ريادة الأعمال… لماذا لا تتحول الرغبات إلى أفعال؟

الأربعاء ١٠ يناير ٢٠١٨ الساعة ١٠:٣٠ صباحاً
ريادة الأعمال… لماذا لا تتحول الرغبات إلى أفعال؟

تزخر الكثير من برامج ريادة الأعمال في المجتمعات، اليوم، بتسليط الضوء على بث الدافعية وتحفيز الذات وإيقاد جذوة الحماس نحو اتخاذ الخطوة الأولى في عالم الأعمال، وذلك يعتبر من العوامل الرئيسة التي تلعب دوراً مهماً في بناء الرغبات وفتح الآفاق وتشكيل الأفكار والمبادرات … ولكن يبقى السؤال الذي تناولته قِلة من الأبحاث في مجال ريادة الأعمال هو لماذا لا تُترجم -في أغلب الأحيان- رغبات الأفراد في البدء بعمل تجاري إلى أفعال على أرض الواقع؟ ما الأمور المفقودة التي تحول دون وصول الأشخاص الذين يملكون الحافز والرغبة والدافع لبدء نشاط تجاري إلى البداية الفعلية؟

إن الخلل بين الرغبة والفعل في عالم ريادة الأعمال قد أثبتته الدراساتُ على مختلف دول العالم، ومن أهمها تقرير ريادة الأعمال العالمي والذي شمل 54 دولة ومن ضمنها المملكة العربية السعودية، حيث أشارت النتائج ولعدة سنوات إلى ارتفاع نسبة رغبة الأفراد في المملكة في ممارسة الأعمال التجارية بينما لا تنعكس تلك الرغبة على نسبة الأنشطة التجارية على أرض الواقع والتي تعتبر منخفضة جدا. إذاً نحن أمام جانبين متناقضين أحدهما وجود الرغبة لدى الأشخاص لخوض غمار الأعمال التجارية مع وجود -كما أشارت الدراسات- إيمان عميق بوجود الفرص والإمكانات والنظرة الإيجابية تجاه الناجحين من رواد الأعمال، وعلى الجانب الآخر نسبة أعمال ريادية منخفضة جدا لا تعكس حقيقة رغبات الأفراد وطموحاتهم وتطلعاتهم..!.

إن الناظر إلى أغلب الدراسات في مجال ريادة الأعمال ومنذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن ليجد أنها اعتبرت أن أفضل مؤشر يحتاجه الفرد لبدء عمل تجاري هو الرغبة، ولكن ظهرت في السنوات الأخيرة دراسات حديثة أجريت على مدى طويل يصل بعضها إلى ثلاث سنوات تفيد بأن أغلبية من كانت لديه مجرد الرغبة في بدء نشاط تجاري لم يستطع ترجمة رغبته إلى واقع، هذا يقودنا إلى الحاجة لمؤشرات أشمل وأوسع من الرغبات وبالتالي المزيد من البحث العلمي المتعمق لاستكشاف العوامل التي تساعد من لديه الرغبة الحقيقية في بداية مشروع تجاري على الإقدام والتنفيذ عوضاً عن التسويف والتراجع.

أشارت بعض النظريات إلى أن الخلل بين الرغبة والفعل من الممكن أن يكون بسبب أننا ينبغي أن نرى الفعل على أنه سلوك يحكمه وجود هدف، وبالتالي فإن تنفيذ الفعل يتطلب العبور من خلال مراحل مختلفة قبل الوصول إلى المطلوب. من هذا المنظور، قد تكون عدم القدرة على ترجمة الرغبة في بداية نشاط تجاري إلى واقع ملموس هي بسبب النظرة القاصرة لريادة الأعمال على أنها رغبة تليها مباشرة فعل ووصول وإنجاز بينما الواقع يتطلب أن يكون لدى الريادي هدف يؤمن به ويجعل منه نقطة التركيز التي يبدأ منها والتي تحميه من التشتت بين رغبات وحاجات الحياة.

لذا، فإن هذه المرحلة الأولية تخضع لنظرية التحكم في الأفعال والسلوكيات عن طريق وضع الأهداف حيث تكمن أهمية وجود هدف واضح هو أن الفرد بعد فترة من الزمن سيقارن وضعه الحالي مع الهدف الذي يؤمن به ويكتشف الفارق بين المعطيات فإن لم يكن هناك فرق فهذا يعني أنه قد وصل إلى هدفه ولن يكون هناك ما يستوجب القيام به، بينما إذا كان هناك فرق فإن هذا الفارق يستحث صاحب الهدف لبذل ما يستوجب عمله لتقليصه وبالتالي الاقتراب من الهدف…، في حالة ريادة الأعمال وبعد فترة من الزمن على وجود الرغبة في بداية عمل تجاري، سيقارن الشخص بين وضعه الحالي وما إذا كان قد بدأ بالفعل، فإذا لم يبدأ فالسبب قد يكون هو عدم وجود هدف حقيقي يؤمن به ويسعى باستمرار لمقارنة وضعه الحالي به ومن ثم السعي نحو تحقيقه.

