مثقفون يقرؤون في سوق عكاظ.. شخصية “لبيد بن ربيعة” ويحتفون بـ”البردة”

الأحد ٢٦ يوليو ٢٠١٥ الساعة ٣:١٣ مساءً
مثقفون يقرؤون في سوق عكاظ.. شخصية “لبيد بن ربيعة” ويحتفون بـ”البردة”

حضر سوق عكاظ في نسخته التاسعة هذا العام (1436- 2015م)، في النقاشات الثقافية الدائرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبرنامج المراسلة الفورية “واتساب”، بالتزامن مع بدء الاستعدادات الأخيرة الجارية حالياً لإطلاق السوق في نسخته التاسعة في 27 شوال المقبل.

وتوقف مثقفون في قراءتهم لانطلاقة أمام اختيار الشاعر المخضرم لبيد بن ربيعة شخصية للمهرجان في هذا العام، والاحتفاء به في عرض مسرحي كبير، إضافة إلى القيمة الكبيرة التي يمثلها تتويج الفائزين بجوائز السوق الشعرية بمنحهم “البردة”، التي يرون أنها أصبحت حلماً يتطلع له كل مبدع عربي له نتاج.

وتحدثت لمؤسسة قروب “حقول الحرف الثقافي” القاصة فاطمة سعيد الغامدي قائلة: إن نخبة من النقاد والشعراء والإعلاميين تناولوا في القروب -وعلى مدى يومين من ليال شهر رمضان المبارك- سيرة هذا الشاعر الذي امتدحه رسول الله بمقولة شرّفته عبر التاريخ، حين وصف الرسول بقوله:
ألا كل شي ما خلا الله باطل… وكل نعيم لا محالة زائل

بأنه “أصدق بيتٍ شعر للعرب”.

وقالت “الغامدي”: “إن تاريخ سوق عكاظ العائد إلى أكثر من 14 قرناً، أصبح اليوم هوية تاريخية ونافذة مستقبلية نتطلع منها لتعزيز أدواتنا الثقافية، ورفع عمادنا الأدبي الذي لا يوازيه شيء؛ فلغتنا هي لغة القرآن الكريم وفصاحتنا مستمدة من هذا الدستور العظيم”.

وأضافت: “ها هم الشعراء اليوم يتسابقون لنيْل بردة الشعر التي يُلبسها مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الإشرافية لسوق عكاظ الأمير خالد الفيصل، للفائزين بجوائز السوق الشعرية؛ وذلك في حضور عدد من الوزراء والمثقفين والأدباء من داخل المملكة وخارجها، لتمنح الفائزين بها فخراً مستحقاً، يسعى إليه كل مبدع من هذه البلاد وخارجها ممن ينطق بلغة الضاد”.

وترى “الغامدي” أن السوق اليوم بعد تطويرها أصبحت احتفالاً ثقافياً متعدد الجوانب والميادين، بعد موافقة الأمير خالد الفيصل على فتح المجال أمام الشعراء والفنانين التشكيلين, المبتكرين في المجال العلمي، والخطاطين، والمصورين الفوتوغرافين في الوطن العربي، للترشح لجوائز عكاظ في نسخته التاسعة.

بدوره، تناول الباحث المصري المتخصص في النقد والبلاغة الدكتور أيمن خميس أبو مصطفى، شخصية الشاعر لبيد بن ربيعة؛ مشيراً إلى أنه نشأ في كَنَفَ أبيه الذي كان يسمى “ربيع المقترين”؛ لجوده وسخائه، وقتلته “بنو أسد” في الحرب التي كانت بين قومهم وقوم الشاعر لبيد، وقال الدكتور “أبو مصطفى”: “جاء في كتاب “الأغاني” أن النابغة وصفه بأنه أشعر العرب، وقد استجاد شعره النقاد والأدباء وعرفوا قدره ومكانته.

ومضى الباحث المصري في القول: “كما ذكر الشنقيطي في شرح المعلقات أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سمع بيته المشهور:

ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطل … وكل نعيم لا محالة زائل”

فقال: “أصْدَقُ كلمةٍ قالها شاعر كلمة لبيد (ألا كل شيء ما خلا الله باطل)”.

وزاد الباحث: “والمطالع لديوان لبيد يرى فيه كنزاً لغوياً واجتماعياً وتاريخياً؛ فهو شاعر معمر حكيم مجرب، قال حين بلغ من العمر 140 عاماً:

ولقد سئمت من الحياة وطولها… وسؤال هذا الناس كيف لبيدُ
غلب الزمان وكان غير مغلَّب… دهر طويل دائم ممدود

واختار الدكتور “أبو مصطفى” من أبيات لبيد ما قال إنها “تقطر حكمة وجمالاً:

ومَا النّاسُ إلاّ كالدّيارِ وأهْلها بِها يَوْمَ حَلُّوها وغَدَوْا بَلاقِعُ
ومَا المَرْءُ إلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ يحورُ رَماداً بَعْدَ إذْ هُوَ ساطِعُ
ومَا البِرُّ إلاَّ مُضْمَراتٌ منَ التُّقَى وَما المَالُ إلا مُعْمَراتٌ وَدائِعُ
ومَا المالُ والأهْلُونَ إلا وَديعَة وَلا بُدَّ يَوْماً أنْ تُرَدَّ الوَدائِعُ

وأشار إلى أن “لبيد” أسلم بعد أن عاش فترة من عمره في الجاهلية، وترك الشعر فلم يقل بعد إسلامه إلا:

الحمد لله إذ لم يأتني أَجَلي … حتى لبست من الإسلام سربالا

مضيفاً: “لعله ترك الشعر لأنه وجد في القرآن ما يغنيه عنه، أو لأنه خاف أن يختلط القرآن بالشعر في ذهنه، أو لأنه رأى أن الشعر سيصرفه عن التأمل والتدبر؛ فيبدو أنه بإسلامه كان كمن وجد عين ماء بعد طول عناء عطش في صحراء مقفرة”.

