إمام الحرم المكي داعيًا لمحاسبة النفس في نهاية العام: بالضعفاء يُستجلب رزق الله ونصره

الجمعة ٣٠ سبتمبر ٢٠١٦ الساعة ٧:٢٩ مساءً
إمام الحرم المكي داعيًا لمحاسبة النفس في نهاية العام: بالضعفاء يُستجلب رزق الله ونصره

المواطن – شريف النشمي – مكة

ألقى الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام، خطبة الجمعة لهذا اليوم، موصيًا المصلين بتقوى الله، موضحًا أن من علامات توفيق الله لعبده، تيسير الطاعة، وموافقة السنة، وحسن الخلق، وبذل المعروف.

واستهل بن حميد خطبته، قائلاً: أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله- رحمكم الله- فالدنيا دار ممر، والآخرة هي القرار والمقر، فتزودوا من ممركم لمقركم، فقد رحل الراحلون وسترحلون، وتركوا الأهل والأموال والديار، وستتركون، وقدموا على ما قدموا وستقدمون، ووقفوا على أعمالهم وستقفون، وقد سُئلوا وسوف تسألون، فجدّوا وبادروا فسيأتيكم ما توعدون، يوم ينفخ في الصور، ويبعث من في القبور، ويحصل ما في الصدور، ويكشف المستور، قال تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون (68) وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجاء بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون (69) ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما تفعلون (70)).

وأضاف، معاشر المسلمين في ختام عام واستقبال آخر، يستعذب الوقوف من أجل المحاسبة والنظر في حساب المكسب والخسارة، ومن أحسن فليحمد الله، وليستزد فخير الزاد التقوى، ومن قصر فليستدرك، فلا يزال في الأجل فسحة، ويتوب الله على من تاب.

وقال إمام الحرم المكي معاشر الأحبة في مراجعة جادة ونظرة صادقة لأوضاع الأمة وأحوالها، تأملوا قول الله عز شأنه: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). المسلمون لم يفتحوا أرضًا إلا بذكر الله، ولم تقم لهم دولة إلا على منهج الله، ولم تغز ديارهم إلا بالغفلة عن الله، والتنكب عن صراط الله، والتقصير في حقوق عباد الله. وهذه وقفة مع صورة من أحوال الأمة ووضع بعض فئاتها والنظر في حقوقها، بل هذه الفئة هي- بإذن الله- باب النصر، ومستجلب الرزق. كما صحت بذلك الأخبار عن النبي المصطفى المختار- صلى الله عليه وسلم-. يقول نبيكم محمد- صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري- رحمه الله: “وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم”.

وقال: إن الضعف حالة ملازمة لكل البشر، فالإنسان خلق من ضعف، وهو إلى الضعف صائر، فلقد قضت سنة الله في الطبيعة البشرية أن كل إنسان في هذه الدنيا لا بد أن يمر بحالات من الضعف، ووهن القوى، والحاجة إلى الآخرين، ويكفي العاقل النظر في حال الإنسان وتدرجه ونموه، فهو يولد ضعيفًا محتاجًا إلى من يهتم به ويرعاه، ثم يكبر فيمنحه الله القوة ليرد الجميل إلى من اهتم به ورعاه، ويشكر النعمة، ثم يرد إلى حال الضعف مرة أخرى.

وأشار إلى أن الضعفة، والضعاف، والضعفاء، أسماء وألقاب لصور غير محصورة، وفئات غير محدودة، الضعفاء والمستضعفون هم ذوو الحاجات غير القادرين، من الفقراء، والمساكين، والمرضى، والغرباء، وأبناء السبيل، واليتامى، والأرامل، والأيامي، والموقوف عليهم في الأوقاف، والموصى لهم وبهم في الوصايا، والمظلومين، وأصحاب الحقوق، من العمال، والأسرى، والأجراء، وذوي الاحتياجات الخاصة، والواقعين في الكوارث، والنكبات، والمشردين، والمهاجرين صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً. ممن لا يستطيع الوصول إلى حقه بنفسه، إما لعجز، أو بسبب قوة الظالم وجبروته من أصحاب الولايات، والوظائف في السلطات، والأوقاف، والوصايا، وغيرها. قال تعالى: (وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء)، وقال تعالى: (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر). وفي الحديث: “ألا أخبركم بأهل الجنة، كل ضعيف مستضعف، لو أقسم على الله لأبره”. رواه البخاري والضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة لا يركنون إلى مالٍ، ولا يأوون إلى جاهٍ، يعلمون حق العلم، وموقنون حق اليقين أن كفايتهم ورزقهم ونصرهم من عند الله، وأنهم في غاية العجز، فتنكسر قلوبهم، وتتوجه إلى الله ثقتهم، ويصدق على الله اعتمادهم، ويكون بالله طمعهم، فينزل الله لهم من نصره، ورزقه ما لا يدركه القادرون.

وأضاف أن الله يفتح للقادرين بسببهم من أسباب النصر والرزق والصلاح والطمأنينة ما لم يخطر لهم على بال، ولم يدر لهم الخيال، ولله جنود السماوات والأرض، الملك ملكه، والأمر أمره، والتدبير تدبيره، والكل تحت قهره، لا إله إلا هو. وبعد- حفظكم الله- النصر بالضعفاء، والرزق بالمستضعفين عدة تدخر، ووعد لا يخيب، بنصرهم وحفظ حقوقهم وحسن إيمانهم وتوكلهم يدفع البلاء، وتتسع الأرزاق، ويبارك في الأموال، والأعمار والأوقات، وتنتصر الأمة، وترفع الغمة بإذن الله ذي الجبروت والعزة. فمن راضاهم، واسترضاهم، وقام على خدمتهم، وقضى حوائجهم، وسعى في شؤونهم، ورفع الحرج والمعاناة والظلم عنهم، رزقه الله وأعانه ونصره وأيده وحفظه ووفقه وسدده، وأنزل عليه بركته وزاده من فضله، فالضعفاء ليسوا عبئًا على الأمة، بل هم سندها، ومصدر عزها وقوتها ونصرها ورخائها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشى يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين (52)).
وأشار إلى أن دين الإسلام يولي كل من يعاني أي حال من أحوال الضعف اهتمامًا كبيرًا، وأن الأمة التي لا تشعر فيها الضعفاء من الفقراء والمساكين والعجزة والمظلومين والمكلومين من الأرامل واليتامى والأيامي والغرباء وابن السبيل يشعرون بمكانتهم وأهميتهم واهتمام أصحاب المسؤوليات بهم هي أمة الرحمة، والعزة، والتكافل، والإنسانية، وهي المرزوقة المنصورة المحفوظة.
وختم بقوله: ألّا فاتقوا الله- رحمكم الله- والحذر الحذر من خذلانهم، أو استنقاصهم واحتقارهم، أو السخرية منهم، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. فكيف إذا كان ضعيفًا مستضعفًا، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره.