في رِحاب الفكرة

الجمعة ١٢ أغسطس ٢٠١٦ الساعة ٥:٥٦ مساءً
في رِحاب الفكرة

عندما أغوص في أفكاري، أقربها بالميكروسكوب، أصورها من الداخل، أفككها وأفتتها، وأبحث في الروابط فيما بينها، أصِل في النهاية إلى أني لست على ما يرام، وأنني أحتاج إلى طريق طويل لأصِل إلى المقصود.

التجرد أماني، والفكرة التي لم تُطهر من نوازع النفس وآفاتها وضلالاتها، ماذا نستفيد منها؟، هل من سبيل قويم يبعث الطمأنينة في أنفسنا لما نكتب؟.

فكروا معي، عندما تشع النفس الوثابة تطلق معها أحلامها وأمانيها وأفكارها وتطلعاتها وتراهن عليها، ولكن هل تستمر؟، لابد وتنجلي، وتشع النفس المحبطة وتأتي بآفاتها وضلالاتها ومثبطاتها وبكل ما حوت، وتنهال كالسيل العرِم، ومن يستطيع إيقافها إلا أن تُشع نفس أخرى أكثر تفاءلاً ورحابة، ويا كثرة الأنفس وتقلباتها، وتنوع أسبابها ومسبباتها.

ومن يدلني بعد ذلك عن الأفضل والأجدر، بأن يُحاك للناس ويصاغ لهم، لتوضيح مسألة أو التنبيه عن أمر غائب؟!.

الحقيقة أننا منحازون لذواتنا، شئنا أم أبينا، ومهما بذلنا من جهد فإننا لا نزال كذلك، ولكن ما السبيل الأقوم لتقوية الروابط بيننا وبين صلاح الفكرة ونزاهتها؟، بلا شك أن تقوى الله والصدق مع الذات هو أقوم سبيل إلى ذلك، وإن أي حديث عن الصواب ليس التُقى من أولوياته لا يعدو كونه مضيعة للوقت، لا طائل منه.

ولكن مهلاً، هل هذا كل شيء؟، استحالة أن يكون ذلك كافياً لصفاء نبع الأفكار وخلاصة من الشوائب والمكدرات، ولكنه لا زال يحتاج إلى مرشحات ثقافية تزيده صفاءً وعذوبة؛ بمعنى أن تطوير الذات وبناءها على المستوى الثقافي أو المعرفي أمرٌ لا محيد عنه لتطوير أنفسنا كتابياً وإكسابها قدراً أعلى من المصداقية، ولكن ذلك لا يتم إلا بتسليط الضوء على جانب من جوانب المعرفة والانغماس فيه، بما يتناسب مع الميول والاهتمام، لأن طَرق الأبواب الكثيرة والانشغال بالمتفرقات يُورث التشتت والضياع، ولا يؤهل صاحبة للإبداع والابتكار والتطوير، كما أنه ملاذ للأفكار التي لا تضيء لصاحبها طريق، ولا تنير مسألة.

ومهما يكن، فإنه لا يزال أمامنا طريق طويل نصنع من خلاله أفكارنا، لذلك ينبغي أن نكون لطفاء رحماء مع الفكرة، فلا نسلقها سلق العجول، وفوق ذلك نتْصِف بخُلق التواضع، فلا نظن أنفسنا أكثر حكمة من غيرنا، لأن ذلك في علم الله وحدة.

جملة القول، أن الفكرة تنبثق من تراكيب وتفاصيل معقدة، ولكن حديثي هنا ارتكز على أهم سببين يقرباننا من الصواب ويبعداننا عن الخطأ، عندما تلمع الأفكار في أذهاننا، حيث تكون أكثر استضاءة ونوراً، وتكون النتائج المترتبة عليها أكثر مدعاة للسعادة والفخر، ومجلبة للخير والفائدة، وهي – السببان – التقوى والكفاءة المعرفية، والتي تضيء في ذهني الآية الكريمة (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين).

ولعلها تتهيأ لي فرصة قادمة بإذن الله، لأحلق في سماء الفكرة أكثر، وأقف على تفاصيلها وتعقيداتها التي تضعف احتمالية مناهزتنا للصواب، وترفع دافعيتنا نحو التواضع.

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • عصام هاني عبد الله الحمصي

    كلما ذادت المدارك الفكريه كلما أرتفع مستوى آداء الإنتاج للبلاد والعباد طالما المدرك أساسها القيم والأخلاق مقال جميل شكراً للكاتب .