من جانبه، رأى عضو النادي الأدبي بفي الرياض الشاعر عبدالإله المالك الجعيب، في قراءته لشعر لبيد بن ربيعة، أن من الممكن تصنيف شعر لبيد ضمن منحيينٍ قد تعايشا في شعره، وهما: المنحى الجاهلي وتمثله مجموعة كبيرة من القصائد منها: (معلقته)، وقد كتب جل قصائده إبّان تلك الحقبة، والمنحى الإسلامي، ولقد عد ما كتبه في هذه الحقبة بقصيدة واحدة فقط؛ مبيناً أنه غلب على الجانب المُوسيقيّ في شعر لبيد استخدام البحور التي تخلق إيقاعاً واضحاً عبر تفعيلاتِها المركبة أو تفعيلاتها الأُحاديّة على حدّ سواء، وقال: “وبعد فإن هذه القراءة تمثل نظرة سريعة على شعر “لبيد بن ربيعة”، أردت من خلالِها إثارة فضولِ القُرَّاء والدارسين للاقتراب أكثر من قصائده والاستمتاع بقراءتها، والولوج في عالم هذا الشاعر الفحل بتدبر واستمتاع بإبداعه على نحو مُتأنٍّ والإبحار معه على نحوٍ أكثر شُموليَّة وعمقًا.

وتَطَرّق “الجعيب” إلى جائزة سوق عكاظ “البردة”؛ مؤكداً أن أنها حلم كل شعراء العصر الحديث من كل الأقطار العربية ويكفيها شرفاً أنها ستسلم من يد الأمير خالد الفيصل مهندس سوق عكاظ الحديث، والذي بعث تاريخه بعد أفول نجمه طوال 14 قرناً؛ ليكون دليلاً على مستقبل زاهر.

وتناول العلاقة بين الشعر والبردة قائلاً: “هذا الشعر امتداد لتعابير الرجل العربي الذي نطق به بكل فصاحة وبلاغة، وهذه البردة التي توضع كرمز لتفرد الشاعر بالشعر، ولما وصله من مكانة مرموقة عالية بين الشعراء، يتم تكريمه باحتفال ثقافي ضخم ينضم خصيصاً لهذه المناسبة التاريخية”.

أما المشرفة التربوية بـ”تعليم الطائف” الشاعرة أميرة بنت محمد صبياني؛ فقالت: “إن لبيد قد نظم الشعر في جاهليته، وجرى به على سنن الأشراف والفرسان؛ كعنترة وعمرو بن كلثوم فلم يتكسب بشعره، ولذلك ترى فيه -ولا سيما في معلقته- قوة الفخر والتحدث بالفتوة والنجدة والكرم وإيواء الجار وعزة القبيلة، ولم ينظم شعراً بعد أن أسلم.

وأشارت “صبياني” إلى أن بعض النقاد يقدمون لبيد على غيره؛ محتجين بأنه أفضلهم في الجاهلية والإسلام، وأقلهم لغواً في شعره، وقالت عائشة رضي الله عنها في ذلك: رحم الله لبيداً ما أشعره في قوله:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
لا ينفعون ولا يرجى خيرهم
ويعاب قائلهم وإن لم يشغب

وأضافت “كما أكد فخامة ومروءة شعره وجميلَ منطوقه شهادة أم المؤمنين زوج الرسول صلى الله عليه وسلم، وحفظها للكثير من أشعاره، واستِزَادة الفاروق عمر بن الخطاب من شعره، واحتفاء أهل الحقبتين “الجاهلية والإسلام” بمنطوقه ومنظومه”، وعدّت ذلك بأنه “شرفٌ لم ينله شاعرٌ جاهليٌ من شعراء تلك الحقبة، وهو دليل صدقه الشعري، ومروءة أفعاله التي تطابق أقواله”.

وقالت “صبياني”: “لبيد الشاعر المخضرم الممتد في حضارتنا اللغوية والتاريخية ما زالت روحه تتغلغل بين أمجادنا، وكلماته الرصينة تسري في شمائلنا لتؤصل للأجيال رجولة الماضين، والعبق التاريخي الذي كانت تنعم به جزيرتنا العربية، وتخْتَصُّ بها طائفُ العراقة والمجد والجمال”.

واعتبرت اختيار لبيد بن ربيعة ليكون الشخصية المحتفى بها في سوق عكاظ هذا العام، اعترافاً وتكريماً لمكانته المستحقة في تاريخ الشعر العربي، وقالت: “هنا يأخذ لبيد بن ربيعة مكانه العريق؛ ليتجدد بيننا صوته الرصين، وفعله الثمين، وحِكَمه التي تنقل واقع العروبة والإسلام، هنا يعانق الشعرُ تراث الأجداد، وأصالة الأجداد؛ فحيا الله شاعر الصدق والمروءة (لبيد بن ربيعة) في روضة الجمال ومرابع الجلال، وليأخذ مكانته في القلوب والعقول والأذواق”.

مثقفون-بسوق-عكاظ (3)

مثقفون-بسوق-عكاظ (4)

مثقفون-بسوق-عكاظ (2)