إفريقيا في كمّاشة تميم وأردوغان.. بين مؤامرات تنظيم الحمدين وستائر الإغاثة العثمانية

الثلاثاء ٢٦ ديسمبر ٢٠١٧ الساعة ١١:٠٦ مساءً
إفريقيا في كمّاشة تميم وأردوغان.. بين مؤامرات تنظيم الحمدين وستائر الإغاثة العثمانية

بغية المنافسة على القارة السمراء، تمضي تركيا بخطوات حثيثة، في ترسيخ نفوذها بإفريقيا، واستغلال قوتها الناعمة بجانب قوتها العسكرية لتصبح واحدة من المتنافسين الإقليميين على القارة الإستراتيجية، والسوق البكر، إلا أنها في الوقت نفسه، تسعى إلى إحياء الخلافة العثمانية، بغية الاستحواذ على قوّة إقليمية لم تعد في متناول يدها.

بينما يسعى تميم، بمؤامرات ممتدة وأجندة لا تخلو من سيناريوهات الفوضى، لتوطيد شباك إمارة قطر في القارة السمراء، فوضعت الدول الإفريقية على أجندة مؤامراتها، في محاولة لتفتيتها عبر تمويل ودعم الكيانات والتنظيمات الإرهابية، والاستيلاء على ثرواتها، وقبل ذلك كله تهديد أمن واستقرار الدول العربية، التي تشترك حدودها مع دول القارة السمراء.

التغلغل التركي في القارة السمراء:

ورفعت أنقرة، عدد سفاراتها في القارة السمراء، إلى 44 سفارة، عبر افتتاح خمس سفارات جديدة، لدى كل من: بورندي، وإفريقيا الوسطى، وليبيريا، وسيراليون، وغينيا الاستوائية، بغية فتح المجال أمام الحديث عن اتساع الدور التركي في إفريقيا، حيث بدأت أنقرة سياسة الانفتاح على القارة الإفريقية عام 1998، مع قدوم حزب العدالة والتنمية الحاكم.

واكتسبت السياسة التركية، زخمًا خاصًّا مع إعلان الاتحاد الإفريقي تركيا شريكًا إستراتيجيًّا عام 2008، إلى جانب عقد قمة التعاون التركي الإفريقي في العام نفسه بمدينة إسطنبول، لتدخل تركيا عام 2013 كلاعب أساسي في سياسة الشراكة الإفريقية.

وتبدو القيادة التركية حريصة على التواجد بقوة على خارطة التنافس الدولي والإقليمي على التغلغل والنفوذ في القارة الإفريقية، بين قوى تقليدية كأوروبا وأميركا، وقوى آسيوية ولاتينية صاعدة، مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل، ويأتي هذا فضلًا عن التنافس مع إيران وإسرائيل على الصعيد الشرق أوسطي.

تنظيم الحمدين يستهدف العمق الإستراتيجي للوطن العربي:

وتسعى الدوحة، للتواصل مع الدول الفقيرة، استغلالًا للحالة الاقتصادية الضعيفة، فالساحة الإفريقية هي العمق الإستراتيجي للوطن العربي.

ويتّجه النظام القطري، إلى تحقيق مصالح ضيقة مع دول القارة الإفريقية، في محاولة لاستغلال الحاجة الاقتصادية لتلك الدول، عبر المنظمات القطرية غير الحكومية، ذات السمعة الإرهابية، المترتبة على أدوارها السيئة، التي لعبتها في بعض البلدان وارتباطها بتنظيمات متهمة بزعزعة استقرار بلدان المنطقة.

لماذا تغزو تركيا إفريقيا؟

ينبع النفوذ التركي الآخذ في الاتساع بالقارة السمراء، من رؤية أنقرة الجديدة لنفسها منذ عام 2002، بأنها دولة مركزية ذات دور إقليمي ودولي فاعل، متخطيًا لحدودها، ومستندًا إلى سياسة خارجية متشابكة ومعقدة، فالجغرافيا تلعب دورًا في هذا الإطار أيضًا، بعيدًا عن كونها دولة تشطرها قارتا آسيا وأوروبا، فإنها ترتبط تاريخيًّا بدول شرق البحر المتوسط مدخل القارة السمراء، لتستحق لقب “إفرو- أورو- آسيوية”.

ويعزز الإستراتيجية التركية، ما تمتلكه إفريقيا من مقومات تغري الجميع، فهي ثاني أكبر قارة من حيث المساحة، ويزيد عدد سكانها عن مليار نسمة، 70% منهم في سن الشباب، كما أنها قارة غنية بالموارد الطبيعية والثروات البشرية غير المتكررة في أي مكان بالعالم.

