رئاسة أمن الدولة .. استشراف للتحدّيات ومأسسة للأداء وإدارة المخاطر

الخميس ٢٠ يوليو ٢٠١٧ الساعة ١١:٠٠ مساءً
رئاسة أمن الدولة .. استشراف للتحدّيات ومأسسة للأداء وإدارة المخاطر

تعيش المملكة عهدًا مفصليًا على المستويات كافة، يستلزم بالضرورة تسمية الأشياء بمسمّياتها الحقيقية، وإدارتها بطريقة مختلفة عن الأزمنة السابقة، لتواكب تحدّيات المرحلة المختلفة، لاسيّما في الجانب الأمني.

وأثبتت قيادتنا الرشيدة، قدرتها على استشراف المستقبل، من خلال إقرارها رؤية المملكة 2030، وقبلها إطلاق عاصفة الحزم، وبعدها عمليات إعادة الأمل، ليتأكّد القارئ أنّنا أمام مرحلة تعيد تشكيل وجه الملكة الداخلي والخارجي، وتزداد ثقته بأنَّ الأمن الداخلي شرط أساسي لاستمرارية مسيرة التنمية، واستكمال رحلة البناء.

حرصًا على أمن الوطن:

ومن هذا المنطلق، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ أيّده الله ـ أمرًا ملكيًا الخميس 20 تموز/يوليو الجاري، الموافق 26 شوال 1438 هـ، بإنشاء جهاز رئاسة أمن الدولة، الذي يرتبط برئيس مجلس الوزراء، مع فصل بعض الإدارات المتعلقة بمكافحة الإرهاب وتمويله عن وزارة الداخلية، وضمّها إلى أمن الدولة.

توصية الأمير نايف رحمه الله:

وجاء الأمر الملكي، باعتماد لتوصية رفعها الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز آل سعود، اقترح فيها تعديل الهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، بما يكفل فصل قطاع الشؤون الأمنية المتعلق بأمن الدولة في جهاز جديد، موضحًا أنَّه “نظرًا إلى أنَّ الحاجة أصبحت ملحة في الوقت الراهن للأخذ بذلك، ولأهمية الاستمرار في تطوير القطاعات الأمنية بالمملكة، وفق أحدث التنظيمات الإدارية لتكون على أعلى درجات الاستعداد لمواكبة التطورات والمستجدات، ومواجهة التحديات الأمنية كافة، بقدر عالٍ من المرونة والجاهزية والقدرة على التحرك السريع لمواجهة أي طارئ، أنشأ جهاز باسم رئاسة أمن الدولة”.

وأد لمخططات الإرهاب في مهدها:

وبعد اكتشاف خيوط الإرهاب الإيراني الداعشي القاعدي، التي التقت  جميعًا، بغية تقويض أمن المملكة العربية السعودية، بات الأمر جليًا بالحاجة إلى التفرّغ بغية التصدي لكل محاولات النيل من استقرار هذه الأرض المباركة، وهو ما تسعى الأوامر الملكية الصادرة اليوم الخميس لتنفيذه، إذ قرّر الملك سلمان فصل المديرية العامة للمباحث، وقوات الأمن الخاصة، وقوات الطوارئ الخاصة، وطيران الأمن، والإدارة العامة للشؤون الفنية، ومركز المعلومات الوطني، وكل ما يتعلق بمهمات الرئاسة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وتمويله والتحريات المالية، عن وزارة الداخلية، وضمّها إلى رئاسة أمن الدولة، وهو ما يعني بالضرورة، أنَّ أنشطة مكافحة الإرهاب، ستتلقى تركيزًا مكثّفًا من الجهد والتفرّغ بغية وأد المخططات لاستهداف الأمن السعودي في مهدها.

متطلبات العمل برئاسة أمن الدولة:

ويستدعي إنشاء هذا الجهاز الأمني الجديد، الذي لن يقتصر عمله على حدود أرض المملكة العربية السعودية، مراجعة الأنظمة والتنظيمات واللوائح والأوامر والقرارات التي تأثرت بهذا القرار، واقتراح التعديلات اللازمة.

كما يتطلب إنشاء رئاسة أمن الدولة، استكمال ما يلزم لتحديد الاختصاصات ونقل الأجهزة والإدارات والموظفين والوظائف الشاغرة والمشغولة والميزانيات والممتلكات والبنود والاعتمادات وغيرها.

لماذا رئاسة لأمن الدولة؟

تعيش المملكة مرحلة حساسة، بعد الكشف عن خيوط الإرهاب التي دعمتها جهات ، بالتمويل والتحريض، داخل المملكة العربية السعودية، والتي أضرّت بمناطق عدة، إثر استهداف عقول شبابنا بالدرجة الأولى بالفكر المتطرف تارة، والمخدّرات والمؤثرات العقلية تارة أخرى، وهو ما استدعى أن يكون هناك متفرّغون للعمل في مكافحة الآفات التي تسعى للنيل من أمن المملكة بأيدي أبنائها.

وتزداد السعودية إصرارًا في المرحلة الراهنة، على مكافحة الإرهاب ومحاربة الفكر المتطرف، وتجفيف منابع تمويله، إذ أكّد ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، أنَّ “الحرب على الإرهاب وكل من يدعمه ويموله لا بد أن تستمر وبكل حزم، ما يعكس بشكل كبير مدى الجدية التي تتعامل بها السعودية مع الجماعات الإرهابية، ويبرهن للعالم حزم المملكة، وقادتها، في مكافحة هذه الظاهرة الدموية، التي عبرت الحدود كافة.

التجربة السعودية في مكافحة الإرهاب:

وبما أنَّ من أبرز مهام رئاسة أمن الدولة، مكافحة الإرهاب، نعود قليلاً إلى الذاكرة، لنرى التجربة السعودية الناجحة في محاربة ظاهرة الإرهاب؛ التي تُعَد تجربة رائدة فاعلة بشكل كبير في معالجة جذور هذه الآفة العميقة، عبر جهود أمنية وفكرية، حظيت بإشادة دولية قبل أن تحظى بها محليًا.

ولا يزال المسؤولون السعوديون، يذكّرون العالم في كل مناسبة محلية وإقليمية ودولية، بخطورة ظاهرة الإرهاب في زعزعة واستقرار أمن الدول، ويوضحون مواقف المملكة الإيجابية، وقدرتها على مكافحة الإرهاب، ونجاحها في تجفيف مصادر تمويله ودعمه، وصدق دعوتها الموجهة للعالم من أجل الحد من هذه الآفة التي ابتُليت بها المجتمعات.

الملك سلمان: الإرهاب لا يفرّق بين حق وباطل

يذكر أنَّ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ رعاه الله ـ أكّد في رمضان الماضي، أنَّ “الإرهاب لا يفرّق بين الحق والباطل، ولا يراعي الذمم، ولا يقدّر الحرمات؛ فقد تجاوز حدود الدول، وتغلغل في علاقاتها، وأفسد ما بين المتحابين والمتسامحين، وفرّق بين الأب وابنه، وباعَدَ بين الأسر، وشرذم الجماعات”،

التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب:

ولأن السعودية تُعَد من الدول التي أولت مبكراً التصدي لظاهرة الإرهاب اهتماماً بالغاً على مختلف المستويات، وقامت بخطوات جادة في مكافحة هذه الظاهرة محلياً وإقليمياً ودولياً، وأسهمت بفعالية في التصدي لها وفق الأنظمة الدولية والأعراف والمواثيق؛ كللت تلك الجهود، بخطوة عالمية هي الأولى من نوعها، قادها الأمير محمد بن سلمان، الذي نجح في هندسة التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، بقيادة السعودية.

اعتدال:

وتابعت المملكة خطاها في محاربة هذه الآفة، عبر افتتاح خادم الحرمين الشريفين، المركز العالمي لمكافحة التطرف “اعتدال”، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وزعماء 55 دولة عربية وإسلامية؛ من ضمن مبادرة أطلقتها السعودية لمحاربة الإرهاب، والقضاء على الفكر المنحرف والأعمال الإرهابية.

عنف محلّي ودولي:

وتَصَدّت السعودية لأعمال العنف والإرهاب على المستويين المحلي والدولي؛ فحاربته محلياً وشجبته وأدانته عالمياً، وتَمَكّنت من إفشال أكثر من 95% من العمليات الإرهابية وفق استراتيجية أمنية حازت تقديرَ العالم بأسره، وسجّلت إنجازاً آخر تَمَثّل في اختراق الدائرة الثانية لأصحاب الفكر الضال، وهم المتعاطفون والممولون للإرهاب.

مكافحة الإرهاب مصرفيًا:

وعملت – عبر أجهزتها الرسمية الأمنية والمصرفية – على تجفيف منابع الإرهاب مالياً، واجتثاث جذوره من خلال إعادة تنظيم جمع التبرعات للأعمال الخيرية التي قد تستغل لغير الأعمال المشروعة، وفي ذات الإطار أعلنت السلطات السعودية أنها أغلقت أكثر من 200 حساب مصرفي في إطار جهودها الرامية لقطع تمويل التنظيمات الإرهابية، وأصدرت السعودية جملة من الأنظمة والتعليمات واللوائح لاستخدام شبكة الإنترنت والاشتراك فيها؛ بهدف مواجهة الاعتداءات الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني، إضافة إلى تنظيم الجهات المعنية لدورات تدريبية عديدة عن موضوع مكافحة جرائم شبكة المعلومات العالمية لتنمية معارف العاملين في مجال مكافحة الجرائم التي تُرتكب عن طريق الأجهزة الإلكترونية وتحديد أنواعها وتغليظ عقوباتها.