بعد أن يحدد الفرد هدفه الذي يؤمن به تماماً ينتقل إلى الجزء الآخر وهو السعي نحو تحقيق هدفه. لذا، نجد أن بعض برامج ريادة الأعمال التي تقتصر على تنمية الحافز لبداية النشاط التجاري تقوم بالمطلوب وتدفع المتلقي للتركيز على ريادة الأعمال كهدف مهم في حياته ولكن حتى تكتمل الصورة لا بد من استكمال المراحل المتبقية للوصول نحو الفعل والتنفيذ. إن مرحلة السعي نحو الهدف تخضع لإرادة الأفراد أكثر من تحفيزهم نظرا لأن التحديات والصعوبات و العقبات تظهر جليا خلال هذه المرحلة…والسؤال المهم هنا هو ماهية التحديات التي يواجهها الشخص في هذه المرحلة وكيفية مواجهتها وبالتالي تخطيها نحو مرحلة الفعل وبدء العمل التجاري؟

تشير النظريات إلى أن هناك سبباً آخر من الممكن أن يعيق ترجمة الرغبات إلى أفعال بالرغم من وجود هدف حقيقي يسعى الفرد لبلوغه ويندرج هذا السبب تحت مسمى الاستسلام للمشاعر والأحاسيس السلبية، وفي هذه الحالة قد يرى الشخص ريادة الأعمال على أنها هدفه الحقيقي الذي يبحث عنه ولديه الرغبة القوية لتحقيقه والوصول إليه، ولكن عندما يقارن وضعه الحالي بما يطمح إليه تظهر في ذهنه مجموعة صعوبات مثل نقص القدرات والمهارات والموارد والتي تؤدي إلى إثارة المشاعر والأحاسيس السلبية كالإحباط والقلق.
هنا قد يصبح الشخص الذي يتطلع لريادة الأعمال كهدف صادق وقوي في مفترق طرق، فإما الاستمرار وتقبل هذه المشاعر السلبية والعمل على التغلب عليها باكتساب المهارات والبحث عن الموارد اللازمة أو الاستسلام للإحباط ولما تبثه المشاعر السلبية من ضعف ووهن وبالتالي الاستمرار في حلقة مفرغة من الرغبة وعدم القدرة على الفعل.

إن قرار الاتجاه إلى أحد الطريقين يعتمد على عاملين رئيسين هما توقعات الإنسان وثقته بنفسه فعندما تغلب الإيجابية على توقعات الإنسان المستقبلية مهما بلغت الصعوبات التي يواجهها ستحل الإيجابية محل المشاعر السلبية الناشئة عن الصعوبات وترفع من ثقة الإنسان بنفسه وتدفعه إلى تجديد المحاولات والعمل ونبذ الاستسلام حتى بلوغ الهدف الذي يؤمن به، وعلى العكس تماماً فإن التوقعات السلبية تستحث المشاعر السلبية وتعظم الشكوك في القدرات والإمكانات وبالتالي تؤثر سلبا على الثقة بالنفس وكل ذلك من شأنه أن يهوي بالإرادة ويقضي على المحاولات في مهدها. لذلك، أشارت الدراسات إلى أن القدرة على التحكم في الأفكار والأحاسيس قادرة على أن تساعد الإنسان على اتخاذ القرارات والأفعال والإنجازات.

والخلاصة أن هناك مرحلتين أساسيتين لتحويل الرغبات إلى أفعال في مجال ريادة الأعمال وهما وضع الأهداف والتحكم في الأفكار والأحاسيس السلبية التي تمنع من الوصول إلى الأهداف. تتمركز فوائد تحديد ريادة الأعمال كهدف في رفع مستوى تركيز الشخص على الأهداف الحقيقية التي يبحث عنها وبالتالي التقليل من التشتت في عالم الرغبات والأمنيات والحاجات، كما تتضح جلياً أهمية التحكم في الأفكار والأحاسيس السلبية في رفع مستوى الإرادة الإنسانية حتى بلوغ الرغبات. لذا فإن برامج ريادة الأعمال اليوم بحاجة للنظر إلى ريادة الأعمال على أنها سلوك يحكمه وجود هدف يؤمن به الريادي ومن ثم ينتقل إلى مرحلة السعي نحو الهدف مع ضرورة الاعتقاد والتعريف بوجود التحديات وكيفية التعامل معها حتى نعزز تحويل الرغبات إلى أفعال في عالم ريادة الأعمال.

دكتوراه ريادة الأعمال جامعة بليموث/ ماجستير ريادة الأعمال جامعة سري

[email protected]

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني