اختراق

الأحد ٨ نوفمبر ٢٠١٥ الساعة ١٠:١٢ مساءً
اختراق

خواطر فايز الشهري

ما إن تجلس مع من يكبرك عمراً إلا و يبدأ في سرد ذكرياته , و أسلوب الحياة سابقاً , ويخص حديثة بالجهد و التعب الذي عاشوه , و ما هي الأشياء البسيطة التي كانت تعتبر وقتها رفاهية لمن يمتلكها , و كيف كانت ملابسهم التي تُرقع عند حدوث أي مظهر اهتراء فيها حتى يجلبوا لهم في العيد ما يفرحون بلسه فيه , ما هو غذاؤهم , ما هي ألعابهم , ما هي مهامهم و أدوارهم , و كيف كان الكل يساعد الكل , فما يلبث المستمع إلا و عاش هذه الحياة خيالاً ببساطتها لا بقسوتها , فما نمتلكه الآن من تطور , و مدنِّية تنقصه تلك البساطة السابقة , و السعادة الحقيقية من رضا النفس , و امتلاك الكثير من القليل , وقد تكون هذه إحدى أسباب الحنين و أمنيات البعض أن يعيش في الزمن الماضي .
الآن دنيا مختلفة , نعيش فيها بأبعاد كثيرة , ضوضاء مهما هدت , سعي مهما وصلت , و بحث مهما و جدت , و في خضم هذا كله أصبح اختراق حياتنا سهل جداً , و بموافقة منّا و تأكيد ! , فمن بعد الخصوصية و حمايتها , و التحجج بها , بتنا الآن بمساعدة التكنولوجيا أكثر وضوحاً لمعرفة فكرنا و رأينا و مواقفنا , أكثر اقتحاماً لتفاصيل حياتنا اليومية , و أكثر سرعة في تواصلنا , و حتى أن العمر لا يحدده الممنوع , فالأطفال باتوا أكثر فهماً لأحدث التطبيقات و البرامج , و وقت تعليمهم الخطأ من الصواب هو بعد غفلة طويلة يُوقظها إنذار السماح الجاهل لمشاركة محيط الخصوصية .
من السهل جداً محاولات التجنيد , محاولات اللعب بالأفكار , محاولات اقتحام حياة الناس , و كل ما سبق معروف لكن أين الإرشاد , و التوعية , و الحلول التي لا تمنع الإقبال على العصر الجديد و تعليم الجيل حروف مستقبلهم بكثير من الصبر , و التثقيف , و لا يخص ذلك الصغار فقط بل الجميع ايضاً لأننا نتعلم و نُعلِّم لنرتقي , و نواكب , فأين التطبيق الفعلي لمنع تسلل المخربين إلى حياتنا كمجتمع و كأفراد ؟! .
هناك حدود للممكن و المستحيل , هناك أوقات , هناك تحمل للمسؤولية , امتلأت البرامج بالجيد و السيء , امتلأت بالسب و اللعن , و التفنن في الردود ( في منتصف الجبهة ) , و كذلك التكفير , و التقليل من بعض أفراد المجتمع , و السبق الإعلامي و تحويره ليتناسب مع فرقعة تعطي الشخص مكانة و عند البحث عن صحتها نجدها معلومة خاطئة ! , و امتلأت بالصور الخادشة و المعلومات التي لا يراعى فيها عمر المتلقي , فسببت البرامج العزلة , و عدم التأقلم مع المجتمع الواقعي , و الخوف , و التوتر من ردة الفعل حين ابداء الرأي , فجعلت من البعض مهزوزاً , محتفظاً بكمية الأسئلة التي تحيطه خوفاً من الازدراء أو الإقصاء أو التصنيف ! .
من يوكب ميلاد هذه البرامج هم من تقام عليهم التجارب , ينقسمون إلى ضحايا و مستفيدين , معلمين و مفسدين , منورِّين و مُظلِّمين , نريد أن نقلل الأضرار حتى لا يبنى عليها معرفة للجيل القادم , فالخطأ لا يجلب الا أخطاء أكبر وأفظع , مع الحرص على أن لا يمسّ حق الناس في التجربة والمعرفة , فصدقاً نحن بحاجة لمعرفة بعضنا , وفهمنا و احترام بعضنا لبعض , مع وضع الخطوط التعليمية للحدود التي يمكن للشخص استخدامها في البرامج لألا يعيش أسيراً في هاتفه و لا يعي مع الوقت أن تيسيره لنقل جميع تصرفاته و عالمه الخاص سهَّل الولوج إليه دون الحاجة إلى عناء الاختراق.
@2khwater

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني