فطن أبعد من الفطنة نفسها!

الإثنين ١ فبراير ٢٠١٦ الساعة ١٢:٣٢ مساءً
فطن أبعد من الفطنة نفسها!

قالت لي إن إحداهن بعد برنامج “فطن” عرفت طريق المحكمة وخلعت زوجها الذي عانت منه لزمن تحت سطوة الخوف والرعب من الأهل والمجتمع والمستقبل المجهول لامرأة منفصلة تتبعها التهم في مجتمع يجيد صناعة التهمة قبل الإشاعة. وأخرى تقول: بعدما قرأت في فكرة فطن وحضرت محاضرة عنه سحبت جوالي من حقيبتي وكتبت لأخي الذي انقطعت علاقتي به بسبب قطعة أرض لسنوات: “وحشتني يا سندي”! ولا أخفيك كيف ذابت كل سنين الجفاء بين قوسي الكلمتين وعدنا لطاولات الفرح والصلة والعائلة.
وثالثة تقول لي: بعد برنامج فطن ثقفت جيداً كيف تكون الحقوق منزوعة باحترام قوانينها وليست منحة يتفضل بها الآخرون علي!
هذا هو برنامج فطن الذي يحتاجه المجتمع في فهم العلاقات الإنسانية والحقوق الفردية وتحديد الأهداف ومعرفة خارطة القوانين على المستوى المجتمعي والشخصي. ولكن للأسف ما يحدث عند مَن هاجم البرنامج في فهمهم المحدود له بأنه فكرة دينية متشددة داعشية لا تُقدم للمجتمع غير تربية أخرى لمنهج داعش، بينما البرنامج أبعد من ذلك، إذ إنه يقوم على منهج ” الوقاية”، الوقاية من الضباب حين يحول في الرؤية بين الحق والواجب، الوقاية من العمى حين تمضي عصانا مع القطيع دون حول ولا قوة منّا، الوقاية من الفكرة الدسيسة حين تبرق بالبلاغة بين سطور الفصاحة، الوقاية من الشيطان حين يبدو إنساناً، الوقاية من الإنسان حين ينسى إنسانه، الوقاية من حمامة السّلام خدعة السلام.
برنامج فطن هو للحماية لا الوصاية، والفرق بين الحماية والوصاية فرق شاسع لكن هناك خيط رفيع بينهما في التطبيق والفهم عند العامَّة، فكثير منا ينصب نفسه محل المحامي عن الآخر بينما هو يقوم بمقام الوصي بفرض وصايته على الآخر وتأطيره بإطاره الذاتي. فبعض الآباء عندما يقومون بحماية أبنائهم هم يتوقعون ذلك ولكنهم يقعون في شِباك الوصاية ويفرضون وصايتهم الفكرية والاقتصادية والتربوية على أبنائهم، فيمسخون شخصياتهم مسخاً تاماً فتنقلب الحماية إلى وصاية. وكذلك المعلم وهو يعطي معلوماته لا يكتفي بذلك فينبه طلابه بطريقة وأخرى على تأكيد أفكاره المؤمن بها من أجل حمايتهم، وهو في الحقيقة يفرض وصايته الفكرية ومنهجه الفكري من باب الحماية دون أن ينتبه على أنه يفرض وصايته الفكرية.
إن برنامج فطن لو طُبق بطريقة تدريبية صحيحة سوف يعلم أولادنا كيف يحمون أنفسهم دون وصاية من الآخرين، كيف تكون الحماية معهم بعيداً عن جلباب الوصي الذي يفرض على الآخرين وصايته تحت أي مصطلح برّاق من مصطلحات الخوف عليهم، كيف يؤثثون أفكارهم الخاصة دون تيار دخيل حتى لو كان المصدر أهل الثقة، كيف يتجردون من الآخرين وبوصلة تحكمهم، ومن جهة يعلمهم كيف تُحترم أفكار وحقوق الآخر دون تجاوز منهم.
[email protected]

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني