#التحالف_العسكري_الإسلامي ردٌّ عملي على مشوهي صورة الإسلام بـجرائم الإرهاب

الثلاثاء ١٥ ديسمبر ٢٠١٥ الساعة ١:٠٩ مساءً
#التحالف_العسكري_الإسلامي ردٌّ عملي على مشوهي صورة الإسلام بـجرائم الإرهاب

قبل نحو 10 أشهر تقريباً، وبتاريخ 22 فبراير 2015، شهدت مكة المكرمة المؤتمر الإسلامي العالمي الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي تحت عنوان “الإسلام ومحاربة الإرهاب”، وعبر ذلك التوقيت المهم، أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته التي تلاها آنذاك بالنيابة أمير منطقة مكة المكرمة ومستشار خادم الحرمين الأمير خالد الفيصل، ضرورة “تشكيل منظومة إسلامية جماعية تتصدى لتشويه الإرهاب صورة الإسلام والمسلمين في العالم، وتدرأ خطره العظيم على أمتنا وعلى العالم أجمع، بوضع خطة استراتيجية فاعلة نلتزم بها جميعاً لمكافحة هذا الداء الوبال”.
ومنذ ذلك التاريخ حينما أكمل “سلمان الحزم” شهراً فقط منذ توليه الحكم في 23 يناير، أوضح أن “الإرهاب هو صنيعة الفكر المتطرف لجهال وعملاء أخذوا الفتيا الشرعية من غير أهلها، وحرّفوا النصوص الأصلية لخدمة أغراض هذا الفكر الدنيوية، وتهييج مشاعر النشء والعامة واستدرار عواطفهم الدينية”. كما أكَّد في كلمته، التي اعتبرها ذلك المؤتمر المهم وثيقة من وثائقه، على ضرورة تصدي العلماء والمثقفين لآفة الإرهاب، بكافة أنواعه وأشكاله وصوره، وأكد مضي المملكة وعزمها على التصدي لمنهج الإرهاب وأتباعه، ودعم الجهود الدولية في القضاء عليه.

تحالف جديد أكثر قوة وتأثيراً
والآن وبعد تلك الأشهر العشرة تقريباً، جاء دور السعودية لتعلن للعالم أجمع في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 15 ديسمبر، قبل انقضاء العام الميلادي الراهن، عن تشكيل تحالف آخر أكثر قوة وتأثيراً بعد التحالف العربي لعمليات “عاصفة الحزم” لإعادة الشرعية إلى اليمن بطلب من الرئيس الشرعي، إنه التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، الذي يضم حتى الآن 35 دولة إسلامية.
وبالفعل تشكّل التحالف من خلال 34 دولة أولاً، من خلال تعجيل إعلان البيان المشترك لدول هذا التحالف، ليكون مقره وغرفه عملياته في الرياض، وانضمت الدولة الـ35 وهي أوغندا بعد نشر البيان، والدول إلى جانب السعودية، هي: الأردن ومصر وتركيا والإمارات وباكستان وقطر والبحرين وبنجلاديش وبنين وتشاد وتوجو وتونس وجيبوتي والسنغال والسودان وسيراليون والصومال والجابون وغينيا وفلسطين وجزر القمر وساحل العاج والكويت ولبنان وليبيا والمالديف ومالي وماليزيا والمغرب وموريتانيا والنيجر ونيجيريا واليمن وأوغندا.
وهناك أكثر من 10 دول إسلامية أخرى أبدت تأييدها لهذا التحالف، وستتخذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن، منها إندونيسيا.

“التحالف” رد عملي على مهاجمي الإسلام
يعلم المسلمون حول العالم أن إلصاق “التهمة الجاهزة” لهم بشأن الكثير من عمليات الإرهاب لن تنتهي، ولن يكون المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب آخر من يتفوّه بحماقات مثل منع المسلمين من دخول أمريكا والدعوة لقتلهم جميعاً. لهذا كان تشكيل هذا التحالف العسكري لعدد بارز من الدول الإسلامية لحماية أراضيها من الجماعات الإرهابية (داعش والقاعدة وأخواتها)، هو أفضل رد عملي لهؤلاء، خصوصاً أن أراضي وممتلكات ومساجد المسلمين الأكثر استهدافاً من الإرهاب في العالم على الإطلاق.
وفي جلسات مؤتمر “الإسلام ومحاربة الإرهاب”، الذي أشرنا إليه، أكد المشاركون براءة الإسلام من الإرهاب، وأن ما يزعمه الإرهابيون ممن يتحدثون باسم الإسلام والمسلمين من مسوغات دينية لا علاقة لها برسالة الإسلام، التي تقوم على الوسطية والعدل والإحسان والرحمة بالناس، وتؤكد نصوصه الجلية على احترام حقوق الإنسان، ورعاية الكرامة الإنسانية، وصون حرمة النفوس والأعراض والأموال والممتلكات. كما اعتبر المشاركون إلصاق تهمة الإرهاب بالأمة الإسلامية ودينها وثقافتها، إساءة تعرقل نتائج الجهود المبذولة في معالجة هذه الظاهرة، وتتجاهل جهود المسلمين في التعاون الدولي وفي خدمة الأمن والاستقرار العالمي.
واستنكر المؤتمر ما تمارسه إسرائيل من جرائم في حق الشعب الفلسطيني، ودعا العالم إلى رفض إجراءاتها لتهويد القدس الشريف، وتدنيس المسجد الأقصى، ووضع حد للممارسات الإسرائيلية، واعتبارها نوعاً من الإرهاب، ومطالبة الأمم المتحدة بمعاقبة مرتكبيها.
وأكد المؤتمر أن الإرهاب لا دين له، وشدّد أيضاً على خطورة الإرهاب المنطلق من دوافع طائفية، مستنكراً ما يجري داخل إيران من انتهاكات لحقوق أهل السنة، وما يجري في العراق وسوريا واليمن على يد الميليشيات الطائفية، الذي يعتبر من نماذج الإرهاب المدانة.

