الطوفان سيأتي علينا جميعاً

الخميس ١٦ أكتوبر ٢٠١٤ الساعة ٤:٠٠ مساءً
الطوفان سيأتي علينا جميعاً

(أنا ومن بعدي الطوفان) مثل يقال عن الشخص الذي يتصرف بأنانية ولا يفكر إلا في مصلحته وإن أضرت بالآخرين.

لم تكن هذه الثقافة منتشرة إلى ما قبل سنوات بل إنها لم تكن معروفة أصلا في مجتمعنا وإن وجدت.
أما الآن فما يظهر من تصرفات الناس أن هذه الثقافة هي الثقافة السائدة، وثقافة الإيثار أو على الأقل التسامح هي الثقافة الشاذة الغريبة.
أظهر مثال على هذه الثقافة وأوضحه عندما يتجاوز أحدهم طابورا مصطفا لقضاء أمر ما سواء في مؤسسة حكومية أو خاصة أو حتى عند فوال، وكأن أولئك الواقفين ليسو بشرا أو أنهم من طينة أدنى من طينته، وما نشهده في شوارعنا من سوء تعامل في كل مكان يمثل مثالاً صارخاً لتلك الثقافة، فلم يعد لأنظمة المرور قيمة ولا للناس حق أو إحترام. لقد جعلت ثقافة أنا ومن بعدي الطوفان من شوارعنا ميادين لمعارك طاحنة يوميا أهلكت الأرواح ودمرت الممتلكات.
والأمثلة السابقة واضحة وظاهرة لثقافة أنا ومن بعدي الطوفان. وهناك أمثلة غير واضحة لكنها أخطر وهي برأيي السبب في إنتشار ذلك السرطان الذي سيودي بالمجتمع إن لم نتداركه.
فماذا عن رجل الأعمال الذي جعل الربح والربح فقط هدفه الوحيد ولا يجد غضاضة في فعل أي شئ لجعل أرباحه أعلى ما يمكن، وإن كان في ذلك خطرا على المجتمع، فهل من فضيحة أكبر من أن تعلن شركة عن وجود خلل في إحدى سياراتها وتطلب الذهاب بها للوكيل لاصلاحها ، ويعلن وكيلها هنا ألا شيء فيها؟! وماذا عن تسويق اللحوم الفاسدة في أكبر شركة مواد غذائية في المملكة وفي معظم فروعها في المملكة؟! وماذا عن المسؤول الذي جعل من مقر عمله دكانا لإدارة مصالحه الخاصة وتسخير المصلحه العامة لخدمته؟!
والمواطن الذي يقوم بتشغيل الهاربين من أعمالهم ومتخلفي الحج والعمرة والداخلين بطرق غير شرعية، فلا حقوق الناس تهمه ولا أمن واستقرار البلد يعنيه.
كثيرة وكثيرة جدا المواقف التي تدل على أن المجتمع بعامته يتعامل بثقافة أنا ومن بعدي الطوفان.
وأقبح الصور لتلك الثقافة هي استحلالها وتبريرها، وكأن ذلك التبرير سيكون طوق نجاة من المسؤولية العامة والخاصة وحتى الدينية. واقبح تبرير عندما يصدر عن شخص يفترص به أن يكون قدوة في محاربة الفساد والظلم كرجال الدين والمثقفين والصحفيين.
ما تشوف إلا أنا، كل الناس يسوون كذا، بأخذ حقي بأيدي، هم يبغون كذا( ولا تدري من هم) . كل ذلك مما يسوقه الناس تبريرا لتصرفاتهم الأنانية. حتى وصل الأمر درجة أن تسمع من يبرر للفاسد فساده بشكل مباشر أو غير مباشر.
إن ضعف الأنظمة والأجهزة المسؤولة عنها في إيقاف تعدي الانانيين على الحقوق العامة، وصعوبة أخذ الحقوق الخاصة عن طريق الأنظمة بالتقاضي، أدى إلى إنتشار تلك الثقافة ونموها بل واستساغتها وعدم التحرج من فعلها بل والتباهي بها في المجالس.
متى نقف قليلاً لنفكر في الطوفان القادم الذي يظن كل منا أنه سيأتي من بعده، لندرك يقينا أنه لن يترك أحدا خلفه كبر أو صغر شارك في جلب الطوفان أم لم يشارك. ونفكر في أبنائنا واحفادنا كيف سيتعايشون على هذه الأرض في المستقبل إذا لم تكن ثقافة الإيثار والمحبة والتسامح هي الثقافة التي نورثها لهم بدل ثقافة الأنانية والكراهية والتعدي.

@abdulkhalig_ali تويتر
[email protected]

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • عبدالرحمن محمد القحطاني

    رائع جداً و شامل لكثير من النقاط

  • عبدالرحمن

    جزيت خيراً

  • أبوصهيب المكي

    أستاذ عبد الخالق .. جئت على الجرح .. الأنانية داء عضال إستشرى في مجتمعنا وأصبح ظاهراً للعيان وبصورة ملفتة جداً .. والله المستعان .