إمام المسجد الحرم : التلاوم صورة من الإنكار السلبي وإفلاس المجتمعات

الجمعة ٢٩ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ٤:١٧ مساءً
إمام المسجد الحرم : التلاوم صورة من الإنكار السلبي وإفلاس المجتمعات
أوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ الدكتور سعود الشريم أن التلاوم صورة من الإنكار السلبي إذ هو ليس توفيقاً ايجابياً ولا عتاباً محموداً وإنما هو جزء من الأنانية والأثرة إذ كل شخص يلقي باللائمة على الآخر مع أنهما مخطئان جميعاٍ لكنها المكابرة والهروب من المسئولية والتقاعس عن الإصلاح، لافتاً النظر إلى أن التلاوم إلى الخصام اقرب منه إلى النصح والإصلاح لأن المصائب تنشئ تدارس العلاج والتلاوم يئده في مهده وهو صورة من صور إفلاس المجتمعات في التعامل مع مصائبها ونوازلها الحالة بها وهو غالباً ما يكون في رمي الآخر بما تلبس به الرامي نفسه لذلك لم يأت التلاوم في كتاب الله محموداً ثم إنه ليس مثل اللوم إذ اللوم يكون من جهة الناصح إلى المخطئ بخلاف التلاوم فكلا المخطئين يلقي باللائمة على الآخر وهنا مكمن التعامي عن التصحيح .
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام بمكة المكرمة: “إنه لا يخفى على كل لبيب سبر ما حل بواقع أمتنا الإسلامية من نوازل ومدلهمّات يتبع بعضها بعضا إبان غفلة من عقلائها ليدرك إن كثرتها وتسارعها ليس أمراً غير اعتيادي ولا بدعاً من الأحداث والنوازل التي لا تأتي طفرة دون مقدمات وأسباب أذكتها لتحل بنا أو قريباً من دارنا وهذه الأحداث أياً كان لونها وحجمها فإننا جميعاً لسنا مبرئين من كوننا سبباً فيها من قريب أو بعيد لأن البارئ جل شأنه يقول ((وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير))”.
وأضاف “والأمة الواعية الموفقة هي التي تنظر بعين الجد تجاه تلك الأحداث فتدرس أسبابها وتستجلب علاجها وهي في الوقت نفسه تتقي داءً خطيراً لا يزيد المصائب إلا بلاءً وليس هو من العلاج في ورد ولا صدر وهو ما يعاني منه جل المجتمعات في مواجهة مثل تلك المصائب والمدلهمّات المتتالية إلا أنه داء التلاوم الذي يزيد المحن اشتعالاً ولا يطفئها التلاوم الناشئ بعد كل فشل أو خسارة أو محنة لتغطية الفشل والهروب من الاعتراف بالخطأ والندم عليه والعزم على عدم تكراره، نعم انه التلاوم الذي ينسف ذلك كله”.
وبين فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أن أعظم نصر للعدو المتربص هو أن يرى خصومة في حالة يرثى لها من سكر التلاوم الذي ينفض عرى التلاحم في المجتمع الواحد فتقع شماتته على صرخات تلاومهم حتى ينتشي لذلك، كان لزاماً على عقلاء المجتمعات أن يتقوا هذه الخصلة الذميمة التي تعمي وتصم، إذ في التلاوم تتسع هوة الخلاف حتى تصل إلى درجة التخوين في الدين والأمانة والخلق ومن ثم تتفاقم إلى أن تبلغ حداً يتعذر معه الإلتقاء والتواد والتراحم والشعور بالمسئولية الواحدة للمجتمع المسلم الواحد .
ورأى فضيلته أن ذم التلاوم والتحذير منه لا يعني أبداً ترك التناصح والتصحيح تحت ظلال الإخلاص والرفق واللين والهم الواحد للدين الحق وأن من وعى ذلك فسيدرك حجم المسئولية على عاتقه وسط الفتن والزوابع التي تتساقط على أمتنا كالحجارة لذلك كان التلاوم زيادة في القسوة وفراراً من الاعتراف بالخطأ واشتغالاً بتكبير ما مقامه التصغير أو تصغير ما مقامه التكبير، لافتاً النظر إلى أن الواجب علينا النظر في دواعي المحن هل هي خلقية أو دينية أو ثقافية أو تربوية أو هي مركبة منها جميعاً ومن ثم البحث عن العلاج والدواء بناءً على تشخيص هذا الداء وإلا فسيحل التلاوم محل ذلك كله فيضيع بسببه كل علاج نافع وتضيع المسئولية برمتها .
وشدد إمام وخطيب المسجد الحرام على أن المهمات العظيمة والمصالح المشتركة لأمة الإسلام لا ينبغي أن يغشاها التلاوم لأن الأمور الكبيرة لا يحتملها إلا النفوس الكبيرة، مؤكداً أن التلاوم لا تطاوع معه ولا اتفاق، بل هو خلاف وخصام لا خير فيه ولذلك فإن ظاهرة التلاوم لم تكن في أسلافنا من قبل لأن دواعيه من الأنانية والمكابرة واللا مبالاة لم تضرب في أوتادها بين ظهرانيهم إذ النفوس صافية والقلوب متواضعة والشعور بالتقصير ديدن كل واحد منهم وتقديم المصالح العامة عندهم أولى من المصالح الخاصة وقد كان همهم التماس رضي الله والبعد عما يسخطه فحسنت حالهم وأصلح الله شأنهم فلم يحل بهم معضلة إلا خرجوا منها كما تخرج الشعرة من العجين فهم لم يكونوا ملائكة وليسوا منزهين من الخطأ بل يخطئون ويصيبون فيتوبون إذا أخطأوا ويشكرون إذا أصابوا لكننا قد خالفنا نهجهم فصدق فينا قول ابن مسعود رضي الله عنه “يأتي على الناس زمان أفضل أعمالهم بينهم التلاوم” وإن تلك هي حالهم فما نحن صانعون بحالنا.