ويأتي هذا فضلًا عن المنطلق الحضاري، عند محاولة البحث وراء دوافع الدور التركي التعاظم في إفريقيا، حيث تسعى أنقرة حاضرة الخلافة العثمانية، لتوظيف البعد التاريخي والديني الذي يميزها عن غيرها من المتنافسين الدوليين في كسب معركة الصراع من أجل النفوذ في محيطها العربي والإسلامي والإفريقي.

فطر تشتري العداوات:

وعلى الرغم من المحاولات المستمرة للدوحة لتقديم الدعم المادي لدول إفريقية، إلا أنَّ العلاقات لا تزال متوترة، باتهام عدة دول إفريقية للدوحة بزعزعة استقرارها، وهو ما دفعها لقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، مثل مصر وموريتانيا، إضافة إلى النيجر وتشاد والسنغال التي قامت باستدعاء سفرائها من الدوحة.

وبينما يسعى أردوغان، ذو التوجّه الإخواني، إلى إحياء الخلافة العثمانية، تشتري الدوحة العداوات، عبر تمويل الإرهاب، والفساد، ففي السنغال، تدخلت قطر لإطلاق سراح كريم عبدالله واد، نجل الرئيس السنغالي السابق عبدالله واد، المتهم في قضايا فساد وكسب غير مشروع، وحُكِم عليه في آذار/ مارس 2015 بالسجن ستة أعوام، وغرامة قيمتها 210 ملايين، الأمر الذي كشف عن سر العلاقة المشبوهة بين الطرفين.

وفي تشاد، تراجعت الدبلوماسية القطرية التشادية، منذ آب/ أغسطضس 2017، عندما أعلنت نجامينا إغلاق سفارتها لدى الدوحة، متهمة قطر بمحاولة زعزعة استقرارها، ومواصلة المحاولات الرامية إلى زعزعة استقرارها، عبر الأراضي الليبية، إضافة إلى التحالف مع إرهابيين تمولهم الدوحة في ليبيا، وآخرين ينشطون ضمن جماعة بوكو حرام جنوب تشاد.

وجاء التحرك القطري تجاه إفريقيا لأسباب عدة، فهي تتوسط الممرات الملاحية بين القارات، حيث تطل على مضيق جبل طارق، وقناة السويس، ومضيق باب المندب، ورأس الرجاء الصالح، ويحيط بها جزر تطل على المحيطين الأطلسي والهندي.

تصعيد قوّة أنقرة الناعمة دينيًّا:

من أبرز خطوات تركيا في هذا الصدد، الذي يعتبر أحد مصادر قوتها الناعمة الكامنة، استضافة مدينة إسطنبول مؤتمر “رجال الدين الأفارقة”، عام 2006، والذي ضم ممثلين عن 21 دولة إفريقية.

ويأتي الاقتصاد في مقدمة الدوافع التي تشكل الإستراتيجية التركية الجديدة تجاه إفريقيا، ذات الموارد الاقتصادية الكبيرة والمتنوعة، والأسواق الواعدة، والفرص الاستثمارية المغرية، إذ كانت “خطة إفريقيا”، التي أطلقتها تركيا عام 2005، منطلق هذا التوجه الاقتصادي.

وفي 2008 احتضنت إسطنبول قمة (تركيا- إفريقيا)، بمشاركة 49 دولة إفريقية، تُوجت بتسمية تركيا “شريكًا إستراتيجيًّا” للقارة السمراء من قِبل الاتحاد الإفريقي. ودُشن “إعلان إسطنبول للتعاون التركي الإفريقي”، و”إطار التعاون للشراكة التركية الإفريقية”، كما مُنحت تركيا صفة “مراقب” داخل الاتحاد الإفريقي، وأصبحت عضوًا في بنك التنمية الإفريقي منذ عام 2008.

من القوة الناعمة إلى الخشنة خطوة:

وافتتحت تركيا أكبر قاعدة عسكرية خارج حدودها في الصومال، لتنتقل من إطار القوة الناعمة إلى القوة العسكرية “الخشنة”، في علاقاتها مع إفريقيا، مدفوعة بتنافس إقليمي ودولي واسع على النفوذ في منطقة شرق إفريقيا، المطلة على مضيق باب المندب، بما له من أهمية إستراتيجية واقتصادية كبرى.

