كرة القدم.. لعبة واقعيّة حوّلها الخيال إلى إبداع على ورق

الأحد ٢٧ أبريل ٢٠١٤ الساعة ١١:٣٠ صباحاً
كرة القدم.. لعبة واقعيّة حوّلها الخيال إلى إبداع على ورق

الإلهام الذي يكتنف لاعب الكرة عندما يراها بين قدميه تتأرجح، أخذ يلهم الكتّاب لنسج كلماتهم الإبداعيّة حول رياضة كرة القدم، لتظهر إمّا على هيئة رواية، أو قصّة قصيرة، أو قصيدة شعريّة، أو سيرة ذاتيّة، أو أي ضرب من ضروب الأجناس الأدبيّة.

صحيح أن الإنتاجات الأدبية التي تتخذ من كرة القدم نقطة انطلاق لها تُعد نادرة نسبياً، إلا أنها لا تزال الأكثر تأثيراً على صعيد الكتابات حول هذه الرياضة، وتحقق اهتماماً بالغاً يفوق ما يلقاه كتّاب الصحافة التقليديين الذين اعتادوا على نقل الحدث الجامد كما هو، دون أن يظهر بلغة شاعريّة غنائيّة كما يفعل العديد من المؤلفين في العالم، والذين حققت مبيعات كتبهم أرباحاً هائلة، كحال الكاتب الأورغوياني إدواردو غاليانو مؤلف كتاب: “كرة القدم في الشمس والظل”، والذي أخذ يصف فيه الأحداث الكبرى التي شهدتها كرة القدم، ناقلاً شعور الجمهور والمجتمع في كل لحظة من تلك اللحظات، راصداً التفاصيل الصغيرة التي جعلت من الكرة رئة ثالثاً يتنفس بها العشاق.

· ماضي التأليف الأدبي في كرة القدم:

كأي بداية لا بد أن تكون هشّة بعض الشيء، ويعتريها القصور وعدم النضج في مسألة إخراجها بالصورة الكاملة؛ لذا ابتدأ التأليف الأدبي المتعلق بكرة القدم في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وتحديداً بإصدار كتب مصوّرة وكتابة بعض القصص في الصحف والمجلات، وفي أوائل القرن العشرين بدأ الكاتب الإنجليزي أرنولد بينيت بكتابة قصص اللاعبين اليوميّة، وصياغتها صياغة أدبيّة، ولاقت رواجا ًكبيراً آنذاك، وخلال الحرب العالمية الأولى أخذ التأليف الأدبي حول كرة القدم يخدم قضيّة حقوق المرأة، وذلك بتصوير شخصيّات نسائية خيالية يمارسن كرة القدم على الرغم من أن تلك الرياضة كانت محرمة عليهن في المجتمعات الغربية، ويقتصر لعبها على الرجال فقط.

· نقلة نوعيّة في التأليف:

مع تزايد شعبيّة لعبة كرة القدم أخذ التأليف ينضج بشكل أكبر، وتحديداً في الفترة ما بين 1920 و1950 ميلاديّة، وألّفت في تلك الحقبة روايات ذات طابع رومانسي مشحونة بالعاطفة، كما هي الحال في كتب الروائي البريطاني هورلر سيدني، وأخذت المؤلفات في أواخر تلك الفترة بالجنوح نحو السياسة، وتوجيه نقد من خلال الكتب الكرويّة، وكذلك معالجة قضايا ذات صلة بالمجتمع، لتصبح بذلك كرة القدم مدخلاً لرصد السلوكيّات والتصرفات الاجتماعية، كحال رواية الكاتب الاسكتلندي روبن جينكينز “الشوك والكأس” المؤلّفة عام (1954م)، وراية “الكرة المجوفة” التي كتبها سام بيل عام (1961م)، وبعدها بدأت المؤلفات تجنح نحو البحث عن أثر كرة القدم في المجتمع، وتحديداً على الطبقات العاملة، وهذا ما تجسده لنا رواية “القديس المحتمل” التي ألفها روبن جينكينز عام (1978م).

· التأليف في العقود الأخيرة:

أصبح التأليف منذ مطلع الألفيّة الجديدة يتخذ أشكالاً أدبيّة أكثر تعقيداً وغموضاً مما سبق، ومال أكثر من أي وقت مضى نحو اللغة الشاعرية، والكلمة المؤثرة، وبات عملاً إبداعياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، بعد أن تحرر من اللغة الصحافيّة التي كانت تلاحقه في العقود الماضية، وتخصص في التأليف أدباء أحبوا هذه الرياضة، وأخذوا يتغنون بها، ويسردون أحادثها بنَفَس أدبي يغلب عليه المظهر الروائي، بوصفه الجنس الأدبي الذي يمنح المؤلف متسعاً من المساحة للتعبير عما في فكره براحة تامة بعيداً عن تعقيدات الشعر من جهة، ومحدوديّة القصة القصيرة من جهة أخرى.

· التأليف الرياضي في السعودية:

من يتأمل الكتب التي يُصدرها المؤلفون السعوديون في الجانب الرياضي يجد أن في معظمها كتباً ربحيّة ترويجية، كما فعل فارس الروضان في كتابه “اذكريني كلما فاز الهلال”، فهو كتاب سطحيّ من الناحية الفكرية واللغويّة، وهو أشبه ما يكون بكلمات تعبيريّة كحديث نفس رصده المؤلف، ولا ترتقي إلى مصاف الكتب الإبداعيّة التي ألفها على سبيل المثال إدواردو غاليانو، وحال الروضان لا يختلف كثيراً عن حال طامي السميري الذي ألف كتاب “ماجد عبدالله: قراءة وتأمل في أسطورة الكرة السعودية”، فكلا الكتابين حاولا استخدام العناوين في جذب المتلقي، واهتما كثيراً باختيار صورتي الغلاف، لكن ذلك الاهتمام لم يكن بذات القدر فيما يتعلّق بالمحتوى، بل جاء أقل مما هو مأمول، ولم يصل إلى المستوى العالي الذي ينافس العديد من الكتّاب الكبار في هذا المجال، لذا لا تزال الكتب الإبداعيّة في رياضتنا بيئة خصبة للمؤلفين الشبّان، فهي تحتاج منهم أن يخلصوا لها، ويسخروا كافة إمكاناتهم ليحوّلوا الكرة المستديرة إلى إبداعٍ ورقي له سحره وجنونه.

غلاف1

غلاف1

غلاف2