“الرفاعي”: النفعية وغياب الفردانية من أهم أسباب تقلب المثقفين

السبت ١٩ أبريل ٢٠١٤ الساعة ١٢:١١ صباحاً
“الرفاعي”: النفعية وغياب الفردانية من أهم أسباب تقلب المثقفين

عدد الكاتب ومدرب المهارات -خالد الرفاعي- “تقلبات المثقفين” في السعودية، وغيرها من الدول العربية ولخصها في النرجسية والنفعية، وغياب الفردانية (الاستقلالية)، إضافة إلى العامل النفسي والازدواجية.

وحظيت آراؤه بالقبول، من ناحية والتفنيد من ناحية أخرى من جانب الحضور، الذين أثروا محاضرته، التي استمرت أكثر من ساعين في نادي أبها الأدبي، وتناولت تقلبات المثقفين في السعودية ودول الخليج وعدد من الدول العربية، خاصة تلك التي مرّت بها قافلة الربيع العربي.

وأوضح الرفاعي أن تقلبات المثقفين، تعني انتقالهم من حال إلى حال، ومن موقف إلى موقف بسرعة مفاجئة، لا تسبقها إرهاصات ولا ممهدات تضفي على هذا التقلّب مشروعية ما.

وأشار أيضاً إلى أنّ هذه التقلبات متصلة بالوقائع السياسية والاجتماعية والثقافية، أكثر من اتصالها بالذات؛ ولذلك تبرز في المواقف ولا تبرز في المنجزات الفكرية أو الأدبية، وتتجلى -أحياناً- من خلال تصريحات تلفزيونية (أي شفوية)، أو تغريدات على موقع “تويتر”، أو في مقالات قصيرة ذات طابع انفعالي.

وفرّق المحاضر بين (التقلّب) و(التحوّل)، وعرض عدداً من السمات التي تميّز كلاً منهما، ورأى أنّ (التقلُّبات) سمةٌ سلبية في المشهد الثقافي، تدلّ على اضطراب المثقف، وعلى تأثره بالسياقات الحافة به، أكثر من تأثيره فيها، وعلى ذوبان ذاته في ذوات أخرى، أو في معان أو أشياء، أو تيارات، أو أنظمة، أو أحزاب، وأنه في نشاطه كلّه ظلٌّ لنشاطٍ آخر مغيّب، يتسع باتساعه ويضيق بضيقه، ويرتبط به وجوداً وعدماً.

واعتبر التحوّلَ شكلاً من أشكال النموّ الفكري، وصورة من صور فردانية المثقف، وفاعلية نزعته النقدية لكلّ شيء حتى لذاته.

وفرّق بين عديد هذه التقلبات المزرية، وتلك التحوّلات التي نجدها لدى عدد من المفكرين والمثقفين، كالقصيمي والمسيري ومصطفى محمود وآخرين.
وعرض الرفاعي -في محاضرته- لتعريف المثقف ورأى أنه محكوم بدلالتين؛ إحداهما واسعة، تشمل كل من يمتلك رؤية خاصة، ويملك القدرة على التعبير عنها، والأخرى ضيقة، تعبّر عن المثقف، الذي ينهض بوظيفة المثقف.
واعتمد على تقسيم أنطونيو قرامشي للمثقف، بأنه إما مثقف تقليدي -يخدم الثقافة من داخل المؤسسة الرسمية- أو مثقف عضوي أو اجتماعي، أو منسّق يخدم الثقافة، من خلال سياقات خاصة، ويتولى نشر القيم المتصلة بحقوق الإنسان، ويسهم في تجسيدها، ومواجهة الجمود بكلّ أشكاله، والمداومة على تمثيل الأشخاص والقضايا التي عادة ما يكون مصيرها النسيان أو التجاهل أو الإخفاء (كما يعبر إدوارد سعيد).