ستار العبور:

لا يمكن الحديث عن النفوذ التركي في إفريقيا، دون التطرق إلى المساعدات الإنسانية التي تقدمها الحكومة والمنظمات المستقلة، والتي تعتبر بمثابة بوابة العبور إلى القارة السمراء، بشعوبها قبل حكامها، إذ تمكّنت من خلالها أن تكسب قلوب وعقول البشر.

ويروّج الخطاب الرسمي التركي، لتلك المساعدات بشكل محترف للغاية، حيث يربطها بمنظور قيمي، ينبع من دور إنساني وإغاثي مفروض عليها كقوة كبرى، وليس أدلَّ على ذلك من تصريح الرئيس رجب طيب أردوغان خلال زيارته لشرق إفريقيا في 2014، عندما قال: “البعض جاء لإفريقيا من أجل الذهب، لكن تركيا أتت لإفريقيا لكي تضمّد الجراح”.

وتبوأت تركيا مكانةً مرموقة في مجال المساعدات الإنسانية الدولية خلال السنوات القليلة الماضية؛ ففي عام 2012 أصبحت رابع أكبر جهة حكومية مانحة للمساعدات الإنسانية في العالم، وأكبر مقدم مساعدة إنمائية غير غربي، خارج إطار لجنة المساعدة الإنمائية “DAC” التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “OECD”.

وفي مساعداتها الإنسانية لإفريقيا، تركز تركيا بشكل كبير على المساعدات الموجهة لقطاعات الصحة والتعليم والزراعة والمياه والصرف الصحي، باعتبارها الأكثر تأثيرًا واستدامة.

والفرق بين العمليات الإنسانية التركية والبلدان الأخرى، هو أنَّ تركيا تصدر رسالة مفادها أنها تنطلق في جهودها الإنسانية من بُعد قيمي وديني، ولا تتوقع الحصول على مقابل، في الجهود التي ساهمت في رسم صورة إيجابية للغاية عن الدور التركي في قضية المساعدات الإنسانية، ما انعكس على صورة كلية لتركيا في أذهان الأفارقة، بأنها دولة “خيّرة”، وليس لها مصالح شخصية أو أغراض خفية من وراء تقديم تلك المساعدات.

الاقتصاد قاطرة أخرى:

ويمرُّ قطار التغلغل التركي في إفريقيا، على محطة إستراتيجية أخرى، والمتمثلة في الاقتصاد، حيث تعمقت المصالح الاقتصادية التركية في إفريقيا، منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، إذ أثمرت الإستراتيجية الاقتصادية التركية المنفتحة على إفريقيا إلى زيادة التبادل التجاري بين الجانبين؛ من 3 مليارات دولار فقط عام 2002، إلى نحو 25 مليار دولار عام 2015، وخلال عشر سنوات ارتفعت الصادرات التركية إلى إفريقيا من نحو 1.7 مليار دولار أميركي في عام 2002، إلى نحو 14.1 مليار دولار في عام 2012.

وخلال العقد المنصرم، ارتفع نصيب إفريقيا من مجموع الصادرات التركية، لتصل إلى نحو 11%، الأمر الذي يؤشّر إلى أهمية إفريقيا المتزايدة بوصفها سوقًا واعدة للمنتجات التركية.

وعلى الصعيد الاستثماري، وصلت الاستثمارات التركية المباشرة في إفريقيا، وفقًا لتقديرات عام 2015، إلى نحو 6 مليارات دولار؛ منها 2.5 مليار في إثيوبيا، و500 مليون في جنوب إفريقيا، و160 مليون دولار في السودان، و60 مليونًا في نيجيريا.

بوابة جديدة:

وتسعى أنقرة إلى اختراق بوابة جديدة، عبر توقيع اتفاقات للتعاون العسكري والأمني، مع السودان، فضلًا عن أن تتولى تركيا لفترة محددة إعادة إعمار وترميم جزيرة سواكن، التي تكتسي أهمية رمزية وتاريخية كبرى لأنقرة.

ويسعى أردوغان، إلى ترميم الآثار العثمانية، معتبرًا الجزيرة، محطّة لحجاج ومعتمري تركيا، قبل الذهاب إلى الأراضي المقدّسة، في المملكة العربية السعودية.

وميناء سواكن هو الأقدم في السودان ويستخدم في الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة في السعودية، وهو الميناء الثاني للسودان بعد بور سودان الذي يبعد 60 كيلو مترًا إلى الشمال منه.