“العطوي” المنشق عن “جبهة النصرة” يفضح تخبط التنظيم

الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠١٤ الساعة ٨:٥٦ صباحاً
“العطوي” المنشق عن “جبهة النصرة” يفضح تخبط التنظيم

تناولت صحيفة “الحياة” تقريراً مطولاً حول انشقاق سعودي تولى منصباً قيادياً في “جبهة النصرة” (ذراع القاعدة الرسمي في سورية) الذي بدوره كشف عن تلقيهم تمويلاً بمليون دولار من الداعية السوري المقيم في السعودية عدنان العرعور، على رغم أن المملكة صنفت الجبهة ضمن “التنظيمات الإرهابية” المحظور الانتماء لها ودعمها مادياً أو معنوياً، أو إبراز التعاطف معها.

وكشف السعودي سلطان عيسى العطوي الذي تولى مناصب قيادية عدة في الجبهة قبل طرده منها قبل أشهر، ثم إعلانه الانشقاق عن التنظيم قبل نحو أسبوعين، معلومات يمكن تصنيفها بـ”السرية”، وخفايا الصراعات الشخصية على المكاسب المالية والنفوذ داخل “النصرة”، التي يقودها أبو محمد الجولاني، وأيضاً أسرار انكسار التنظيم مقابل غريمه اللدود “داعش” في معارك الجبهة الشرقية، وتحول ما يصفه بـ”الجهاد” إلى “حرب مغانم” و”فساد مالي وإداري”، و”موالاة للعشيرة”، في إشارة إلى تورط “النصرة” في الصراع بين عشائر شرق سورية، وتحديداً الشحيل والشعيطات.

ففي إطار ما يعتقد أنه “تصفية حسابات” وكشف “خفايا الفصائل الجهادية”، ظهر القاضي والشرعي السابق في “النُصرة” العطوي، منتقماً من التنظيم الذي انشق عنه قبل أسبوعين، في بيان مطول، أصدره أول من أمس، ليكشف معلومات سرية ما كانت لتنكشف لولا أن تم إبعاده، واتهامه بالعمالة، ما أجبره على إظهار خفايا صراعات تنظيم الجبهة، كإعلان منه عن القطيعة النهائية بينه وبين الجبهة التي قاتل في صفوفها وأفتى لها.

وكان “العطوي” المكنى بـ”أبي ليث التبوكي” شرعياً وقاضياً في الجبهة، ثم عُين أميراً لمنطقة الشامية، فقائداً عسكرياً، وعضواً في مجلس شورى الجبهة في المنطقة الشرقية من سورية، التي كانت تتمركز في منطقتي دير الزور والرقة، وهي المنطقة التي بدأت فيها الصراعات والمواجهات بين تنظيم “داعش” و”النصرة”، مطلع العام الميلادي الحالي، إلى أن استولى “داعش” على المنطقة، قبل إعلانه “الخلافة”، ما أدى إلى تحولات داخل “النصرة” وانسحابات وميل مقاتليها الأجانب للانضمام إلى “التنظيم الأقوى والأكثر صرامة وحزماً”.

وعلى رغم تسلم “العطوي” مناصب قيادية “عليا” في “النصرة”، خلال وقت الصراع بين “الإخوة الأعداء”، وفي مدة تعد قصيرة، إلا أنه سرعان ما تم إبعاده، وإصدار بيان يمنع دخوله معسكرات التنظيم، ما دفعه لكشف الخفايا عبر بيان «تويتري»، تضمن أكثر من 100 تغريدة، كان أبرزها الكشف عن اسم أحد الممولين الماليين للجبهة، التي أصدر مجلس الأمن قرارات بمطاردة عدد من مموليها، بينهم خليجيون، كما كشف عن تخبطها، ووصفها بالخيانة والغدر، وعلى رغم عداء العطوي لـ”داعش” إلا أنه دعا إلى توحيد التنظيمات القتالية، لمواجهة قوات التحالف، وبدأ العطوي بيانه بتوضيح الغموض الذي يلف حول الفصائل المسماة «جهادية»، عازياً ذلك إلى جهل قادتهم وحبهم للإمارة والانتقام، ما دعاهم إلى التفرقة بين المجاهدين ونشر العداوة وإراقة الدماء، مضيفاً: إن وقت السكوت عن الخداع انتهى، وأوضح أن جميع ما يدور في ساحات القتال يتعرض لأمرين: كتمانه والتستر عليه، أو نشره مغلوطاً منكوساً.

