اللحيدان في ندوة للتبادُل الثقافيّ بالصين: المسلمون يواجهون الاتهام بالإرهاب والإسلاموفوبيا حول العالم

الأحد ٢٥ سبتمبر ٢٠١٦ الساعة ٢:٣٢ مساءً
اللحيدان في ندوة للتبادُل الثقافيّ بالصين: المسلمون يواجهون الاتهام بالإرهاب والإسلاموفوبيا حول العالم

المواطن – الرياض

بتوجيه من وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ، بالعمل على تعزيز التواصل والتفاهم بين مختلف الثقافات والأديان، نظم برنامج التبادل المعرفي ندوة عالمية بعنوان: “التبادل الثقافي والتواصل بين الحضارات”، بالتعاون مع جامعة بكين، والملحقية الثقافية في سفارة المملكة العربية السعودية في الصين، وذلك يومي السبت والأحد، الثالث والعشرين والرابع والعشرين من شهر ذي الحجة 1437هـ، الموافق الرابع والعشرين والخامس والعشرين من شهر سبتمبر 2016م، بحضور عدد من الشخصيات الرسمية من أساتذة الجامعات، والكتاب، والمؤرخين، والإعلاميين، وعدد من ممثلي الأديان، والباحثين.

وقد بدأ حفل الافتتاح، بكلمة مدير جامعة بكين، عبر فيها عن سرورهم بتنظيم هذه الندوة المهمة، بالتعاون مع برنامج التبادل المعرفي، وعن التطور الملحوظ في العلاقات بين الحضارتين الصينية والإسلامية لخدمة البشرية.

بعد ذلك، ألقى المشرف على برنامج التبادل المعرفي بالوزارة، الدكتور عبدالله بن فهد اللحيدان، كلمة وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، عبّر فيها عن سرور الوزارة بعقد هذه الندوة بالتعاون مع جامعة بكين؛ لتحقيق فهم أفضل بين الثقافتين الإسلامية والصينية، متوجهاً بالشكر الجزيل للصين حكومة وشعباً على كرم الضيافة، وحسن الاستقبال.

وأوضح الدكتور اللحيدان، أن الإسلام دين رحمة للعالمين؛ حيث خاطب الله تعالى رسوله محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، قائلاً: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، مضيفاً أن الإسلام طالبنا ليس فقط بتحقيق السلام، بل بتحقيق الرحمة والتراحم بين الإنسان والإنسان، ورحمة المسلمين لا تختص بهم فقط، بل هي شاملة لهم ولغيرهم من المخلوقات في الدنيا، فقد أمر ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، أمته برحمة كل من أوجده الله تعالى على هذه الأرض، من إنسان ومخلوقات، كما روى عبد الله بن عمرو ـــ رضي الله عنه ـــ، قَال: قال رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، (ارحموا من في الأرض)، شاملة للإنسان مسلماً أو غير مسلم، ولباقي المخلوقات كذلك، وعلى هذا حمله العلماء.

وأكد حاجة عالمنا اليوم، إلى منهج التراحم الإسلامي ليعم السلام والأمن، مطالباً المسلمين اليوم الأكاديميين، والعلماء، والجمهور، والخطباء، وعامة الناس في الدول الإسلامية، وفي دول الأقليات على حد سواء، ألا يحملوا الكراهية والبغضاء في صدورهم تجاه الحضارة بحد ذاتها، فلا يوجد موقف سلبي تجاه الحضارة الغربية أو الشرقية أو تجاه المعرفة أو العلوم; فلا يوجد أي موقف سلبي تجاه أي إنسان كائناً من كان.

وتابع الدكتور اللحيدان، في كلمته يقول: إن على المؤسسات الدينية والثقافية ومنسوبيها في عصرنا الحاضر مسؤولية جسيمة للوقوف والتصدي لتيارات التطرف الداعية للعنف، وذلك بالتعاون البنَّاء والصادق مع الحكومات والمنظمات الدولية لمحاصرة الأفكار المتطرفة، ومحاولة بذل الجهد في دراسة الأسباب والدوافع الحقيقية لظاهرة التطرف، والعنف، والحروب، والإرهاب الذي يجتاح العالم الآن.

وفي هذا السياق، أكد اللحيدان، أن جهود المؤسسات الإسلامية في المملكة العربية السعودية، في محاربة الأفكار المتطرفة، أصبحت تجربة معروفة على مستوى العالم، حيث كان لمبادرات ودعم ومتابعة حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أكبر الأثر في النجاح الذي تحقق في البلاد في محاربة الإرهاب والتطرف؛ ونشر وإرساء قيم التسامح، والحوار، والسلام.

