كيف أصبحت الأرض كوكبًا أزرق؟

الجمعة ٢ يونيو ٢٠١٧ الساعة ٤:٢٥ مساءً
كيف أصبحت الأرض كوكبًا أزرق؟

«الأرض زرقاء كبرتقالة»: تلك صورة فاتنة وشهيرة للشاعر لوي آراغون. وفعليّاً، ربما تشبه الأرض برتقالة شكلاً، ولو بصورة نسبيّة. لكن، البرتقال ليس أزرق. يرجع للشعر نقاش الخطف اللامع الذي ربط البرتقال بالأزرق، أما في العلم فإن الأرض زرقاء للناظر إليها من أعالي السماء. إنه كوكب أزرق، بفضل المياه التي تغمر معظم سطحه، خصوصاً المحيطات والبحار.

إذن، تعود تسمية الأرض بالكوكب الأزرق إلى توافر عنصر المياه الذي يميّزها بين كواكب المجموعة الشمسية. هناك كميّات ضخمة من المياه السائلة تغطي 70 في المائة من سطحها، بل يجد الاختصاصيون صعوبات جمّة في شرح مصدرها (راجع «الحياة» في 29 كانون الأول /ديسمبر 2015).

ويعتقد كثيرون من علماء الجيوفيزياء أن تلك المياه، منذ بداية تشكل الأرض، كانت دائماً جزءاً من «عجينتها» الأولى التي تسمّى الـ «ماغما» وهي الصورة الأوليّة لكتلة صخور الكرة الأرضيّة. ثم أخذت هذه المياه تنبثق عبر الينابيع الجوفيّة الحارة والبراكين من أعماق الأرض كبخار حارق، فتشارك بقوة في تأسيس الغلاف الجوي للأرض.

وفي مرحلة تالية، حين ابترد الغلاف الجوي بما يكفي لتكثّف البخار، أخذت المياه بالهطول، فتشكّلت المستنقعات والبحيرات الأولى، ثم البحار والمحيطات. واكتشف العلماء في «غرينلاند» أقدم صخور رسوبيّة على الأرض، وهي صخور يفترض أنها تشكلت في أعماق المحيطات من الصدفيّات والهياكل العظميّة للكائنات. ويعود تاريخ تلك الصخور إلى 3.86 بليون سنة. وفي العام 1999، عثر العلماء في أستراليا على عنصر الـ «زيركون» ومشتقّاته، وهي معادن لا يمكن أن تبلور إلا في الماء، مقدّرين تاريخها بقرابة 4.4 بليون سنة، وفق نسبة وجود النظائر المشعّة في مكوّناتها المستقرّة. ووفق الفرنسي برنار مارتي، وهو باحث في «مركز نانسي لبحوث البترول والكيمياء الجوفيّة»، يعتبر ذلك الأمر دليلاً غير مباشر على أن كوكب الأرض كان يحتوي على كميّة كبيرة من المياه، بعد مرور ما لا يزيد على 150 مليون سنة من تشكّله.

 

القمر

في المقابل، لا يتقبّل كل علماء الجيولوجيا السيناريو القائل بوجود مياه أصلية منذ التشكّل الأول للأرض. ووفق فرانسيس ألباريد، وهو عالِم من «المعهد العالي» في «ليون» الفرنسيّة، كانت الأرض جافة تماماً عند ولادتها في تكوينها الأصلي. ويستدل على رأيه بجفاف صخور القمر. ووفق رأيه، لو كانت المياه في أصل تكوين الأرض منذ نشأتها، لوجب أن نجد الماء في الصخور على القمر الذي تكوّن من البنية الأرضية ذاتها إثر اصطدام الأرض بكويكب كبير، كما يرجّح معظم الفلكيّين.

ولا يقتصر الجدل على الرأيين السابقين. وهناك من يفترض أن المياه وصلت إلى الأرض عبر «القصف الثقيل» أو «القصف المتأخر»، والمقصود به السقوط المكثّف والطويل للنيازك والمذنّبات على الأرض منذ 3.9 بليون سنة.

ويقصد من ذلك القول أنّه بعد تشكّل الأرض بمائة مليون سنة، بدأت النيازك والمذنّبات في الهطول، بل استمرّت لما يزيد على مائة مليون سنة، وفق تقديرات معظم الفلكيين أيضاً.

ويدعم الرأي الأخير البروفسور يانيك ريكارد، الذي يعمل في «مختبر الجيولوجيا» في ليون الفرنسيّة، والبروفسور ديفيد بركوفيتشي، وهو أستاذ أكاديمي من جامعة «يال» في الولايات المتحدة. وكذلك يشير كلاهما إلى أنّ ذلك القصف النيزكي ربما ساهم في تشكل القارات أيضاً.