الشاعر محمد الثبيتي .. نهل من الصحراء والسماء مفرداته العصية

الإثنين ٢٨ مايو ٢٠١٨ الساعة ٩:١٣ صباحاً
الشاعر محمد الثبيتي .. نهل من الصحراء والسماء مفرداته العصية

صاحب “تغريبة القوافل والمطر”، ولد عام 1952 في منطقة الطائف، وترجّل عن عالمنا في 2011، له من الدواوين أربعة، أصدر أولها في العام 1982 تحت عنوان عاشقة الزمن الوردي، ثم ديوان “تهجيت حلمًا.. تهجيت وهمًا”، وديوان “التضاريس”، وأخيرًا “موقف الرمال/ موقف الجناس”. إنّه الشاعر السعودي الذي أكّد أنَّ هناك بدويًّا يمسك قلمًا ويكتب شعرًا، حتى ولو كان بمفردات حديثة، إنّه الشاعر محمد عواض الثبيتي.

الإعلامي محمد الخميسي، سلّط الضوء على سيرة وحياة الشاعر محمد الثبيتي، في برنامج الراحل، موضحًا أنّه شاعر عكاظ في القرن العشرين، وصاحب قاموس حديث في وصف المشاعر، استوحى قصائده من الصحراء وزرقة السماء. ونظم قصائده بلغة جعلت اسمه يتردد من الخليج إلى المحيط.

وقدّم البرنامج، أبرز التغييرات الفكرية التي عرفها العالم منذ القرن التاسع عشر، والتي طالت آدابه وثقافته، وأثّرت على الكثير من المفكّرين. ولم يكن المجتمع السعودي حينها على استعداد لدخول الحداثة على ثقافته ذات الطابع المحافظ، إلا أنّه مع انتشار الإذاعة المسموعة والمرئية والصحف، دخلت المملكة الجدل الدائر في المجتمعات العربية حول أطروحات الأدب الحديث، ومدى ملاءمته للثقافة المحلية الملتزمة بالمعتقدات والعادات والتقاليد.

وخلال الثمانينات، أثار الشاب محمد الثبيتي الجدل في بلاده، بعدما بدأت قصائده تغزو الصحف والمجلات، إذ كان الشاعر الحداثي الثبيتي ينظم قصائده بطريقة يصعب تجاهلها، ويستخدم مفردات يسهل حفظها، ما جعل نجمه يصعد في الأوساط الأدبية، المحلية والعربية.

من أهم شعراء الثمانينات:

ويقول عنه أستاذ الأدب في جامعة الملك سعود، الأستاذ سعد البازعي، إنَّه من أعلام الحركة الشعرية السعودية، والعربية، على مدى العقود الثلاثة الماضية، وهو من أهم شعراء جيل الثمانينات، الذي أنتج عددًا من الشعراء والنقاد والكتاب، الذين تركوا بصمة عميقة في تاريخ الحركة الشعرية والأدب.

على أبنائنا أن ينتظروا ألف عام:

أما الكاتب عبدالله سفر السفر، فيقول إنَّ “الشاعر محمد الثبيتي، علامة من علامات الحداثة الشعرية في المملكة العربية السعودية”، مستشهدًا بقول الناقد سعيد السريحي: “كنا في انتظاره ألف عام، وسيكون على أبنائنا الانتظار ألف عام كي تلد رمال الجزيرة العربية شاعرًا مثله”، مستشهدًا بذلك على الجمال النادر، الذي لا يتكرر، الموجود عند الراحل محمد الثبيتي.

شاعر يقاتل بنصّه لا بالسجالات:

وبدوره، يوضح الناقد محمد بن عبدالله العباس، أنَّ محمد الثبيتي كغيره من شعراء ومثقفي الثمانينات، تعرض لحالة من الهجوم المضاد من التيارات المحافظة، إلا أنَّ محمد الثبيتي كان يقاتل بنصّه أكثر مما كان يقاتل من خلال السجالات، ولذلك عندما نقرأ اليوم محمد الثبيتي نجد أنَّ نصّه انتصر في الزمان، في الوقت الذي كاد أن ينهزم فيه بالمكان. في تلك اللحظة التي تكاد فيها تكون الغلبة للتيار المحافظ.

وأكّد العباس أنَّ “شعرية محمد الثبيتي أثبتت أنّها ضد تكلّس الزمن، وتستطيع أن تخترق الآفاق، لتصل إلينا قصيدة منقاة وقادرة على الصمود”.

