خطيب الحرم: العلم والعمل يرتبطان أوثق رباط بالدعوة

الجمعة ٢٩ أبريل ٢٠١٦ الساعة ٤:٢٣ مساءً
خطيب الحرم: العلم والعمل يرتبطان أوثق رباط بالدعوة

أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن .
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم من المسجد الحرام : إذا أُطْلِقَتِ الدَّعْوَةُ في المحيط الإسلاميِّ : لم يُرد بها إلا الدَّعوةُ التي سَعِدَتْ بها البشريَّةُ بعدَ أنْ غشيَتْها غواشي الباطلِ، والتبسَ عليها الحقُّ حينًا من الدَّهرِ، فكانَ لإشراقِ دعوةِ الإسلامِ عليها، وامتدادِ رِواقِها ، أثرُ البَلْسَمِ النَّاجِعِ الذي تبرَأ به العِلَّةُ، ويُشْفَى به السَّقيمُ بإذن الله , وكذلك كانتْ دعوةُ الإسلامِ حينَ عالجَتْ أدواءَ القلوبِ، فانشرحَتْ بها بعد الضِّيقِ، وارتفعَتْ عنها الآصارُ والأغلالُ، ومَضَتْ مُهتديَةً بنورِ اللهِ، مُتَّبِعةً سبيلَه مستشهداً بقوله تعالى : (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى ، نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ، فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ , أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) .
وأضاف فضيلته قائلاً : إن اللهُ أحيا المؤمنَ بأنْ قذفَ في قلبِه نورَ الإيمانِ يهديه إلى الجادَّةِ، ويُبصِّرُه بمواضعِ قدَمَيْهِ، فلا يضعُهُما إلا على هدى وبصيرةٍ، يأمَنُ بهما العِثَارَ، وينجو منْ انزلاقٍ إلى هُوَّةِ الضَّلالِ البعيدِ كما فتح اللهُ لدعوةِ الإسلامِ أعيُنًا عُمْيًا، وقلوبًا غُلْفًا، وعقولاً أفسدَها التقليدُ للباطل، فاندفعَتْ تجوبُ الآفاقَ داعيةً إلى الإسلامِ، تمُدُّ رِوَاقَهُ، وترفعُ لواءَهُ، وتستميتُ في الذَّوْدِ عنهُ، وتقفُ مُعلنةً للعالمينَ ، أنَّ اللهَ ابتعثها , لِتُخرِجَ مَنْ شاءَ من عبادةِ العِبادِ إلى عبادةِ اللهِ، ومِنْ ضيقِ الدُّنْيا إلى سَعَتِها، ومِنْ جَوْرِ الأدْيَانِ إلى عَدْلِ الإسلامِ .
وأوضح أن الإسلام بلغ في عصوره الأولى على أيدي الدُّعاةِ إليهِ أمدًا بعيدًا في الانتشارِ والظُّهورِ، وتفتَّحَ الوَعْيُ لدعوته الغرَّاء من الأمم كافةً، معَ أنَّهُ لم يكُنْ لديهم من الوسائلِ لهذا المدِّ سوى بَذْلِ الجُهودِ في إشاعةِ الخيرِ، والهدايةِ إلى صراطِ اللهِ المُستقيمِ، من طريق القدوة الحسنة المتأثرةِ بهَدْي النُّبُوَّةِ، السَّائرةِ على طريقِ الكتابِ والسُّنَّةِ، الجامعةِ بينَ الإيمانِ الرَّاسخِ العميقِ، الذي خالطَتْ بشاشتُهُ القلوبَ، وبينَ الفقهِ الدقيقِ الذي يضبِطُ حَرَكَة الحياةِ.
وبين فضيلته أنه كانَ في صحابةِ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مَنْ لا يتجاوَزُ في تعلُّمِه العَشْرَ من آياتِ القُرْآنِ، حتَّى يَعِيَ معناها، ويعمل بمدلولها ولقد كان لهم-رضوان الله عليهم- في قول ربِّهم سُبحانه: (وَالْعَصْرِ , إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ , إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) , ما يرسُمُ الوِجْهةَ الصحيحةَ السَّليمةَ لحياةٍ يتجافى فيها المؤمنُ عن زُمْرَةِ الخاسرينَ؛ إذْ تُوَجِّهُ الأنظارَ إلى أمورٍ مترابطةٍ بوثيقِ الرِّباطِ؛ فلا يُغني التزامُ بعضها دون البعض الآخرِ.
