إمام المسجد النبوي: الأقصى بتاريخه وفضله يوقد مشاعر وحدة المسلمين

الجمعة ٢٩ ديسمبر ٢٠١٧ الساعة ٣:٤٤ مساءً
إمام المسجد النبوي: الأقصى بتاريخه وفضله يوقد مشاعر وحدة المسلمين

تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي، الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي في خطبة الجمعة عن معجزة الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، حين عرج به إلى السماء، مؤكدًا أن في هذه المعجزة تتجلى قدرة الله تعالى وعظمته، وصدق رسالة نبي الهدى، كما تتبيّن عظمة بيت المقدس ومكانته وقدسيته عند المسلمين، إذ قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}.

واستهل فضيلته خطبة الجمعة، مبينًا أن الله تعالى يمجّد نفسه ويعظّم شأنه لقدرته على ما لا يقدر عله أحد سواه، فتجلّت قدرته سبحانه في تلك الرحلة العجيبة والمعجزة الخالدة التي حيّرت العقول، وأذهلت الألباب؛ لأنها خارجة عن مألوف البشر، وهي الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في مسافة شاسعة، رأى فيه عظيم آيات الله وجلال ملكوت الربّ ثم عاد في نفس الليلة.

وقال فضيلته: إنها أعظم آيات النبوة وأجل معجزاتها، فيها حكم وأحكام، ودروس بليغة عظام، رحلة اختص الله بها خليلة وصفيه محمدًا صلى الله عليه وسلم من البيت الحرام إلى بيت المقدس موطن النبوات، وأولى القبلتين، تشريفًا لقدره وتعظيمًا لمكانه، وتجديدًا لعزيمة نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم وثباته، معجزة حيّة ربانية حملت بشرًا إلى عالم السماء وأعادته إلى الأرض، فالكون كله في قبضته، لا إله غيره، ولا رب لنا سواه.

وبيّن أن عظمة الإسلام تتجلى في الإسراء، وأنه الدين الذي جمع الله فيه شرائع من كان قبلهم، وهو الختام لكل الشرائع، إذ وثّقت الرحلة آصرة الأخوة بين الأنبياء وأن رسالتهم جميعًا واحدة، وكلما حلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسماء يستقبل فيها بقولهم: (مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد).

وقال إمام وخطيب المسجد النبوي: إن كل الأنبياء أدركوا رسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، وكان هو إمامهم ومتبوعهم، قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي)، كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ}.

وذكر أن الأنبياء اجتمعوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة في المسجد الأقصى لعلو مرتبته وجلالة قدره، وأنه أفضل الأنبياء وسيدهم، كما جاء في الحديث الذي وصف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم رحلة الإسراء: (فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى بن مريم عليه السلام قائم يصلّي، أقرب الناس به شبهًا عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم- يعني نفسه- فأقمت الصلاة فأممتهم)، وأشار فضيلته أن هذا السلوك العظيم يحفّز دعاة الحق على أن يقتدوا بالأنبياء- عليهم السلام- ويجتمعوا على الطاعة والبر والتقوى، وينبذوا أسباب الخلاف والفرقة.

واستطرد الثبيتي قائلًا: إن القدرة العجيبة التي انتقل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى تشبه سرعة انتشار الإسلام وبلوغه أًقاع الأرض، فهو دين يملأ الآفاق، ، يتخطى السدود والحدود، فقد انتشر الإسلام في الصدر الأول انتشارًا يكاد يكون معجزة ويجيء انتشاره في وقتنا الحاضر ليؤكد معجزة من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال لعدي بن حاتم: (فوالذي نفسي بيده ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله زوى لي الأرض؛ فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها)، وقال: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار حتى لا يترك الله بيت مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز وبذل ذليل).