شاعر فقط لا غير:

الشاعر أحمد الملا بدوره، تحدث عن محمد الثبيتي، موضحًا أنَّه “لم يصرف أي جهد تجاه الحركة المضادة التي وجهت للحداثة، بل إنَّ جهده كان كله منصب على الحالة الإبداعية، والنص الشعري، إذ لا نذكر أنَّه كتب مقالة أو ردًا على الحدث، إذ كان يدافع عن الحالة نفسها بأن يكون شاعرًا، شاعرًا فقط لا غير”.

وكانت قصائد الثبيتي مختلفة بصورها، إذ استوحى كلماته من طبيعة الأرض التي يمشي عليها، ومن السماء التي ينظر إليها. صوّر الماء والهواء، وبعث برسائل مغلفة بورق فاخر، لم يكن محتواها مبطنًا، بقدر ما تحمله من مشاعر جياشة، وأحاسيس صادقة.

السهل الممتنع مزج بين الكلاسيكية والحداثة:

الشاعر والكاتب محمد الدميني، يقول عنه: “طريقة محمد الثبيتي، طريقة شعرية تمتلك بعض البساطة الخارجية، لكنّها بالنسبة له، تشكّل تعقيدًا داخليًّا، فنيًّا وجماليًّا، بمعنى أنَّ القصيدة التي تبدو للخارج بسيطة وسهلة وقريبة الوصول إلى الناس، في داخل محمد يصنعها صناعة ماهرة، فهي خليط من الصورة الكلاسيكية، أو النمط الكلاسيكي، والروح التجديدية في القصيدة الحديثة”.

تضاريس اللغة تعيد للمفردة الصحراوية اعتبارها:

“النص الشعري لمحمد الثبيتي، أعاد الاعتبار لتضاريس اللغة، لاسيما في جزيرة العرب”، هكذا رآه الشاعر محمد الملا، موضحًا أنّه “اعتمد في لغته المفردة الصحراوية، التي استطاع أن يعيد لها الاعتبار، ويعيد لها مكانتها، بعدما كان ينظر لها على أنَّها مرتبطة بجاهلية ما”.

تأثر بشعراء العراق البياتي والسياب ليجدد قصيدة التفعيلة:

بينما أكّد الشاعر محمد عباس، أنَّ الثبيتي كان متأثرًا بمراحل الشعر العربي من الجاهلية مرورًا بالعصر الأموي والعباسي، وصولًا إلى العصر الحديث، ولكن التأثير الحقيقي في تجربته الإبداعية كان بعد اطلاعه على الإبداعات في قصيدة التفعيلة عند الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، والشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي، فهي التي أعطته التصور الجديد في قصيدة التفعيلة وكتابتها، لافتًا إلى أنَّ “التجديد عند محمد الثبيتي نجده في التراكيب والصور، لكنه كان يغوص في التراث، وتحديدًا في مفردات البيئة الصحراوية، التي كانت حاضرة بقوة في تجربته الشعرية.

لغة خاصة ومعجم تراثي عميق:

“محمد الثبيتي أوجد لنا لغة خاصة، لغة تميّز بها النص الثبيتي، رغم الهجوم الشديد الذي تعرّض له، بأنّه شاعر حداثي، وأنَّ هذه الحداثة بالأساس هي هدم للغة”، هكذا تحكي عنه الكاتبة والناقدة الدكتورة في جامعة الملك سعود منى المالكي، مؤكدة أنَّ “محمد الثبيتي كان يأخذ من نبع تراثي عميق. والنص الثبيتي معجمه الشعري معجم ليس سهلًا إطلاقًا”، مشيرة إلى أنّه “عندما تقرأ في شعر محمد الثبيتي، تجد أن لغته قوية ورصينة، وكأنك تقرأ لأبي تمام والمتنبي، أو العصر الذهبي للشعرية العربية”.

الثبيتي في عيون أبنائه عاشق لمكة مولع بالقراءة والعلم:

وكشف نجل الشاعر الراحل محمد الثبيتي، يوسف، أنَّ والده كان يحب مكة برحابها، والتي عاش فيها أكثر حياته، وكان بالنسبة لنا كما الأخ، وليس الأب، ليس بيننا وبينه حواجز، كنت أعود في المساء أحيانًا فألتقيه ونسهر حتى الصباح، في حديث وقراءات للمتنبي وغيره، وأبو فراس الحمداني، إذ كان يحب أن يمسك الكتاب ويقرأ ويشرح القصيدة بيتًا بيتًا”.

أما نجله نزار، فيقول: “بدأ كتابة الشعر وهو في سن الـ13 عامًا، وكان معارضًا لأمير الشعراء آنذاك شوقي، وكان مهتمًا بالتعليم ومولعًا بالقراءة”.

ميم وحاء وميم ودال:

ومن قصائد الشاعر محمد الثبيتي الخالدة، موقف الرمال موقف الجناس، التي قال فيها:

ضمني،

ثم أوقفني في الرمال

ودعاني:

بميم وحاء وميم ودال

واستوى ساطعًا في يقيني

وقال:

أنت والنخلُ فرعانِ

أنت افترعت بنات النوى

ورفعت النواقيس

هن اعترفن بسر النوى

وعرفن النواميس

فاكهة الفقراءِ

وفاكهة الشعراءِ

تساقيتما بالخليطين:

جمرًا بريئًا وسحرًا حلالُ

أنت والنخل صنوانِ

هذا الذي تدعيه النياشينُ

ذاك الذي تشتهيه البساتينُ

هذا الذي دَخَلت إلى أفلاكه العذراء

ذاك الذي خلدت إلى أكفاله العذراء

هذا الذي في الخريف احتمالُ

وذاك الذي في الربيع اكتمال

أنت والنخل طفلان

واحد يتردد بين الفصول

وثان يردد بين الفصول:

أصادق الشوارع

والرمل والمزارع

أصادق النخيل

أصادق المدينة

والبحر والسفينة

والشاطئ الجميل

أصادق البلابل

والمنزل المقابل

والعزف والهديل

أصادق الحجارة

والساحة المنارة

والموسم الطويل

الثبيتي.. معارض لأحمد شوقي وصاحب الحالة الثورية الشعرية:

في العام 1977، فاز الشاعر الثبيتي بجائزة رعاية الشباب عن قصيدته من وحي العاشر من رمضان، والتي كانت إشارة مبكرة نحو موهبة هذا الشاب الشعرية.

واختار الثبيتي مجال التربية والتعليم؛ لأنّه كان يعتقد أنّه قادر على تغيير الكثير من الأفكار السائدة في المجتمع، إذ لم يكن هناك أفضل من منصّة التدريس، لمخاطبة الأجيال.

وبدأ الثبيتي كتابة الشعر بقصيدة يعارض فيها أحمد شوقي، لتلفت هذه القصيدة الأنظار لموهبته الشعرية، وأسلوبه المختلف عن بقية أبناء جيله.

“عند الحديث عن قصيدة الثبيتي، نجد أننا نتحدث عن حالة ثورة شعرية، على مستوى الوطن”، حسب المفكر والديب حسن مشهور، الذي أوضح أنَّ “المفردة التي كان يستخدمها الثبيتي كانت مفردة عميقة، ومعبرة، وتحمل نوعًا من الشجن، والثقل النوعي، حتى الأفكار لم تكن تقليدية لديه، إذ كان يطرق نقاطًا ساخنة في الداخل السعودي، يحمّلها في بنى تعبيرية بأسلوب رمزي، يحتوي شيئًا من الضبابية، لينقد ممارسات مجتمعية سعودية، وممارسات عربية، ولكن دون أن يدخل في مواجهة ومكاشفة، بل كان يعبر بذكاء”.

ومن قصائد الشاعر:

بوابة الريح:

مَضَى شِرَاعي بِمَا لا تَشتهِي رِيحِي

وفَاتَنِي الفِجْرُ إذْ طالَتْ تَرَاوِيحِي

أَبْحَرْتُ تَهوِي إلى الأعماقِ قَافِيَتِي

ويَرْتقِي في حِبالِ الرِّيحِ تَسْبِيحِي

مُزمَّلٌ فِي ثِيَابِ النُّورِ مُنْتَبِذٌ

تِلْقَاءَ مَكَّةَ أَتْلُو آيَةَ الرُّوحِ

واللَّيلُ يَعْجَبُ منِّي ثُمَّ يَسْأَلُنِي

بوابَةُ الرِّيحِ! مَا بوابةُ الرِّيحِ؟

فَقُلْتُ والسَّائِلُ الليليُّ يَرْقُبُنِي

والوِدُّ مَا بينَنَا قَبْضٌ مِنَ الرِّيحِ

إلَيكَ عَنِّي فَشِعْرِي وحْيُ فَاتِنَتِي

فَهْيَ التي تَبْتَلِي وهيَ التي تُوحِي

وهيَ التي أَطْلَقَتْنِي فِي الكرَى حُلُمًا

حتَّى عَبَرْتُ لهَا حُلمَ المَصَابِيحِ

فَحِينَ نامَ الدُّجَى جَاءتْ لِتَمْسِيَتِي

وحينَ قامَ الضُّحَى عادَتْ لِتَصْبِيحِي

مَا جَرَّدَتْ مُقلتاهَا غير سيفِ دَمِي

ومَا عَلَى ثغرِهَا إلاَّ تَبَارِيحِي

ومَا تَيَمَّمْتُ شَمْسًا غيرَ صَادقةٍ

ولا طَرَقتُ سَماءً غيرَ مَفْتُوحِ

جرأة الثبيتي والاعتقال بسبب وشاية الصحويين:

وكان الثبيتي جريئًا لدرجة قادته إلى الصدامات الفكرية مع التيارات الرافضة، للحداثة بشتى أشكالها. واستمر الثبيتي في تصدير قصائده المختلفة عن غيرها، قبل أن يؤدي صدامه مع معارضيه إلى دخوله السجن أكثر من مرة، فضلًا عن تكفيره، وتصنيف ما يكتبه ضمن الأفكار المرفوضة والمخالفة للدين.

ويروي المفكر والأديب محمد مشهور، أنَّ التيار الصحوي، عندما رأى أنَّ الثبيتي يشكل عليه خطرًا بأفكاره والتجديد الذي يكتب به، سعى إلى ترسيخ فكرة أنَّ الحداثة مضادة للدين، وأنّها تعبر عن تغيير كامل في التركيبة الدينية والتركيبة المجتمعية نحو الفسق والانحلال، ومن هنا بدأت عملية التأليب على محمد الثبيتي، فكل قصيدة يكتبها، مثل الأسئلة والصعلوك، تم تصدير إسقاطات سلبية عليها، والوشاية به على أنَّه يسعى لتأليب الرأي العام وإثارة النعرات وإفساد المجتمع، لدى أشخاص نافذين، ما أدى إلى اعتقاله.

وتوارى الثبيتي عن الساحة الأدبية، بعد الضجيج الذي أحدثه ديوان التضاريس، وأصبحت الحرب ضد الحداثة موجهة للثبيتي وقصائده أولًا. إذ كان عليه أن يواجه انتقادات لاذعة أطلقها أناس لم يقرأ أكثرهم شعره، ليتوقف قرابة العشرين عامًا من 1986 إلى 2005، وذلك بعد كتاب الشيخ الدكتور عوض بن محمد القرني “الحداثة في ميزان الإسلام”، الذي حوى جملة من الإسقاطات السلبية على الثبيتي وقصائده، الذي اتّهمه بالشرك بسبب مفردة “يا كاهن الحي” في قصيدته تغريبة القوافل والمطر، مع اتّهامات بالكفر والتحريض، وذلك بعدما تم التغرير بمفتي المملكة آنذاك الشيخ ابن باز- رحمه الله- وتصدير شعر الثبيتي على أنّه تحريضي.

والقصيدة التي أثارت التيار الصحوي آنذاك، قال فيها الثبيتي- رحمه الله:

أدِرْ مهجة الصبحِ

صبَّ لنا وطنًا في الكؤوسْ

يدير الرؤوسْ

وزدنا من الشاذلية حتى تفيء السحابة

أدِرْ مهجة الصبح

واسفح على قلل القوم قهوتك المرْةَ المستطابة

أدر مهجة الصبح ممزوجة باللظى

وقلّب مواجعنا فوق جمر الغضا

ثم هات الربابة

هات الربابة.

ألا ديمة زرقاء تكتظ بالدما

فتجلو سواد الماء عن ساحل الظما

ألا قمرًا يحمرُّ في غرة الدجى

ويهمي على الصحراء غيثًا وأنجما

فنكسوه من أحزاننا البيض حُلةً

ونتلو على أبوابه سورة الحِمى.

ألا أيها المخبوء بين خيامنا

أدمت مطال الرمل حتى تورّما

أدمت مطال الرمل فاصنع له يدًا

ومدَّ له في حانة الوقت موسما.

أدِرْ مهجة الصبحِ

حتى يئن عمود الضحى

وجددْ دم الزعفران إذا ما امّحى

أدر مهجة الصبح حتى ترى مفرق الضوء

بين الصدور وبين اللحى.

أيا كاهن الحي

أسَرَتْ بنا العيسُ وانطفأت لغة المدلجينَ

بوادي الغضا

كم جلدنا متون الربى

واجتمعنا على الماءِ

ثم انقسمنا على الماء.

يا كاهن الحيِّ

هلاّ مخرت لنا الليل في طور سيناء

هلا ضربت لنا موعدًا في الجزيرة.

أيا كاهن الحيِّ

هل في كتابك من نبأِ القوم إذ عطلوا

البيد واتبعوا نجمة الصبحِ

مرّوا خفافًا على الرمل

ينتعلون الوجى

أسفروا عن وجوه من الآل

واكتحلوا بالدجى

فامتطى علسُ التيه ظعنهمُ

والرياح مواتيةٌ للسفرْ

والمدى غربةٌ ومطرْ.

أيا كاهن الحي

إنا سلكنا الغمام وسالت بنا الأرض

وإنا طرقْنا النوى ووقفنا بسابع أبوابها خاشعينَ

فرتلْ علينا هزيعًا من الليل والوطن المنتظر.

موقف مشين في تاريخ الثقافة واجهه الثبيتي بالإيمان واليقين:

تلك الهجمة على الثبيتي، انتهت في العام 2001، بعد حادثة 11 سبتمبر، التي كشفت التيار الصحوي، وقلّمت أظافره، ليعود الثبيتي بديوانه الرابع في العام 2005.

ومن مواقف تلك المرحلة، في العام 1991 تم منع الثبيتي من الحصول على جائزة نادي جدة الأدبي، قبل أن يسحب ديوان تضاريس من الأسواق، بسبب الجدل الدائر حول قصائده، بسبب احتشاد وجوه غريبة في النادي، ما أجبر إدارة النادي الأدبي على استضافة ناقد مصري، وتحويل الأمسية إلى محاضرة نقدية أدبية، بينما تم تهريب الثبيتي من الموقع، بغية حمايته من التعرض للإيذاء الجسدي، من أولئك المتحفزين ضده، في حادثة مشينة جدًا برأي الشاعر الملا، في التاريخ الثقافي.

وتسبب الغموض الذي اتّسمت به قصيدة الثبيتي، بتأويلها بما يصب بمصلحة التيار الرافض للحداثة، إلا أنَّ الثبيتي واجه المعارضين من خارج الحقل الأدبي، والذين خوّنوه واتهموه بالكفر والضلالة، بعد تفسيرات غريبة جدًا وتحريض على قتله، إلا أنّه استمر بالكتابة بعمق وبإيمان وبيقين.

جائزة محمد الثبيتي للأدب:

في لمسة وفاء قدّمها النادي الأدبي في الطائف، أطلق قبل ثلاثة أعوام، جائزة محمد الثبيتي للأدب، اعترافًا بتجربته التي أثرت في المشهد الأدبي والثقافي في المملكة العربية السعودية. والجائزة على ثلاثة فروع، الشعر المحلي، والشعر الخليجي، والنقد.

نهاية الرحلة الصاخبة:

دخل شاعر البيد إلى المستشفى إثر جلطة تعرّض لها في العام 2009، إلا أنَّ الأطباء فشلوا في إيقاظه من الغيبوبة على مدار عامين، حتى توقف قلبه تمامًا، عام 2011، في ظرف مؤلم، بعد تأخر العلاج وتفاقم حالته، ونقله بين عدد من المستشفيات، وقبل أن يبلغ الستين من العمر. إلا أنَّ تأثير قصائده سيمتد لأجيال طويلة، بعدما مزج فيها المفردة والرمز، تاركًا روحًا شعرية مهمة ومتميزة، ومعينًا لكثير من الشعراء، وقدم وجهًا شعريًا جديدًا لمجتمعه.

تحية لسيد البيد:

سَتَمُوتُ النُّسُورُ التي وَشَمَتْ دَمَكَ الطفلَ يومًا

وأنتَ الذي في عروقِ الثرى نخلةٌ لا تَمُوتْ

مَرْحَبًا سَيَّدَ البِيدِ..

إنَّا نَصَبْنَاكَ فَوقَ الجِرَاحِ العَظِيمَةِ

حَتَّى تَكُونَ سَمَانَا وصَحْرَاءَنَا

وهَوانَا الذِي يَسْتَبِدُّ فَلاَ تَحْتَوِيهِ النُعُوتْ

سَتَمُوتُ النُّسُورُ التي وَشَمَتْ دَمَكَ الطفلَ يومًا

وأَنْتَ الذي فِي حُلُوقِ المَصَابِيحِ أغْنِيَةٌ لاَ تَمُوتْ

مَرْحَبًا سَيَّدَ البِيدِ..

إنَّا انْتَظَرْنَاكَ حَتَّى صَحَونَا عَلَى وقْعِ نَعْلَيكَ

حِينَ اسْتَكَانَتْ لِخُطْوَتِكَ الطُّرُقَاتُ

وألْقَتْ عليكَ النوافذُ دفءَ البيوتْ

سَتَمُوتُ النُّسُورُ التي وَشَمَتْ دَمَكَ الطفلَ يومًا

وأَنْتَ الذي فِي قُلُوبِ الصَّبَايَا هَوًى لاَ يَمُوتْ.