المثقف الصغير عاشق الاتحاد أبو بكر سالم.. نوتة موسيقية فريدة أعادت تشكيل الوجدان

الإثنين ١١ ديسمبر ٢٠١٧ الساعة ١٢:٤٠ صباحاً
المثقف الصغير عاشق الاتحاد أبو بكر سالم.. نوتة موسيقية فريدة أعادت تشكيل الوجدان

خبّأ بين أضلعه النحيلة نوتة موسيقية أعادت تشكيل وجدان الناس، وأمضى 60 عامًا من عمره مخلصًا لفنه وأستاذًا لأجيال حاولت السير على خطاه، واقتفاء أثر الجواب والقرار في حنجرته الذهبية، هو الفنان الذي يفخر بانتمائه يومًا إلى نادي الاتّحاد، المتحدّر من أصول حضرمية، الإنسان أبو بكر سالم، الذي ترجّل عن صهوة الغناء، رحل عن عمر يناهز الـ80 عامًا.

المثقف الصغير:

منذ الصغر، وهو فخر أمّه بصوته العذب الأشهى من العسل الحضرمي، إذ لم تستغرب عائلته أنَّ الطفل اليتيم الذي توفي والده وهو في الـ8 أشهر من عمره أن يظهر نبوغًا في سن مبكرة، لاسيما أنّه نشأ في بيئة مثقفة، تقدر العلم والعلماء، في مدينة تريم بحضرموت جنوب اليمن، والتي لازالت تحتفظ بمكانتها العلمية إلى يومنا الحاضر.

كان مولعًا بالأدب والثقافة والإنشاد، ولأن الفنَّ يجري منه مجرى الدم، انتقل إلى عدن، مستغلًّا ازدهار الحركة الفنية والثقافية فيها، ووجود مجموعة من أعلام الأغنية العدنية، وعلى رأسهم محمد مرشد ناجي، وصل أبو بكر إلى عدن وهو يتأبط رقاعًا دوّن عليها كلمات: “يا ورد محلا جمالك” التي لحنها بنفسه رغم عمره الصغير، واستغل الأبواب المفتوحة للإذاعة التي كانت تتيح الفرصة للفنانين الشباب وسجلها في العام 1956.

أبو بكر سالم والاتّحاد:

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، خلال احتفالات المملكة بعيدها الوطني الـ87، فجّر الفنان الكبير أبو بكر سالم، مفاجأةً من العيار الثقيل، بعدما أكَّد أنه كان لاعبًا بصوف فريق الاتحاد، قبل أن يتجه بكامل تركيزه للطرب والفن، معلنًا عن ذلك خلال الحفل الجماهيري الكبير بمدينة الملك عبدالله الرياضية، الواقعة التي لم تزل حاضرة في أذهان المواطنين، لاسيّما أنَّ رحيله الأحد 10 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، جاء صادمًا لكل محبّيه.

وفي الحفل ذاته، نظّمت بادرة وفاء غالية، تمثلت في تكريم الفنان القدير أبو بكر سالم، الذي دخل إلى المسرح على الكرسي المتحرك، وردد مقاطع من رائعته “يا بلادي واصلي” التي تفاعل معها الجمهور الحاضر، كاشفًا أنَّ المرض لم ينهك نغمته الصوتية العتيقة الآسرة، رغم عدم قدرته على إكمال الأغنية، إلا أن روحه الجميلة المعهودة كانت حاضرة.

استبطان النص وجدانيًّا.. روح الكلمة في لحن أبو بكر سالم:

أبو أصيل، الذي توفي الأحد، تميّز بثقافة عالية انعكست وعيًّا فنيًّا واسعًا في تجربته الطويلة، كما تميز بعذوبة صوته، وتعدد طبقاته بين القرار والجواب، وبالقدرة على استبطان النص وجدانيًّا بأبعاده المختلفة فرحًا وحزنًا، كما تميز بقدرته على أداء الألوان الغنائية المختلفة، فإلى جانب إجادته للأغنيتين الحضرمية والعدنية، فقد أجاد الغناء الصنعاني، الذي بدأ يمارسه منذ بداياته الفنية، وقدم أكثر من عشر أغانٍ، إضافة إلى القصائد الفصيحة لأبي القاسم الشابي، وجده أبو بكر بن شهاب.

وحقّق أبو بكر سالم نجاحًا كبيرًا على مستوى الجزيرة العربية والوطن العربي في بداية مشواره الفني، ليظل أحد مفردات تشكيل الوعي الإنساني في المنطقة، لاسيّما أنَّ أغانيه اشتهرت بالحكمة والموعظة، وحمل هموم المغتربين، ناقلًا تجربته الشخصية إلى جمهوره من خلال أغانيه، التي تحمل الطابع الأخلاقي والاجتماعي والهموم التي يعاني منها المغترب عن وطنه.

مدرسة تتلمذ الأجيال:

وأبو بكر سالم بلفقيه، يعدُّ رائدًا من روُاد الطرب الأصيل في الوطن العربي بأسره، ومن أعظم الأصوات في العالم، إذ إنّه تشرب الفن والأدب من أنقى ينابيعه الأصيلة، وغدا علمًا من أعلام الفن العربي، لاسيّما الحضرمي، وأسس لنفسه مدرسة خاصة، سميت باسمه، وتتلمذ على يده جيلٌ بأكمله.

وجاء ذلك بعدما خرج أبو بكر سالم في أعماله الفنية عن الإطار المحلي إلى الإطار العربي، معتمدًا دومًا على حنجرته الذهبية، وإجادته للون الحضرمي، المفضل لديه، والذي أدخله إلى الأغنية الخليجية والعربية، بعدما تعلّق الناس وجدانيًّا بصوته الشجي، متميّزًا بالأداء الجميل والراقي، مما جعله متربع على عرش الغناء أكثر من أربعة عقود من الزمن.