سف تراب

الأربعاء ٢٤ يناير ٢٠١٨ الساعة ٧:٢٧ مساءً
سف تراب

يقول الخبر إن أمانة المدينة المنورة ضبطت معملاً يدار بأيدٍ عاملة مخالفة يقومون ببيع رمل مخلوط بحبة البركة وبعض المركبات ويدّعون أنها تركيبة أعشاب طبيعية تشفي من السحر ومن العمى ومن أمراض القلب والكبد والسكر والدم. أي أنهم يبيعون التراب على الناس ليسفوه مقابل دفع مبالغ ماليه، وأن عبارة “سف تراب” لم تعد شتيمة أو احتقاراً بل أصبحت إحدى الوصفات الطبية التي لم يخطها الأطباء ليس لسوء خطهم بل ربما لجهلهم بفوائد التراب، وأصبحت العبارة أحد مصادر الصحة وما أكثرها!
سَفَّ يَسِفُّ مصدر سَفِيفٌ وسَفٌّ فهو سافّ والمفعول مَسْفوف ويقال سَفَّ التراب سَفَّ سَفًّا أي تناوله يابساً غير معجون، أما التُّراب فهو ما نَعُمَ من أَديم الأَرض. ويبقى السؤال ما الذي أجبرهم أو أودى بهم إلى أن يسفوا التراب؟ فإن كان الجواب هو عدم توافر الخدمات الصحية من طبيب وسرير ودواء فإنني لا أتفق مطلقاً مع هذا السبب وأجده واهياً وليس مقنعاً إذا ما عرفنا السبب الرئيسي. فمن وجهة نظر ليست جاهلة بالتراب وميكانيكية عمله في جلب الشفاء للمرضى فقط بل وبها مسُ من التواضع أرى أن السبب الرئيسي يعود إلى الجهل والأمية الصحية التي يعيشها المجتمع عامة، أين التوعية الصحية؟ أين التثقيف؟ لن أقول كالبعض إنها تحتضر وستموت فهذا يعني أنها كانت حية في يوم ما، لكنني أقول إن الجهود التي بذلت من زمن كانت قاصرة وبعيدة عن الأسس العلمية، وبعض الإدارات الصحية التي حملت هم التوعية في يوم من الأيام شاء لها القدر أن تلد توعية خديجة لم تلبث أن ماتت بعد أن خسرت الإدارات مبالغ باهظة للاحتفال بالمولود وتدشينه ليموت قبل أن يرى النور ويستفيد المجتمع.
لو كتب الله لك الحاجة لمعلومة صحية موثوقة فلن تجدها في مواقع مستشفيات البلد شرقها وغربها، جنوبها وشمالها مروراً بوسطها، الكبير منها والصغير، وإن وجدت فإنها معلومات ربما عفى عليها الزمن أو صممت بطريقة تجلب المرض أكثر من مداواته، فيما تبرز صورة المدير وأعوانه على واجهة الموقع مرفقة بعبارات الشكر والتقدير لجهودهم التي لا يراها أو يستفيد منها إلا الحاشية وأصحاب المصالح، عندها ستضطر وبكل أسف لسؤال الشيخ جوجل الذي بلغ به العلم مبلغ من لا يفرق بين الصحيح والخطأ، بين الغث والسمين، لتصاب بحالة فقدان الثقة وعندها وتحت تأثير حالة الضياع الممزوجة بألم المرض وقليل من اليأس لن تجد مخرجاً إلا أن تسف تراباً وتسكت. وتبقى مسألة من نعاقب؟ العمالة، المستشفيات ومواقعها أم أهل التوعية والتثقيف الصحي؟ إن كان ولابد من معاقبة أحد فليس العمالة لأنها وجدت بيئة خصبة وأمنت العقوبة فعاثت في المرضى تراباً بل يجب محاسبة المقصرين في القطاعات الصحية خاصة من أضاعوا التوعية والتثقيف، وأي مهمة أضاعوا والله إنه لفعل عظيم ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل.

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • ي ع

    مقال جميل وفِي الصميم، وربما كان السبب هو الرغبة في حصول المريض على الشفاء السريع والشامل… لا شك بأن هنالك قصور توعوي وتثقيفي صحي في المجتمع ربما لعدم قناعة كبار المسؤولين السابقين واللاحقين بأهميتها وفاعليتها والتي قد توفر على وزارة الصحة اعباءً كثيرة تبعات مثل وأمثال ً”سفِّ التراب” من قبل المواطنين.