وأوضح أن التفكير الإسلامي ميز بين المجالين الحربي والسلمي، فلا يلجأ للخيار الحربي إلا عند الضرورة وهذا المنهج شرع الأبواب لعلاقة منفتحة مع الحضارات الأخرى، انطلاقًا من الآية الكريمة: {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}، ولذلك فإنّ نظرة المسلمين إلى الصين عبر التاريخ كانت نظرة إعجاب خاصة فيما يتعلق بتنظيم الدولة، والبناء السياسي، والحرف الدقيقة؛ حيث حصلت على اهتمام المؤرخين والرحالة العرب مثل: ابن بطوطة، والغرناطي، اللذين قاما بدراسة الصين، ونقل تجربتها في بناء الدولة والعلوم والحرف إلى العالم الإسلامي.

وقال: إن الصين بلد له حضارة قديمة ولذلك جاء في الأثر: (اطلبوا العلم ولو في الصين)، كما أنها تمتلك مقومات القوة الاقتصادية، والبشرية، والسياسية، والعالم الإسلامي دول نامية تتوافر لها مقومات القوة الإقليمية، كما تتفق الحضارتان الصينية والإسلامية بإيمانهما بالسلام العالمي، والاستقرار، والتنمية الشاملة المستدامة، وخدمة قضايا الأمن والسلام في العالم، ونحن على ثقة كبيرة بأنه بفضل الجهود المشتركة من قبلهما ستتقدم العلاقات إلى مستويات أفضل، وستعود بالمزيد من الخير على العالم.

وأبان الدكتور عبدالله اللحيدان، أن المسلمين واجهوا على مدار تاريخهم الطويل كثيرًا من التحديات الكبيرة، واليوم يواجه المسلمون والعالم تحديات ضخمة بسبب ظواهر مثل الإرهاب، والتخويف من الإسلام “الإسلاموفوبيا” والتي تؤدي إلى توترات غير مسبوقة، حيث إنها تأخذ الطابع الديني، وتقف عائقاً أمام أي تبادل علمي وتواصل ثقافي مما يجعل أثرها أكبر في السلام العالمي.

ومضى قائلاً: إن هناك أسباب كثيرة للفشل في التواصل بين الثقافات؛ منها الانطباعات المسبقة غير الصحيحة لدى العلماء، والمثقفين، وأساتذة الجامعات؛ فتَخرج كتابات تكون على قدر كبير من الارتجال، والبُعد عن الموضوعية والإنصاف والنزاهة؛ لأنها تقوم على افتراضات غير واقعية وتحليلات تعوزها المنهجية السليمة، واستنتاجات وهمية، تُبنى على معلومات غير موثوقة، غالباً ما تُستقى من وسائل الإعلام العالمية.

وأشار المشرف على برنامج التبادل المعرفي، إلى أن العواقب كانت وخيمة وما زالت، مؤكداً أن غالب السياسات والاختيارات المعتمدة عالمياً تأتي بعيدة عن الواقع، وتقوم على أساس غير سليم، تنبع من المفاهيم والنظريات وأفكار هي أبعد ما تكون عن حقائق الأمور، هذا بدوره غالباً ما يسبب الضرر بالتفاهم الحضاري، ويسبب المزيد من الأضرار وتؤدي في نهاية المطاف إلى اشتعال الأسباب التي تفضي إلى الحقد والأزمات؛ فتضيع نتيجة لذلك كله الحقوقُ، وتفوت فرص البناء المشترك لنظام عالمي إنساني، يرتكز على قواعد الرحمة والعدل والإنصاف، وتسود فيه قيم التسامح والتعايش.

واسترسل بالقول: إذا كنا نستطيع تحقيق فهم حقيقي للقضايا المشتركة يستند على أسس واقعية وملموسة وتحليلات منهجية سليمة لمجرى الأحداث والوقائع المستجدة بإرادة واعية وحكيمة منبثقة من تطلعات وآمال الشعوب، وإجراء تقييم دقيق لاحتياجاتها ومتطلباتها للنمو والتقدم والتنمية، واحترامهم لحقوقهم وسيادتهم على أوطانهم وخصائصها الدينية والثقافية وهويتهم الثقافية، إذا استطعنا تحقيق ذلك، فستختفي الكثير من التوترات فورا وتتلاشى.