وقال : في طليعتِها: الإيمانُ، ثمَّ العملُ، ثمَّ الدعوةُ، مُفتَتَحةً ومُؤسَّسةً على ما يُعلَم بالضرورة من دين الإسلامِ، كتوحيدِ اللهِ –جلَّ جلالُهُ- في ربوبيَّتِهِ، وأُلُوهِيَّتِه، وفي أسمائه وصفاته، ثُمَّ التَّواصي بالصَّبْرِ، الذي هو عُدَّة الداعي، والمَدْرَج الذي يصل به إلى الغايةِ في امتدادِ دعوة الحقِّ والهُدى واتِّساعِ رُقعَتِها، مهما كلَّفه ذلك من مشاقٍّ، ومهما تحمَّل في سبيل ذلك من صِعابٍ، ولا يكونُ إيمانٌ إلا بعلمٍ، ولا يستقيمُ علمٌ إلا بعملٍ، والعلمُ والعملُ يرتبطانِ أوثق رباطٍ بالدَّعوةِ، والصبر عليها أو على الأذى في سبيلها، فالإيمان الناشئُ عن العلمِ باللهِ وبدينه هو الحافزُ لصاحبِهِ إلى انتهاجِ سبيلِ اللهِ؛ امتثالاً لأمرِ اللهِ القائلِ: (وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ?ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِه لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) والقائلِ مُوَجِّهًا نبيَّهُ –صلواتُ الله وسلامه عليه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
ولفت فضيلة الشيخ الدكتور الخياط إلى أن الإيمان هو الذي يَحفِزُهُ إلى إشاعةِ الحقِّ، والعمل به، والدَّعوةِ إليه، يرسُم بذلك طريقَ الفَضِيلَةِ والصَّلاحِ، ويحُثُّ غيرَهُ على سُلوكه بمُختَلِف الوسائلِ، التي تأتي في الطليعة منها: السيرةُ الخَيِّرةُ، والمَسْلَكُ الرَّاشِدُ، الذي يلتزمه هذا المؤمنُ المُسدَّدُ؛ إذْ القدوةُ الصَّالحةُ، والأُسوةُ الحسنة هي: الضِّياءُ المُشرِقُ، والكَوْكَبُ اللَّامِعُ، الذي يجذِبُ إليه الأبصارَ، ويحمِلُ إلى الاقتباس منه، والاستنارةِ به، والاهتداءِ بضيائه. وذلكَ شأنُ من دعا إلى الله على بصيرةٍ؛ مُتَّبِعًا نَهْجَ القُرآنِ، في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ذلك النَّهجُ الربَّانِيُّ الذي أمر به اللهُ نبيَّهُ-صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فقالَ: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) , ومُقتفيًا أثرَ خاتَمِ النبيِّينَ، وإمامِ المُرسَلينَ، في: خَفْضِ الجَناحِ، واللِّينِ، والرِّفْقِ، الذي بيَّنَ-صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه- حُسْنَ عاقِبَتِه، وجَمِيلَ آثارِهِ، بقولِهِ: “إنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ منْ شيءٍ إلا شانَهُ” أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وبقوله لعائشة-رضي الله عنها- : “مهلاً يا عائشةُ؛ إنَّ الله رفيقٌ يُحبُّ الرفقَ في الأمر كلِّه” أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وزاد مسلمٌ: “ويُعطي على الرِّفق ما لا يُعطي على العُنف، وما لا يُعطي على ما سواه”.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام : إنَّ فيما جاءَ من الأجر الضافي، والجزاء الكريم، لدُعاة الهُدى، وحَمَلَة مشاعل الفضيلةِ، الواردِ في مثل قوله-عليه الصلاة والسلام – : “مَنْ دَعَا إلى هُدى، كان له من الأجرِ مثلُ أجور مَنْ تَبِعَهُ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، وَمَنْ دعا إلى ضلالةٍ، كانَ عليه من الإثمِ مِثْلُ آثامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنقُصُ ذلكَ من آثامهم شيئًا” أخرجه مسلمٌ في صحيحه، وأصحاب السنن، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ,وكذلك الواردُ في مثل قوله-صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه- لابن عمِّه عليٍّ بن أبي طالبٍ-رضي الله عنه: “لأنْ يَهْدِيَ اللهُ بكَ رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمُر النَّعَم” أخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي-رضي الله عنه.