وأشار فضيلته إلى أن انتشار الإسلام في طول الأرض وعرضها بشهادة المناوئين وأقلامهم، ويأتي انتشار الإسلام لسماحة تشريعه ويسر أحكامه، ولأنظمته العادلة وسعة رحمته الغامرة، حتى مع الأعداء فإنه لا يمارس التدمير أو الظلم أو الإبادة أو الانتقام، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.

وقال: عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى ونال هذه المرتبة السنية لشرف مقام العبودية التي تمثّلت في شخصه صلى الله عليه وسلم ولشرفها وصفه ربه بالعبودية في أعلى مكان وأجلّ مقام، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}، وتقرأ في رحلة الإسراء والمعراج التأكيد العميق على الارتباط الوثيق بين المسجد الحرام وهذا المسجد النبوي والمسجد الأقصى، وفي ذلك إشارة للأمة ألا تفرط في المسجد الأقصى لمكانته وقدسيته وبركته.

وأورد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الأحاديث الدالة على عظمة المسجد الأقصى، إذ قال أبو ذر رضي الله عنه: (قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت كم بينهما؟ قال: أربعون سنة)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى). أخرجه البخاري.

وبيّن فضيلته أن المسجد الأقصى بتاريخه وفضائله يوقد في المسلمين مشاعر الوحدة، ويقوّي رابطة الأخوة لنصرته وتطهيره من أوضار الشرك والضلال، مؤكدًا أن قضية الأقصى ستبقى حية في نفوس أبناء هذا الدين، لا يزعزع اعتقادنا بذلك إنكار المنكرين وافتراءات المعتدين.

وذكر أن الإسراء والمعراج يُعلمنا أن الحق ظاهر ومنصور، مهما علت دعاوى الباطل، وكثرت ادعاءاته، فالباطل مهتزة أركانه، ضعيف كيانه، سريع هلاكه، زاهق بنيانه، فقال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}، مستشهدًا بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا، فجعل يطعنها بعود بيده ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًًا}.

وأردف فضيلته قائلًا: نستلهم من معجزة الإسراء درسًا بليغًا يتجلى في معية الله لعباده ونصره ورعايته لمن تمسّ: بحبله وهديه، معية الحفظ والتوفيق والنصر والتأييد والتمكين، وهذا يضمّد جراح المخلصين المرابطين الباذلين مهجهم دفاعًا عن حياض المسلمين، وليعلم المتربصون المتآمرون أن قدره سبحانه يتعدى الأسباب، لينصر المؤمنين وإن كانوا قلة، فينصر الله المؤمنين الواثقين بوعده، قال تعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.

وأضاف: وإذا كان القدس والمسجد الأقصى محل اهتمام قلوب المسلمين فقد وجب عليهم التضرّع لله بأن يحفظه من كل تدنيس، والدعاء لأهل فلسطين بالثبات والنصر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدعُ بمأثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم إذًا نكثر الدعاء، قال صلى الله عليه وسلم: الله أكثر).

وذكر أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حينما جاء المشركون إليه صبيحة ليلة الإسراء ليخبروه أن صاحبه يزعم أنه أُسري به من مكة إلى بيت المقدس ثم عاد في ذات الليلة، ظنًّا منهم أنه سيكذب صاحبه، فقال كلمته المشهورة وقاعدته المأثورة: (إن كان قال فقد صدق)، والمشركون أنفسهم يعلمون من سيرته أنه الصادق الذي لا يكذب، والمصدوق الذي لا يكذب، فهذا التصديق الراسخ في قلب أبي بكر رضي الله عنه ثمرة الإيمان، وحين تذبذب الإيمان واهتز اليقين في زماننا نشأ من بني جلدتنا من يشكك في هذا الدين ويتمرّد على الثوابت، ويهاجم نصوص القرآن ويكذّب سنة وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعل عقله القاصر حاكمًا على نصوص الوحيين، أما المؤمنون الذين يكن الإيمان قلوبهم واطمأنت به نفوسهم فيتمثلون قول الشافعي- رحمه الله- (آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنا برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم).