لكان الكلام عن كيف يكون ذلك ، وما هي الطرق التي نختار بها الخطيب الذي يقرع بصوته قلب المصلي قبل أذنه .
وكلما اشتد سعار الحرب على الخطبة زاد إيماني بأنها تلك الشعيرة التي لم تتأثر بكل مغريات الزمان ، وأن أثر كلمة يلقيها خطيب مخلص اشد أثرا من مئات البرامج والأفلام والمسلسلات الكثيرة التي جذبت انتباه الناس إليها ، فيأتي خطيب بليغ العبارة حسن الإلقاء فيمحو ما علق في القلب ، ويجلو ما رسخ في الذهن ، ويزيل ما علق في العين ، ويلقي ما التصق في السمع ، بكلمة مسبوكة الدليل ، رصينة العبارة ، كما أخبر جل وعلا في كتابه الكريم : وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا .
فسبحان من سخر لدينه ما يقيمه في كل زمان ومكان ، ولو قدر أن استطاع المنافقون أن يكبلوا الخطبة زمنا ، فإنهم لن يستطيعوا فعل ذلك طول الزمان ، والله هو الولي ، وهو المستعان .

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • محمدالعلي

    مقال فوق الرائع وأسأل الله لك التوفيق ياشيخ عادل وزادك الله من فضله كلمات احوج ماتكون لهاالامه اليوم

  • سعيد بن مسعد السعودي

    الله يرحم الحال

  • ابو عبدالرحمن

    جزاك الله خيرا