وتحدث عن أبرز أسباب تقلبات المثقف، فأشار إلى النرجسية، التي تجعل المثقف يمنح نفسه صلاحية التصرف الفردي في القيم والمبادئ العامة. ومثّل لذلك بمطالبة أحد المثقفين بتصفية شخص معيّن بسبب اختلاف نظري بينهما في مواقف فكرية أو سياسية، وحين يُسأل عن تعارض هذا الموقف مع المبادئ العامة للمثقف، التي تندرج تحت عنوان (حقوق الإنسان)، يعود إلى أصول هذه المبادئ العامة، ويعيد صياغتها وترتيبها، لتخرج من عموميتها إلى الخاص، فتتسعَ بذلك لموقفة الذي يعدّ انقلاباً سافراً على أصل المبدأ، وعلى روح المثقف ووظيفته.

وأشار أيضاً إلى بعض المثقفين الذين يضربون بعضَ المبادئ ببعض، أو يقيمون تعارضاً بينها، ليسوّغوا بذلك خروجهم على مبدأ ما، بحرصهم على حماية مبدأ آخر. وقال إنه حين يطالِب المثقف بتصفية خصومه، أو حين يمارس الاستعداء عليهم، يعلّق هذا الفعل بحماية الوطنية، ليشرعن بإقامة هذا التعارض خروجه السافر على أحد أهمّ المبادئ الثابتة في وظيفة المثقف.

وتحدّث المحاضر عن النفعية كأحد أسباب تقلبات المثقفين، وألمح إلى بعض الشهادات الثقافية، التي تدلّ على أنّ من المثقفين من كان يتقاضى مقابلاً مادياً أو معنوياً، للمواقف التي تبنّوها، مع علمهم بأنها تتعارض مع جملة المبادئ التي تندرج تحت “حقوق الإنسان”.

وأشار إلى أنّ الجانب الأخلاقي عامل مهمّ للمثقف، وهو وحده الجدار الذي سيحول دون اختراقه وتوظيفه، وهو وحده المانع من انكساره أمام المُغريات.

وتحدّث عن غياب الفردانية (الاستقلالية)، بوصفها سبباً من أسباب تقلبات المثقفين، مشيراً إلى أنّ المثقف العربي (والخليجي تحديداً) ارتهن نفسه لدى تيار أو طائفة أو جماعة، وأخذ يتحرك وفق رؤيتها.

واستشهد بالنقد اللاذع الذي تعرض له كل من الغذامي والغنامي والسحيمي من الوسط الثقافي؛ لأنهم قاموا بنقد الخطاب الثقافي أو السياقات المحسوبة على المثقفين، واستنكر اللغة التي حملت هذا النقد وتجاوزت حدود المقبول.

كما استشهد المحاضر بموقف الروائية البحرينية فوزية رشيد من الأحداث الأخيرة التي شهدتها البحرين، ورأى أن غياب الفردانية بمعناها الحقيقي، هو الذي أفضى بفوزية رشيد إلى هذه الحالة، ورأى أن وهم الاستقلالية أو وهم الفردانية أحد الأوهام التي تعبث بالمثقف العربي، وأحد الأسباب الرئيسة المؤدية إلى تراجع وظيفته.

ورأى أنّ الخطاب الثقافي معدّ لما قبل الأزمة ولما بعدها، وليس معداً للأزمة نفسها، وقيادته الذهنية تخدم التاريخ والمستقبل أكثر مما تخدم الحاضر.

وتحدث عن المكاسبية، التي تهيمن على الخطاب الثقافي العربي، وتعدّ سبباً بارزاً من أسباب تقلّباته، وتؤدي في كثير من الأحوال إلى ضرب الموضوعية، أو إلى العبث بالمشاريع التنموية أو التاريخ أو الرموز.

وضرب مثالاً بتقاعس بعض الكتّاب عن دعم مشروع مناصحة الموقوفين الذي تشرف عليه وزارة الداخلية؛ لأنه لا يعدّ -من وجهة نظرهم- مكسباً للخطاب الثقافي، خاصة في بدايات المشروع، وكذلك انتخابات المجالس البلدية، وعدد من البرامج التنموية التي لا يخدمها المثقف، إلا إذا ضَمن عدم ارتباطها بالتيار المضادّ.

وقال، إن المكاسبية -في نشاط بعض المثقفين- تجاوزت البرامج التنموية إلى التنافس على الذوات، واستشهد بتنافس التيارين الليبرالي والإسلامي على رمزية الأديب عبدالكريم الجهيمان (كأديب سعودي) وعبدالوهاب المسيري (كأديب عربي).

كما تحدث عن العامل النفسي بما هو سبب من الأسباب الدافعة إلى تقلبات المثقفين، مشيراً إلى أن الهجوم الشرس الذي شنه التيار الإسلامي في التسعينيات على رموز الثقافة في المملكة ترك لدى كثير من المثقفين شعوراً عميقاً بالمظلومية، عبر عنه بعضهم بخطاب انتقامي، وتنفيسي، لا يقيم اعتباراً للموضوعية، وغايته إسقاط الخصم التقليدي.

وتحدث عن الازدواجية بوصفها سبباً من أسباب التقلبات، ورأى أن من أهمّ أنماط الازدواجية تلك الازدواجية القائمة بين شخص المثقف وشخصيته، أو بين المبدأ والممارسة، ورأى أنّ هذه الازدواجية هي التي ستسهم في سقوط مصداقية المثقف، وفي تراجع دوره، كما كانت سبباً في تراجع الخطاب الإسلامي وسقوط مصداقية بعض أتباعه.

وختم الرفاعي المحاضرة بالإشارة إلى الدور الكبير الذي يجب أن تنهض به المؤسسات الرسمية لضبط الإيقاع، ولإعادة الهيبة للخطاب الثقافي، وذلك من خلال رفع مستوى الحرية لنشاط المثقف، مع تعزيز مسؤوليته عن هذا النشاط.

كما قرر أيضاً أهمية توسيع السياق الذي ينشط فيه المثقف التقليدي، وذلك بإعادة النظر في الطريقة التي يُدار بها الشأن الثقافي في المملكة، والبحث عن طرائق تضمن منحَ المثقف المتخصص أو الباحث أهمية أكبر، ليسهم في نقل النشاط الثقافي من حقل (المواقف العابرة) إلى حقل (القراءات المعمّقة) أو (البحوث الميدانية)، تمهيدا لتحقيق نقلة أكبر من (التعدّد) إلى (التعدّدية).

وما إن انتهت المحاضرة، حتى انفجرت حناجر الحضور والحاضرات بآراء مختلفة وتحليلات تقترب من فكرة المحاضر، وأخرى تعترض على بعض مضامين المحاضرة.

وقد أثرى المحاضرون والمحاضرات المحاضرة، وهم الدكتورة مريم الغامدي، التي لخصت المحاضرة، ومبارك المطلقة، ومحمد طالع، والدكتور خالد الشهراني، وعلي فائع، والدكتور عبدالله قاسم، والدكتور محمد أبومحمد أبوملحة، والدكتور عبدالرحمن الجرعي، والدكتور محمد العمري، وعبدالله الأسمري وظافر الجبيري، ومناع القرني.

وختم رئيس النادي الدكتور أحمد آل مريع، فبدأ بالتعليق على المحاضره فتكلم عن حركة المنهج الغربي تجاه الكنيسة، والفهم الخطائي في المجتمع الغربي، وقال إن المجتمع الإسلامي مجتمع متصالح وقائم بفكرة عمارة الأرض، والمثقف مرتبط بالمجتمع، وعلينا أن لا ننظر إلى أن المجتمع مليء بالسوءات، وتكلم عن المثقف الهابئة، الذي هو مع أي تيار، وطالب بحفظ حقوق المجتمع لمن يريد التعدي عليها من بعض المثقفين، ثم شكر المحاضر المبدع ومدير الحوار المميز، وقدم درع النادي تقديراً لهم.

DSC_0024

DSC_0019

DSC_0012

DSC_0011

DSC_0007

DSC_0015