ضربات باريس تكشف مشاكل العالم لمعالجة الإرهاب
الضربات الإرهابية التي ضربت قلب باريس، الشهر الفائت، كشفت عن قصور منهجي عالمي في معالجة جذور الإرهاب، وبات أن هناك حاجة بالفعل إلى استراتيجية عالمية واضحة لمكافحته تتعدى تنظيم مسيرات تضامن يشارك فيها عشرات القادة. ومن أهم رسائل اعتداءات “داعش” في باريس، أن الإرهاب ظاهرة دولية تحتاج إلى تكافل العالم أجمع، وأن مكافحته يجب ألا تقتصر على طرف دون آخر.
ومن دون معالجة الأسباب الحقيقية للإرهاب، فإن 13 نوفمبر الفرنسي الموازي لنسخة 11 سبتمبر الأمريكي يمكن أن يتكرر في بلدان أخرى، بغض النظر عن المنفذين وطريقة التنفيذ. لهذا كانت الدول الإسلامية أسرع في تحقيق التضامن من أجل مجابهة خطر إرهابي تعيشه أراضيها بشكل مستمر أكثر من غيرها، من خلال تشكيل التحالف العسكري الراهن، الذي لا يهتم فقط بأُطر تنسيق الجهود العسكرية لمواجهة الإرهاب، وإنما تطوير المحاربة فكرياً وإعلامياً.

المسلمون يعرِّفون الإرهاب وأسبابه على طريقتهم
ولنا أن نشير إلى جزئية مهمة، خرجت من مؤتمر الرابطة في مكة عن الإرهاب، في فبراير الماضي، حيث كان هناك تأصيل واضح لتعريف مفهوم الإرهاب، ومعرفة أسبابه، من وجهة نظر المسلمين المستهدفين بـ”تهمة الإرهاب” نفسها، جوراً وبهتاناً.
وبالفعل درس المؤتمر مفهوم الإرهاب، وناقش تعريفاته المتعددة، وأكد ضرورة الوصول إلى اتفاق دولي على تعريف للإرهاب، يكون شاملاً جامعاً، يستوعب أصنافه، ويضبط المفاهيم الملتبسة؛ منعاً لأي خطأ أو تحيُّز.
ورأى المؤتمرون المسلمون أن الإرهاب، هو “العدوان الذي يمارسه أفراد، أو جماعات، أو دول، بغياً على الإنسان؛ دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة، وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم؛ بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم، أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر”. كما رأى ضرورة التمييز بين الأعمال غير المشروعة بوصفها جرائم إرهابية والأعمال المشروعة طبقاً لمبادئ القانون الدولي، ومن ذلك رد العدوان وإنهاء الاحتلال.
كما ناقش المؤتمر أسباب الإرهاب، وتبين أنها متنوعة ومتشعبة ومتشابكة، ومن أهمها على المستوى العالمي: التحيز في التعامل مع قضايا العالم الإسلامي، والكيل بمكيالين، وعدم تحقيق العدالة ورفع الظلم عن الشعوب المستضعفة، والرضا أو السكوت عن سياسات الظلم والتجويع والحصار والتدمير والقتل بلا محاسبة ولا محاكمة.
ومن الأسباب على مستوى المجتمعات الإسلامية: الانحراف الفكري في المفاهيم الشرعية ومتعلقاتها كالجهاد والتكفير والحاكمية والولاء والبراء ودار الإسلام ودار الحرب وما يتعلق بذلك من أحكام ينبغي الرجوع فيها إلى العلماء الربانيين المؤهلين، وتجاسر الجهلة والمغرضين على الطعن في العلماء المعتبرين واتخاذ أنصاف المتعلمين مراجع في فقه الدين ورؤوساً في الفتوى فأفتوا باستباحة الدماء والأموال المعصومة والخروج على الحكام بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير فضَلّوا وأَضلوا، تصاعد التعصب الطائفي الذي أجَّج مشاعر الكراهية وأثار العداوات التاريخية وجرَّ المسلمين إلى فتن خطيرة وأدى إلى افتراقهم إلى فئات متناحرة.