وأشار إلى أنَّ في هذا البيانِ النبويِّ -من التوجيه إلى عِظَمِ ثوابِ الدُّعاةِ إلى الله على بصيرة، وحسن مآلهم، وجميل آثارهم، ومسيس الحاجة إلى دعوتهم – ما يحملهم على كمالِ الإقبال عليها، وتمامِ العنايةِ بأمرها، والرِّعايةِ لحقوقها، وتحمُّل المشاقِّ، والصبرِ على الصِّعابِ، في سبيل القيام بها، وأدائها على الوجه الذي يُعْظِمُ اللهُ به الأجرَ، ويَرْفَعُ به الذِّكْرَ، ويُعْلي به القَدْرَ .
وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي, المسلمين بتقوى الله عز وجل .
وقال ” إن الله تعالى جعل في كل قلب شغلاً وأودع في كل قلب هماً وخلق الإرادة للإنسان يفعل إذا أراد, وإرادة الله تعالى فوق كل إرادة ومشيئة, قال تعالى (( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) .
وأوضح فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم, أن الموت نهاية كل حي في هذه الأرض وإن الله تعالى كتبه حتى على الملائكة, مستشهدًا بقول الله تعالى (( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )) ” .
وبيّن أن الموت آخر الحياة الدنيا وأول الدار الآخرة, إذ به ينقطع متاع الحياة الدنيا, فالميت يرى بعد موته إما النعيم المقيم أو العذاب الأليم, مشيرًا إلى أن الموت آية من آيات الله الدالة على قدرة الله تعالى وقهره لمخلوقاته, قال جل من قائل (( وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظةً حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون )) ” .
وأفاد الشيخ الحذيفي أن الموت عدل من الله تعالى تستوي فيه كل المخلوقات, قال جل في علاه (( كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون )), فالموت قاطع اللذات وينهي من البدن الحركات, يفرق الجماعات, ويحول دون المألوفات, وأن الله تعالى تفرد به مع الحياة, قال تعالى (( وهو الذي يحي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون )), فلا يمنعه بواب ولا يدفعه حجاب و لا يغني عنه مال ولا ولد ولا أصحاب ” .
ولفت إمام وخطيب المسجد النبوي الانتباه إلى أن الموت لا ينجو منه صغير ولا كبير, و لا غني ولا فقير, قال الله تعالى (( إينما تكونوا يدركّم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )), وقال تعالى (( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )), فهو يأتي بغتة بأجل, قال الله تعالى (( ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون )) .
وقال فضيلته : ” إن الموت لم يستأذن على أحد إلا الأنبياء لكرامتهم على الله, ففي الحديث ( ما من نبي إلا خيره الله بين الخلود ثم الجنة أو الموت فيختار الموت لما عند الله من الثواب الأعظم ” .
وأضاف إمام وخطيب المسجد النبوي قائلاً : ” إن مشيئة الله تعالى أن يخرج ابن آدم من الموت ليقطع علائقه منها, عن أنس رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما أحد له عند الله منزلة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة ), وأن للموت ألم لا يقدر أحد أن يصفه لشدته فالروح تنزع, قالت عائشة رضي الله عنها رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت عنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول اللهم أعني على غمرات الموت وسكرات الموت ) ” .
وأوضح فضيلته أن من نسي الموت قسى قلبه, وساء عمله, وأن تذكر الموت هو من أعظم المواعظ, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أكثروا ذكر هادم اللذات ), مشيرًا إلى أن الاستعداد للموت بكتابة الوصية وأن لا يفرط في ذلك وتلقين المحتضر الشهادة برفق ولطف .