وأوضح اللحيدان، أن العالم الإسلامي لا يكره الغرب ولا الشرق ولكنه يبغض السياسات الخاطئة، وإدامة الظلم، وتشويه صورة الإسلام والمسلمين وانتهاك حقوقه المشروعة، وإذا كان مطلوباً تقديم أي دليل على ذلك، فإن الإسلام لم يتصد لأي حضارة أرادت التواصل معه، بل والأكثر من ذلك فقد استفادت منه واستندت عليه وأضاف إليها، فقد هاجر العرب من شبه الجزيرة العربية إلى الخارج وتفرقوا واستقروا في كثير من الأراضي وتكيفوا مع الحضارات التي قابلوها وظهور مزيج من القيم الحضارية في كافة مجالات الحياة الإنسانية.

ودعا إلى نشر المنهج الإسلامي بالتراحم والسلام بين البشر وعلى المسلمين الأكاديميين، والعلماء، والجمهور، والخطباء، وعامة الناس في الدول الإسلامية أو في دول الأقليات على حد سواء أن يعملوا من أجل الرحمة والسلام بأن يكونوا عناصر بناء لمجتمعاتهم، ويبتعدوا تماماً عن العنف فـ(ما كان الرفق في شيء إلا زانه)؛ كما قال عليه الصلاة والسلام، وإن الأمل معقود على هذه الندوة العلمية التوصل إلى توصيات عملية تسهم في إشاعة ثقافة التبادل المعرفي الرشيد بين أتباع الأديان والثقافات وتؤدي إلى مزيد من التعاون بين الحضارات.

وقدّم الدكتور عبدالله اللحيدان ـــ في نهاية كلمته ـــ، شكره للباحثين وللمشاركين في هذه الندوة، ولجامعة بكين على ترحيبها وتعاونها في عقد هذه الندوة، وللملحقية الثقافية السعودية في الصين، كما وجّه الشكر لسفارة المملكة في بكين على كل ما أبدوه من مساهمة فاعلة، وتعاون مثمر لعقد هذه الندوة وإنجاحها، متمنيا للجميع حياة حافلة بالسعادة، والنجاح، وحسن الأثر.

ثم ألقى السيد يانغ فو تشانغ، نائب وزير الخارجية الصيني، كلمة أكد فيها على التشابه بين الحضارة الإسلامية والصينية، موضحاً أنه انتهى قريباً من جولة في الدول العربية لشرح موقف الصين من الأزمة السورية، ولقى كل تفهم في هذه الجولة، معرباً عن سروره بعقد هذه الندوة، وتزايد التبادل الثقافي بين الصين والمملكة.

وبعد ذلك، ألقى أحمد المولد نائب السفير السعودي كلمة سفارة المملكة في بكين، أعرب فيها عن شكره لجامعة بكين، مشيراً إلى التطور المستمر في العلاقات بين الصين والمملكة، ثم تطرق للمنهج الإسلامي الصحيح والمعتدل للمملكة، والداعي للتسامح والوسطية، موضحاً التشابه الكبير بين سياسة البلدين تجاه الكثير من القضايا العالمية، ودعوتهما لحل المشاكل الدولية بالطرق السلمية، ومن خلال المفاوضات.

وفي تصريح له بعد الندوة، أوضح المشرف التنفيذي على برنامج التبادل المعرفي، الدكتور عبدالله اللحيدان، أن الندوة تهدف إلى إيضاح الصورة الحقيقية للإسلام، وتصحيح الصورة المغلوطة عنه في وسائل الإعلام، بأنه دين وسطية ينبذ العنف والكراهية والتطرف بجميع أشكالها، وموقفه من الأديان والثقافات.

وأضاف أن الندوة تهدف كذلك إلى تعزيز التواصل الثقافي بين المهتمين بالدراسات الدينية في الصين، خصوصاً، والعالم عموماً، بما يحقق تفاهماً أفضل، وإبراز دور المملكة العربية السعودية بوصفها حاملة الراية الإسلامية الصحيحة القائمة على الوسطية والاعتدال، وإتاحة الفرصة للمنتمين إلى الثقافات والأديان الأخرى للاطلاع على حضارة الإسلام وثقافته، ومد جسور التفاهم والتواصل الحضاري، وفك حالة الاختناق المعرفي بين الأديان والحضارات، مبيناً أن البرنامج سبق أن عقد عدة ندوات عالمية في عدد من البلدان في أوروبا، وأمريكا، وآسيا.