وبعد تأكيد العطوي أن المقاتلين في التنظيم لم يكونوا مستعدين للقتال، وإنما أشار فقط خلال حديث عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إلى أن هذا الموقع حاضر حتى في اجتماعات القادة الهامة.

وكتب العطوي: صدمت بالخيانة والخذلان والكذب والاستبداد، لكن المنطقة تحكمها العشائر والجبهة خاضعة لعشيرة من هذه العشائر. وتحظى بحمايتها واهتمامها فكان هذا عائقاً أمامي لتحقيق المراد، فأنا لست جندياً عند عشائرهم»، مشيراً إلى أن «العشائر كانت تمارس طغياناً كبيراً، إذ تسيطر على آبار النفط، وتحظى به من دون آلاف المشردين والمحرومين والنازحين.

وأكمل تسلحت العشائر، وظلمت واستبدت. وتابع: تقوت العشائر بالسلاح من وراء النفط، ولم تستطع «النصرة» فعل شيء، إلا مجاملتها لعشيرتها في الشحيل، والتعنت مع غيرها من العشائر، وشُكلت الهيئة الشرعية من الشحيل. ولكن الهيئة مارست سلطتها على مدينة الميادين. ولم تستطع أن تقوم بأي عمل في شحيل. وأضاف: حُرمت الميادين من الكهرباء، بل كامل خط الشامية، الذي كنت أميراً له، في مقابل الكهرباء الدائمة في خط العشائر خط الجزيرة، مردفاً: «الميادين حُرمت حتى من كرامتها، حين كانت كتائب العشائر تقتحمها من دون أن تخشى أحداً، حتى الجبهة. لأن هذه الكتائب تمويلها أصلاً من الجبهة نفسها. وتابع: حازت الجبهة أموالاً ضخمة من آبار النفط ومعامل الغاز، لكن المفاجأة أننا أثناء المعركة مع الدولة لم نجد سلاحاً نوعياً، بل حتى البنادق كانت شحيحة. وعزا سقوط الشرقية في يد داعش إلى سوء التدبير والتخطيط والإدارة، إذ كانت المهام العليا فقط للشحيل، والبقية تبع لها، ما كان يحز في نفوس الجنود.

ووصف أداء «النصرة» بالقول: لا تملك قيادتها إلا إلقاء الجنود في خضم المعركة، ليقتلوا، ليطول أمد المعركة فقط، لافتاً إلى أن أمراء البغدادي كانوا يأتون للخط الأول، ويخوضون المعارك. ولكن قيادة الشرقية (من «النصرة») لم يصلوا للخط الأول، عدا ما رأيتموه من صور هوليودية، كلها وربي كذب وزيف.

ووصف مغردون محسوبون على جبهة النصرة، سلطان العطوي بالمتحامل على الجبهة، طاعنين في صحة بيانه، الذي وصفوه ببيان الغدر. فيما كتب متعاطفون مع التنظيم وشيخه السابق العطوي أنهم يتمنون أن ما كُتب يكون مبالغاً فيه، مطالبين زعيم الجبهة أبو محمد الجولاني بتوضيح وإزالة لبس ما نُشر.

إلا أن المغردين التابعين لتنظيم داعش أكدوا أن ما كتبه العطوي مجرد مذكرات أليمة عاشها خلال فترة إمارته الجبهة الشرقية، وأن ما تخفيه الجبهة أشد وأعظم.

وحول ذلك أوضح الباحث في الشؤون الأمنية حمود الزيادي، أن التنظيمات المتطرفة ترفض التعاون أو وجود أفراد “الجيش الحر”، وتعاديه على أسس أيديولوجية، لأنه يتبنى الطرح المدني للدولة السورية في المستقبل، فيما أنهم يتبنون الدولة الدينية بحسب رؤية القاعدة، التي ترى تأسيس الدولة الدينية، ومن ثم إعلان الخلافة، مشيراً إلى أن هذا ما حدث استباقاً من “داعش”، الذي استثار “النصرة”، التي كانت تخطط لذلك. إلا أن “داعش” استبق هذه المرحلة التي خطط لها تنظيم القاعدة، وإعلان الخلافة، فالمسألة بينهم مسألة وقت، لذلك كانت خطوة في الصراع الانتهازي المصلحي.