محمد بن سلمان يستخدم ميزان “كرسي الرئيس” لعلاقات السعودية وأميركا

الإثنين ٢٦ مارس ٢٠١٨ الساعة ٣:٣٥ صباحاً
محمد بن سلمان يستخدم ميزان “كرسي الرئيس” لعلاقات السعودية وأميركا

أثبتت السنوات الطوال للشراكة الثنائية القوية الراسخة بين السعودية وأميركا، منذ 1945 فعليًّا، وعام 1943 رسميًّا، وعام 1931 تمهيديًّا، أنها راسخة وقادرة على صنع ميزانًا ثابتًا بثبات كرسي الرئيس الذي يحكم الولايات المتحدة، سواء كان من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، إذ لا تتأثر الشراكات الأمنية والسياسية والاقتصادية بين البلدين، بغض النظر عن الحزب الحاكم الذي يقود واشنطن أو صيغة تلك الإدارة الرئاسية في البيت الأبيض.

كما أن تلك الشراكة الممتدة، أثبت قدرتها على صنع ميزان مهم يصنع الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط عمومًا، وفي عمق الخليج العربي تحديدًا، مهما كانت التحديات فيما بعد الثورة الخمينية في إيران عام 1979.

ميزان ولي العهد:

وخلال زيارتين للأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، بمنصبين مختلفين ما بين 2016 و2018، أثبت أنه يعرف كيف يستخدم ميزان “كرسي الرئيس”، إذا صح الافتراض، من أجل الإقناع بقوة الشراكة بين البلدين، مهما كانت المؤثرات الخارجية سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا.

ولا شيء يحقق توازنات ذلك الميزان المشار إليه، سوى اهتمام ولي العهد بإبراز أهمية غلبة “لغة المصالح والأهداف المشتركة” كجزئية أساسية في المباحثات.

مؤثرات تاريخية للعلاقات:

مع بدء المفاوضات لتوقيع اتفاقية تعاون عام 1931، بدأت العلاقات السعودية الأميركية انطلاقًا من سياسة الملك عبدالعزيز القائمة على استقلالية القرار والبحث عن العلاقة التي تحقق مصالح البلاد، والتي استطاع من خلالها تحقيق العديد من النجاحات على الصعيد السياسي والاقتصادي والإستراتيجي.

وفي 1953 تولى الملك سعود الحكم حتى عام 1964، حيث زار الولايات المتحدة عام 1962، واجتمع مع الرئيس جون كينيدي لتعزيز العلاقات الاقتصادية وتلبية حاجة المملكة الأمنية.

وفي 1964 بدأت فترة حكم الملك فيصل، وتضمنت تأسيس شراكة ومشاريع تنموية، حينما التقى الرئيس لندون جونسون عام 1966، ثم الرئيس ريتشارد نيكسون عام 1971 في واشنطن، وتأسست بعدها لجنة الاقتصاد السعودية الأميركية المشتركة.

وفي عهد الملك خالد الذي بدأ عام 1975، لم تكن هناك غير زيارة وحيدة لأميركا في أكتوبر 1978، أعقبتها زيارة للرئيس الأميركي جيمي كارتر للرياض في نفس العام، وكان هدفه تحريك مشروع السلام آنذاك.

وفي عهد الملك فهد، كانت حرب الخليج الأولى (تحرير الكويت) عام 1991، وحرب الخليج الثانية (تحرير العراق) عام 2003، وقد كانتا من أهم محاور الدبلوماسية الجادة التي انبنت على تاريخ العلاقات السعودية الأميركية، في محاولة علاج أزمات المنطقة وإطفاء نيرانها.

ومع تسارع أحداث المنطقة العربية والأوسطية في عهد الملك عبدالله ما بين عامي 2005 و2015، ولعل من أبرز محطات هذه المرحلة ما أعلن عنه الملك الراحل في قمة الـ20 بواشنطن عام 2008 برصد 400 مليار ريال لمجابهة الأزمة المالية العالمية آنذاك ودفع عجلة التنمية في السعودية، وفي نوفمبر من نفس العام رحبت أميركا بمبادرة الملك عبدالله لحوار الأديان والحضارات في مقر الأمم المتحدة.

إيران تتسبّب في علاقات خاصة:

في عهد الملك سلمان، كان لتأثير الإشكاليات المختلفة بسبب إيران دورها المهم في صنع إطار جديد لعلاقات إستراتيجية بين البلدين، وذلك بعد توقيع الاتفاقي النووي في منتصف 2015 بمباركة من أوباما، وقبلها انطلاق عمليات “عاصفة الحزم” في 26 مارس 2016 بسبب تدخلات إيران في المنطقة عبر الميليشيا الحوثية الانقلابية في اليمن.

مع توالي رفض القيادة السعودية للانتهاكات الإيرانية المتنامية بمنطقة الشرق الأوسط، والمتفشية كالسرطان في الجسد المتعافي، كان لابد أن تصل الرسالة آخر الأمر إلى الإدارة الأميركية. استوعبها أولًا أوباما قبل أن تنتهي فترته الرئاسية الثانية، ولكن بطريقته التي يجيد من خلالها “إبطاء أي تحريك بالمزيد من التخدير”، قبل أن يأتي الرئيس الحالي دونالد ترامب، ويتفهم حقيقة التحوّلات المنتظرة لمنطقة الشرق الأوسط الجديد، والتي تقف إيران حجر عثرة صلب في طريقها، لتبدأ بالفعل مرحلة مهمة من علاقات السعودية وأميركا من التوافق في الملفات الأوسطية المهمة، لاسيما الملف الإيراني النووي أو “الصفوي” وما يحملان من وقائع كارثية على المنطقة برمتها.

محو ما تبقّى من 11 سبتمبر:

أثّرت أحداث 11 سبتمبر على العلاقات السعودية الأميركية لبعض الوقت، رغم الجهود الدبلوماسية المتعاظمة من أجل احتواء الإشكاليات، خصوصًا بالنسبة لتشريعات مجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس، أو إشارات وزارة الخارجية أو وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) التي كانت تحمل غالبًا اتهامات جائرة.

إلا أن تنامي العلاقات في السنوات الأخيرة، ووصولها إلى مستوى تعميق شراكة السنوات في صياغة أحلام وآمال مشتركة، أسهم كثيرًا في محو الكثير من آثار “11 سبتمبر” المؤلمة في ذاكرة الطرفين.