{ ليس أنا }

الأحد ٣٠ مارس ٢٠١٤ الساعة ١٢:٠٦ صباحاً
{ ليس أنا }

هذه العبارة مرض يستشري في واقعنا ، ينبغي أن نبذل قصارى الجهد لعلاجه ، والوقاية منه .

{ ليس أنا } ليست عبارة تقال ، ولكنها تطبق في الحياة بشكل مخيف ؛ لأنها تمارس دينا ودنيا ، تمارس اجتماعيا وسياسيا ، { ليس أنا } يطبقها ليس الأكثر فحسب بل نستطيع أن نقول يطبقها الجميع إلا ما ندر ، { وقليل ما هم } .

فلننظر بأمثلة يسيرة لتطبيق { ليس أنا } في الواقع ، ولنبدأ بواقع اجتماعي مشاهد ، حين يقود بعضنا سيارته ثم يرى ذلك السائق المتهور يقود سيارته بسرعة لا يراعي فيها موقعه ولا من حوله ولا ظروف الطريق ، فأين ترون { ليس أنا } في هذا ؟ إنه يطبقها بحرفية تامة ، فلو ظن أنه ربما كان هو لما فعل ذلك ، بمعنى آخر : هو يعلم أن كثيرا من ضحايا السرعة في المستشفيات يعانون الكسور والإصابات ، وبعضهم يستعصي علاجه أو يطول ، فمنهم من يعاني الإعاقة والشلل النصفي أو الرباعي ، وكثير منهم يرقد في المقابر ، لو ظن أنه ربما كان هو لاعتبر وما تهور ، لكنه مقتنع تماما أن الحادث لن يقع ، ولو وقع فليس هو من سيصاب فيه ، أو يموت ! هو مقتنع تماما أنه سيصل سالما معافى ، ربما حصل ذلك مرارا ، وهذا ما جعله يظن أن القضية ستستمر معه ، وسيصاب كثيرون ، لكن ليس هو ، فهو في قرارة نفسه يقول : { ليس أنا } هو ابن جيراننا ، أو من لا أعرفه أصلا ، وربما رأى حادثا فاستعاذ وحوقل ودعا لكنه ما لبث أن زادت قناعته بما استقر في نفسه { ليس أنا } .

{ ليس أنا } نراها تطبق في حياتنا الدينية ، بمثال قريب جدا، فالكل يسمع الخطيب والواعظ يذكره بالموت وينصحه برد المظالم والتخلص من آفات اللسان وغير ذلك ، لكن الواضح أن الكل يقول في نفسه ليس أنا ، هو فلان يكثر الغيبة ، وفلان يظلم عماله ، وفلان يسيء معاملة زوجه وأولاده ، وذاك قد أكل مال اليتيم ، وهذا المسؤول قد ضيع الأمانة ، وهلم جرا ، وستجد في النهاية أنه أخرج نفسه من أي تبعة مما قيل أو قد يقال ، بالحجة الثابتة في أعماق عقله الباطن { ليس أنا } .

هو يظن أن المصائب ستتعداه ، وسيبقى هو من يرويها ، ويحدث عنها ، وعن إخوة له مضوا ، وأصحاب له قضوا ، ولم يفكر يوما أن كل واحد منهم كان يقول لنفسه { ليس أنا } . وكل من مضى وقضى كان يظن أن ليس هو من سيمضي ويقضي !

كل يؤمن ، ويعبر عما يؤمن به بلسان الحال { ليس أنا } المعني بالفساد ، و{ ليس أنا } المقصود بالاتهام ، و{ ليس أنا } المشوه للطريق ، و{ ليس أنا } الذي ضيع الحقوق ، ولم يؤد الواجبات ، كل خطيئة في الأرض هم فعلوها ، و{ ليس أنا } .

وهذا الأمر من الواضح أن السياسيين يستخدمونه بإفراط ، لكن القلم يعجز هنا عن السيلان ليثبته واقعا ، هو يعرف الواقع ، وشرحه مشاهد ، والأمثلة عليه كثيرة ، لكن التصريح به يجعل المرء يقتنع بأن الأفضل في هذه الحالات فعلا أن يرمي بالتبعة على غيره ، ولا يتصدى بنفسه ويمكن بكل أريحية ليسلم أن يقول { ليس أنا } !

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • يزيد

    مقال رائع جدا

  • محمد فهد

    لا “لست انا بعد اليوم” و لكن ستكون “انا المقصود”

  • محمد حمد

    هذا المقال رائع جدا ومعظم مقالات الشيخ عادل تكون في صميم الحقيقة ومثل ما قال محمد فهد لست أنا بعد اليوم ولكن ستكون (أنا المقصود)